سلطان الجاعوني: تعد محافظة درعا من المحافظات السورية الغنية بالأوابد الثقافية والآثار الفنية و المباني التاريخية و الذكريات الروحية. و لا تكاد تخلو منطقة من مناطقها من بقايا أثرية مهمة سواء كانت مدنا ما زالت قائمة حتى الآن كمدينة بصرى الشام الأثرية او معابد و كنائس مثل كنيسة مارجيورجيوس في ازرع و معبد درعا و معبد تيكة في الصنمين أو مساجد كالمسجد العمري في درعا و ازرع و غيرها من مناطق المحافظة أو قلاعا وحصونا و تلالا تحتضن الأوابد التاريخية التي تتحدث عن حضارة الشعوب التي سكنت هذه المنطقة من وطننا الحبيب.

ويعتبر حمام النبي أيوب الذي يقع في بلدة شيخ سعد الواقعة على بعد 35 كم إلى الشمال من مدينة درعا أحد المواقع السياحية الدينية التي تستحق الاهتمام نظرا لما له من أهمية دينية واقتصادية اذا ما تم استثماره بشكل أفضل من خلال اقامة مشروع سياحي و تحسين خدمات المنطقة التي تشهد كل عام توافد افواج سياحية من عدة بلدان عربية واسلامية.

و يشير الباحث نضال شرف في كتابه نوى مركز ولاية الجيدور الى ان النبي ايوب كان رجلا كثير المال من سائر صنوفه و انواعه ومن ملاك المواشي و الأراضي المتسعة من اراضي حوران الغربية و له اولاد سلب منه كل شيء و ابتلاه الله في جسده بأنواع البلاء و المرض و لم يبق منه عضو سليم سوى قلبه و لسانه يذكر بها الله عز وجل و نبذه كل الناس و لم يبق الى جانبه الا زوجته التي اضطرت إلى بيع احدى ظفيرتيها لاحدى بنات الإشراف مقابل الطعام و في اليوم الثاني عاودت و باعت الظفيرة الثانية و عندما رآها النبي أيوب قال في دعائه إني مسني الضر و انت ارحم الراحمين فأمره الله ان يضرب بقدمه حيث كان مقيما فضرب الأرض برجله اليمنى فخرجت عين ماء و ضرب الأرض برجله اليسرى فخرجت عين ماء ثانية فشرب من الأولى و اغتسل في الثانية فعافاه الله تعالى.


و قد شيد مؤخراً فوق عين الماء بناء سميّ بحمام النبي أيوب أو ما يقال بالعامية وطية أو دعسة أيوب و هو عبارة عن غرفة واحدة ابعادها 4 - 4 أمتار مبنية من الحجر البازلتي لها مدخل يفضي الى داخل الغرفة بدرج يؤدي الى عين الماء و يحيط الغرفة من الشرق مقعد من الحجر يستخدمه الزوار للجلوس و وضع أرجلهم في الماء طلبا للاستشفاء من بعض الأمراض.

و قد اكد ذلك الإمام زكريا بن يحيى الدين بن شرف النووي في كتابه تهذيب الأسماء و اللغات حين قال.. و كان أيوب في بلاد حوران و قبره مشهور عندهم في قرية بقرب نوى عليه مشهد و مسجد و قرية موقوفة على مصالحه و عين جارية فيها قدم بحجر يقولون انه اثر قدمه ويغتسلون من العين و يشربون متبركين.

و يشاهد في المكان حتى يومنا هذا على عتبة الدرج المفضي لعين الماء رسم لقدم انسان محفور بالحجر للدلالة على قدم النبي ايوب عليه السلام.

وتقع أمام هذه الغرفة فسحة سماوية مستطيلة أبعادها 16م -10م مسيجة من الغرب و الشرق في ركنها الجنوبي كما توجد غرفة كبيرة تقابل غرفة الحمام لها مدخل باتجاه الحمام تتكون من عدد من القناطر و هي مهدمة في بعض أجزائها اما مقام النبي أيوب عليه السلام فيقع على تلة أثرية قديمة تبعد 600 م إلى الشرق من طريق الشيخ سعد عدوان و هو عبارة عن بناء من الحجارة البازلتية ابعاده 15م- 12م له مدخل من جهة الشمال يفضي إلى قبر النبي أيوب عليه السلام و قبور بعض أقاربه.

و كان تقام حول مقام النبي أيوب سوق دير أيوب التي تعد من أهم أسواق بلاد الشام.. ويؤكد الباحث نضال شرف ان هذه السوق شهدت مبادلات تجارية كبيرة وفقا لما ذكره المرزوقي حيث قال ان العرب كانوا متى انتهوا من مواسم أسواق عكاظ و مجنة نظموا قوافلهم إلى بلاد الشام قاصدين دير ايوب اطول اسواق الشام فكانت السوق تستمر لأكثر من شهرين وتتم فيها جميع المبادلات التجارية المعروفة في ذلك الحين حيث كانت تباع الحبوب والزيوت و الاملاح و التمور و الخمور و الالبسة و المنتجات الأخرى و بعد الانتهاء من سوق دير أيوب ينتقل التجار إلى سوق بصرى الشام الذي كانت مقصدا مهما للتجار في ذلك الوقت.

كما يوجد في قرية الشيخ سعد موقع أثري ديني مهم هو جامع و مقام الشيخ سعد و هو عبارة عن بناء من الحجارة البازلتية ابعاده 9م- 11م له مدخل من الشمال و سقف اسمنتي مستحدث لا يزال يستخدم في ممارسة العبادات الدينية.

وتوجد قرب الجامع من الجهة الجنوبية مقبرة اسلامية و الى الشمال منه تقع ساحة كبيرة أبعادها 30 م- 40 م احيطت من الشرق و الشمال بسور حجري يرتفع 2 م و في الزاوية الشرقية تقوم مئذنة الجامع و هي عبارة عن برج قاعدته مثمنة و ارتفاعه 8 أمتار.

ومقام الشيخ سعد يتألف من غرفة ملاصقة لمبنى الجامع من الغرب يتم النزول اليها بدرج من جهة الشمال لها قناطر مقببة من الداخل و هنا يتوضع قبر الشيخ سعد الذي يعتقد ان القرية اخذت اسمها من اسم هذا الصحابي الجليل.

وتشهد قرية الشيخ سعد على الرغم من امكانياتها المتواضعة جدا قدوم اعداد كبيرة من السياح يتوافدون اليها كل يوم من الدول العربية والاسلامية و خصوصا من ماليزيا و اندونيسيا لزيارة حمام و مقام النبي أيوب عليه السلام الذي يفتقد في وضعه الحالي الى أدنى الخدمات الضرورية فهو يحتاج الى الاهتمام و الرعاية من جميع الجهات لتقديم المزيد من الخدمات و اقامة مشروع سياحي فيه ليؤمن الخدمات الضرورية للسياح.

لقد كانت مدينة الشيخ سعد مدينة مهمة تعاقبت عليها حضارات مختلفة وعرفت باسماء مختلفة فقد كان يطلق عليها اسم قرنيم في الالف الثاني قبل الميلاد و شهدت في الفترات اللاحقة تطورا كبيرا حتى أصبحت من أغنى الحواضر و هذا ما اشارت اليه الوثائق المصرية القديمة الموجودة على معبد الكرنك و رسائل تل العمارنة زمن الفراعنة.

و قد عثر في هذه القرية على عدد من الكنوز الاثرية تعود لفترات مختلفة وهي موجودة حاليا في المتحف الوطني في دمشق.

كما عثرت البعثة الوطنية التابعة لمديرية اثار درعا في هذه البلدة خلال اعمالها العام الماضي على كتلة حجرية مكونة من قطعتي ارتفاع الاولى 180 سم و الثانية 120 سم و عرضهما 120 سم وبسماكة 50 سم و هما تشكلان مسلة مصرية عليها نقوش باللغة الهيروغليفية القديمة تؤرخ لفترة رمسيس الثاني 1500- 1400 قبل الميلاد و هي القطعة الاثرية الاولى التي يعثر عليها في سورية و لهذه القطعة قطعة مشابهة موجودة في متحف اللوفر في العاصمة الفرنسية باريس.

يشار الى ان مديرية آثار درعا بدأت الاهتمام بهذا المكان و أقرت خلال العام الحالي إجراء بعض الترميمات لهذا الموقع نظرا لأهميته السياحية والدينية.