الطالبات المحجبات الأكثر تعرضا له
الرجل الوسيم و المتزوج هما الأكبر في قائمة راغبي الهوى

أحمد السماحي من القاهرة: التحرش الجنسي.. ظاهرة جديدة طرأت على المجتمع المصري في السنوات الأخيرة ولم تكن موجودة من قبل أو على وجه التحديد لم تكن شائعة أو تصل إلى حد الظاهرة التي تنذر بالخطر ولعل أبرز تجلياتها ما حدث للمغنية اللبنانية مروى في الصيف الماضي فور نزولها من على خشبة المسرح، بعد الحادث الشهير للراقصة المصرية دينا عندما قدمت فاصلا من الرقص أمام باب إحدى دور العرض السينمائي على أنغام زميلها المطرب الشعبي سعد الصغير في أثناء افتتاح فيلمهما، وهو ما أحدث فوضى عارمة اختلط فيها الحابل بالنابل وفتح باب التحرش مشرعا من قبل الجمهور الذي كان حاضرا ومشاركا في تدشين موسم التحرش في قلب الشارع المصري على إيقاع رقصة الفنانة وأنغام زميلها المغني الشعبي.

وفي دراسة مهمة عن التحرش الجنسي في مصر للباحثة هبة عبدالعزيز، صدرت منذ أيام قليلة وشملت مئة امرأة وفتاة كعينة استكشافية روعي في اختيار أفرادها التنوع في الفئات العمرية والمستوى الاجتماعي والثقافي، جاءت النتائج صادمة إلى حد كبير، حيث اتضح أن نسبة من يتعرضون لأشكال التحرش بلغت 89% في أوساط المرأة العاملة، بينما تنخفض النسبة إلى 72% لدى طالبات الجامعة والمرحلة الثانوية، ويأتي التحرش اللفظي من خلال المعاكسات الجارحة التي تتغزل في جسد الأنثى في المرتبة الأولى في الشارع، بينما يأتي اللمس والاحتكاك في المرتبة الأولى في وسائل المواصلات العامة،، أما في مكاتب العمل فقد أوضحت الدراسة أن أكثر أشكال التحرش شيوعاً هو دعوة المرأة بشكل متكرر إلى الخروج لتناول الغداء أو الذهاب إلى السينما، رغم الرفض المتكرر من جانب بنات حواء!

أما الكارثة الخطرة التي تكشف عنها الدراسة هو الموقف السلبي للضحية، فقد تبين أنه من بين كل مئة امرأة تتعرض للتحرش لا تلجأ سوى واحدة منهن فقط إلى الشرطة لتحرير محضر بالواقعة، كما أن نسبة 5% هن من يشتكين إلى الوالد أو الزوج أو الأخ الأكبر بينما 60% يحكين ما حدث إلى الزميلات والصديقات كنوع من الفضفضة.

وتشير الباحثة هبة عبدالعزيز إلى أن هذا الموقف يعكس عدم ثقة الضحية في قدرة النظام القانوني القائم على حمايتها، بل إن 83% يعتقدن أن الذهاب لتحرير محضر شرطة هو نوع من quot;الفضيحةquot; فضلاً عن أنهن يتعرضن لسيل من الأسئلة المحرجة وينتهي الأمر إلى لا شيء بسبب عدم كفاية الأدلة! أما السبب الرئيس في عدم إبلاغ الزوج أو الوالد أو الأخ الأكبر أو ما اصطلح على تسميته بـ quot;ولي الأمرquot; فيعود إلى اعتقاد 79% أن الطرف الآخر quot;ولي الامرquot; لن يتفهم الموقف وسيبادر إلى اتهام الضحية بأنها هي المسؤولة، وسيكون الحل الأول الذي يطرأ على باله منعها من الخروج من البيت أو أن تأخذ إجازة!
والمفارقة التي تكشف عنها الباحثة هبة عبدالعزيز هو غياب كل أشكال الردع لدى المتحرش فالمتوقع أن من تكشف شعرها أو ترتدي ملابس مثيرة هي التي ستحظى بالنصيب الأكبر من التحرش، لكن الحقيقة هي أن جريمة التحرش ضحاياها من المحجبات والسافرات، كما أن وجود الأخ الأصغر أو الأم مع الضحية لا يوقف متحرشي الشوارع أو المصالح الحكومية عند حدهم!
وتوضح الباحثة أن المشكلة الأولى التي يواجهها من يتصدى لفتح هذا الملف الشائك هو عدم وجود تعريف إجرائي محدد لمفهوم التحرش بالمرأة عموما والتحرش بالمرأة العاملة على نحو خاص ومع ذلك فالثابت أن التحرش الجنسي
Sexual Harassment سلوك بغيض يتضمن: تعليقات أو مطالب لفظية ذات طابع جنسي مثل طلب إقامة علاقة جنسية، وقد يأخذ شكل أفعال غير لفظية مثل لمس جسد الطرف الآخر، وتصبح هذه السلوكيات اللفظية وغير اللفظية تحرشاً في ظل عدم الترحيب بها من قبل الضحية لأن الترحيب بها يعني أننا إزاء علاقة رومنسية لا تندرج تحت فئة التحرش الجنسي، كما يعتبر الخضوع لتلك الأفعال، صراحة أو ضمناً، شرطاً لاستمرار الضحية في العمل، وأيضاً يعتبر التجاوب مع تلك الأفعال شرطاً للحصول على ميزة في العمل أو تجنب افتعال صعوبات تضر بالوضع المهني للضحية ومن هنا يطلق على هذا النوع من التحرش التحرش الجنسي التقايضي.

ومن السلوكيات المتعارف عليها للتحرش: النظرة الخبيثة أو ذات المعنى للأنثى وهي تمر من أمام الشخص، التلفظ بألفاظ ذات معنى جنسي، تعليق صور جنسية أو تعليقات جنسية في مكان يعرف الشخص أنها سوف ترى هذه الأشياء، لمس الجسم، النكات أو القصص الجنسية التي تحمل أكثر من معنى، طلب أن تعمل ساعات إضافية بعد مواعيد العمل مع عدم وجود ضرورة لذلك.
وتوضح هبة عبدالعزيز أن هناك فرقاً بين التحرش بصفة عامة والتحرش الجنسي بصفة خاصة، فالتحرش بصفة عامة قد يحدث من خلال استفزاز شخص لآخر بقصد استدراجه إلى التشابك و quot;الخناقquot; باليد أو اللسان.

هناك أيضا فارق بين التحرش والاستغلال الجنسي، فالأخير عبارة عن اتصال جنسي بين طفل وشخص بالغ يريد إشباع رغباته من خلال القوة والسيطرة والابتزاز.

وتوضح الباحثة هبة عبدالعزيز أنه في مجال العمل يصبح التحرش كابوسا يوميا وبالطبع من شأن تعرض المرأة العاملة لخبرة التحرش بها جنسياً أن يؤثر ذلك سلباًفي شخصيتها وحالتها البدنية والنفسية وكفاءتها في عملها وعلاقاتها الشخصية وحياتها الأسرية. فانعدام الشعور بالأمن الشخصي على الجسم والكرامة الشخصية سيثير قلقها، ومن شأنه أيضاً أن يثير اضطراباً في علاقاتها الأسرية، بل وقد يجعلها، في ظل إساءة تفسير ما حدث، تلوم نفسها باعتبارها مسؤولة عما حدث وهو ما يعني تضاؤل ثقتها بذاتها، فضلاً عن شعورها بالعجز وكراهية العمل والرغبة في التغيب عنه والتحرش ليس فقط جريمة أخلاقية بل جريمة اقتصادية كذلك فالشركات والمؤسسات ستخسر نتيجة انخفاض أداء المتعرضات للتحرش، وتغيبهن عن العمل.

تؤكد الباحثة هبة عبدالعزيز أن المتحرش يكون عادة أكبر سناً من الضحية، ويتراوح عمره بين 35 إلى 55 عاماً، ومتزوج، وله علاقة عمل بالضحية لا تقل عن ستة أشهر، ومارس التحرش من قبل، أي له سوابق تحرشية، وهو في معظم المواقف من الزملاء وليس له سلطة على الضحية، ولكنه حين يكون رئيساً تكون عملية التحرش حادة (اغتصابا أو اعتداء) وليس مجرد إشارات وتعليقات وإيماءات جنسية، وعادة ما يمهد للتحرش بالتحدث معها عن ظروف حياته الخاصة وهمومه ومشكلاته وفي ما يتصل بشخصيته فإن لديه افكارا جنسية تحبذ وتشجع على الاعتداء ً على النساء، والسيطرة عليهن اجتماعياً وفي مجال العمل من خلال الجنس، ويعتقد أن المرأة ترغب في أن يعتدي عليها جنسيا.

حول صفات الضحية تشير الباحثة إلى أنها غالبا ما تتصف بأنها ودودة ومجاملة، وتتبادل أحاديث شخصية مع زملائها الرجال مما قد يساء فهمه ويدرك على أنه دعوة للدخول فى علاقة عاطفية ndash; جنسية ما يشجع أحدهم على المبادرة بمواعدتها بإلحاح على نحو تبدأ معه دائرة التحرش، وتبين أن الأكثر عرضة للتحرش : الأصغر سناً، غير المتزوجة، والأقل تعليماً، وذات المكانة الوظيفية المنخفضة، والخبرة المحدودة في عملها، والتي تعمل في وسط معظمه رجال أي تعتبر أقلية فيه، والمؤسسة او الهيئة التي يعملن بها أكثر تساهلاً مع المتحرش حين يبلغ عنه أو يكتشف أمره كما أنها تظهر استجابة ضعيفة ضد بوادر التحرش التمهيدية ما يجعله يندفع نحو إصدار سلوكيات تحرشية مباشرة.

رد فعل الضحية لا يخرج عادة عن احد الاحتمالات التالية حسبما تشير الدراسة فهي قد لا تهتم وتقول لن أخبر أحداً وبطبيعة الحال فإن هذا يشجع المتحرش على تكرار فعلته، وقد تلجأ إلى التقليل من شأن ما حدث، ومحاولة إعادة تفسيره بصورة لا تثير الضيق، quot;فهو لم يقصد التحرش بيquot; أو quot;أنه ليس في حالته الطبيعيةquot; أو التظاهر بأن الموقف لم يحدث، وليس له أثر، وهو ما ييسر عليها تقبل، بل والتعايش مع، ما حدث، والأسوأ لوم الذات على ما حدث فهي، وليس هو، السبب، والغريب أن (25%) من ضحايا التحرش في أميركا عزون التحرش بهن إلى سلوكهن. وهو ما دعاهن إلى عدم الإبلاغ، وهناك الصد بدون مواجهة، حيث تطلب منه أن يدعها وشأنها أو تختلق عذراً لتغادر المكان، أو ترجئ الرد عليه حين يطلب مواعدتها، أو تأخذ الموقف كدعابة، أو التسويف والإرجاء عله ييأس منها ويتركها فى حالها.

أما رد الفعل الإيجابي فهو أن تكون مبادئه وتعبر عن رفضها واستيائها بشكل مباشر فتخبره أنه غير مرغوب فيه، وتطلب منه بحزم أن يكف عن أفعاله تلك، وتهدده بأنها ستبلغ الأمر للرؤساء إذا لم يتوقف، وقد يتم التقدم بشكوى إلى المشرف أو الرئيس الأعلى: أي أن الضحية عليها أن تتبنى سياسة: quot;إذا تعرضت للتحرش يجب عليكِ أن تتقدمي بشكوىquot;.

ومن المهم هنا بناء رأي عام مساند: حيث تخبر الضحية الزملاء والزميلات بما حدث ليعرفوا بأمر المتحرش، وتطلب مشورتهم ومساندتهم ؛ وبذلك تبني جبهة مدعمة لها على مواجهة المتحرش.

ومن الواضح أن أكثر الممارسات المتصلة بالضحية والتي تدفع المتحرش بطريق غير مباشر لارتكاب هذا السلوك تتمثل في عدم تصديها بحزم لمقدمات التحرش، فضلاً عن ارتدائها ملابس مثيرة للانتباه، وتعاملها بطريقة لينة مع المحيطين بها من الزملاء، وهو ما يجعل المتحرش يعتقد أنها صيد سهل وفريسة متاحة.
ويؤدي التحرش ndash; حسب الدراسة ndash; الى نتائج كارثية على الحياة الشخصية والعملية للضحية مثل الخوف والحذر في التعامل مع الزملاء، انخفاض في مستوى الأداء في العمل، عدم الثقة في النفس، كراهية العمل.

ومن الاسباب التي تؤدي الى تعرض الضحية للتحرش دون غيرها يأتي في المقدمة مظهرها اللافت وما ترتديه من ملابس مثيرة للانتباه، واختلاطها الزائد مع الزملاء مما يجعله يسيء فهم سلوكها وسكوتها على ما يصدر من تلميحات ومقدمات، وكثيرا ما تؤدي خبرة التحرش الى اعادة نظر الضحية في طبيعة علاقاتها بزملائها مثل ضرورة التعامل في حدود العمل فقط وتجنب التحدث مع الزملاء في مشاكل شخصية، وعدم الثقة في الآخرين وأخذ الحيطة والحذر اثناء التعامل معهم.

والمشكلة التي تبرزها الدراسة هي عدم قدرة القانون المصري على مواجهة ظاهرة التحرش، فالأمر يتجاوز هنا مجرد quot;هتك عرضquot; أو quot;التعرض لأنثى في طريق عامquot; وهما المصطلحان الموجودان في قانون العقوبات ويتسمان بعدم الفعالية والطابع الفضفاض في حين أن التحرش أشكاله ومظاهره أكثر تنوعاً، وتشير هبة عبدالعزيز إلى أنه تنص المادة 306 على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن مئتي جنيه ولا تزيد على ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض لأنثى على وجه يخدش الحياء بالقول أو بالفعل في طريق عام أو مكان مطروق.

ويسري حكم الفقرة السابقة إذا كان خدش حياء الأنثى قد وقع عن طريق التليفون. فإذا عاد الجاني إلى ارتكاب جريمة من نوع الجريمة نفسه المنصوص عليها في الفقرتين السابقتين مرة أخرى في خلال سنة من تاريخ الحكم عليه في الجريمة الأولى تكون العقوبة الحبس وغرامة لا تقل عن 500 جنيه ولا تزيد على 3000 جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، ولا تنتهي نصوص المادة 306 عند هذا الحد وإنما يعود المشرع ليربطها بمادة أخرى هي 267 لتعاقب كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو التهديد أو شرع في ذلك يعاقب بالأشغال الشاقة من ثلاث سنين إلى سبع، وإذا كان عمر من وقعت عليه الجريمة المذكورة لم يبلغ ست عشرة سنة كاملة أو كان مرتكبها ممن نص عنهم في الفقرة الثانية من المادة 267 يجوز أن تصل مدة العقوبة إلى الحد الأقصى المقرر للأشغال الشاقة الموقتة وإذا اجتمع هذان الشرطان معًا يحكم بالأشغال الشاقة المؤبدة.

والمشكلة أن المرأة عند تقديمها للشرطة بلاغ بالتحرش، يسجل هتك عرض لعدم كفاية الأدلة، وهذا يدل على أن فعل التحرش غير معرف في القانون، وبالتالي لا تؤخذ البلاغات المقدمة للشرطة حول هذه الجريمة بالجدية الكافية!