أربعة أمراض تثير القلق
الجزائريون.. نصفهم شباب لكنّ الهرم يلوح

كامل الشيرازي من الجزائر:يتسم المجتمع الجزائري بعنصره الشبابي الغالب، وتأخر سن اليأس لدى النساء، كما امتداد الخصوبة لدى الرجال، لكنه وبحكم عوامل سيكولوجية سوسيولوجية متداخلة، صارت الشيخوخة تلوح من بعيد، خصوصا مع تفاقم ظاهرتي العزوبة والعنوسة، واستكمالا للتحقيق الذي أجرته quot;إيلافquot; حول وضعية المستشفيات في الجزائر، نسلط الضوء فيما يلي على الحالة العمرية العامة لدى الجزائريين وأكثر الأمراض التي يعانون منها.


استنادا إلى دراسات أكاديمية جزائرية حديثة، فإنّ معدل أعمار نصف سكان الجزائر (يبلغ عددهم 35 مليون نسمة)، أقل من 25 سنة، ما يبرز سيطرة عنصر الشباب على المجتمع الجزائري، ويبلغ معدل الحياة لدى الرجال حدود 72 سنة، بينما يمتدّ لدى النساء إلى غاية 78 سنة، علما أنّ سن اليأس لدى الجزائريات يلامس الـ50 عامًا، ويتمركز أغلب سكان الجزائر في شمال البلاد على طول السواحل، وقد تضاعف عددهم بأربع مرات منذ استقلال البلاد العام 1962.


وبحسب مراجع رسمية، فإنّ نسبة النمو الديمغرافي في الجزائر، تراجعت مقارنة في السابق، حيث كانت من أعلى النسب عالميا بـ3،4 %، لتصير بمستوى 1،53 %، وهو ما يمثل تراجعا ملحوظا، ربطه كثيرون بما رافق الفتنة الدموية التي عاشتها الجزائر منذ الذي حدث في شتاء سنة 1992، ومقتل أكثر من مائتي ألف شخص، ناهيك عن المشكلات الاجتماعية الجمة التي يواجهها قطاع كبير من الجزائريين، سيما الموظفين محدودي الدخل وكذا آلاف الشباب العاطلين العمل، ما تسبب أيضا في تراجع معتبر على صعيد معدل سن الزواج الذي صار 29 سنة بالنسبة للإناث و33 سنة بالنسبة للذكور، مع انخفاض كبير في نسبة الإنجاب، خصوصا مع كشف دوائر صحية عن استخدام 61 بالمئة من النساء هناك ممن هنّ في سن الإنجاب لأقراص منع الحمل.
وعلى هذا، حذر أطباء ومختصون من اتجاه المجتمع المحلي نحو quot;الهرمquot;، طالما أنّ نسبة الخصوبة تراجعت كثيرا، حيث لم يتعدّ معدل الولادات في السنوات الأخيرة مستوى 2،27 طفل لكل امرأة، وقال معدو دراسة أشارت إليها quot;إيلافquot; مؤخرا، إنّه في حال تراجع هذه النسبة إلى حدود 2 بالمئة، فإنّ ذلك يعني خطرا محدقا على النمو الديموغرافي في الجزائر، بشكل يجعلها تعايش السيناريو نفسه الذي تعاني منه دول أوروبية.


ويعرف سن الزواج في الجزائر تأخرا كارثيا منذ تسعينات القرن الماضي، تبعا لتكاليفه العالية والمغالاة في المهور وتوابعها، وعجز الشباب عن الوفاء بمتطلبات عش الزوجية، ما خلّف نحو ثمانية ملايين فتاة عانس، بينهنّ 4.5 فتاة عانس تجاوزنّ سن الأربعين، فضلا عن عزوف قطاع مهم من الفتيات عن إتمام نصف دينهنّ وتفضيلهنّ استكمال دراستهنّ والظفر بمناصب شغل محترمة، في وقت ركز مختصون على حتمية توعية الجنسين بأهمية بناء أسر، وقيام السلطات المحلية بمنح تسهيلات للمقبلين على الزواج بعد أن صار سن الزواج في الجزائر بحدود 30 سنة فما فوق.


ويرى خبراء بأهمية استثمار الجزائر في مجال الاستثمار في التربية الصحية، وكذا التخطيط العائلي، من أجل منح المجتمع الجزائري دينامية من لون مغاير، وتحقيق أهداف الألفية في المجال الصحي، على درب تحسين صحة الإنجاب مع أفاق2015 وحماية صحة الأمهات والأطفال وتوفير الموارد اللازمة لذلك والعمل على التخفيض من وفيات الأمهات الحوامل والأطفال الرضع.


وأظهر آخر تقرير لوزارة الصحّة وإصلاح المستشفيات الجزائرية، أن ستمائة حامل يتوفين سنوياً نتيجة تعقيدات تتعلّق بالحمل أو الولادة، بما يعادل 97 حالة وفاة من كل مئة ألف حالة، بينما تفارق 50 بالمئة من الحوامل الحياة في المناطق الريفية في سيارات الإسعاف لدى نقلهن إلى مستشفيات أخرى، وبالنسبة إلى المواليد، يتوفى 30 مولوداً في كل ألف ولادة طبيعية، وتقول إحصاءات، فإنّ 18.4 بالمئة من الحوامل يتوفين بسبب ارتفاع الضغط الدموي الذي يغفل عنه الأطباء في كثير من الأحيان، كما يتوفى 6.16 بالمئة من الحوامل بسبب النزيف الدموي.

هذه هي الأمراض المنتشرة
بحسب الأطباء عمر درقيني وجمال نوار وسعيدة حصاني، فإنّ أكثر الأمراض شيوعا في الوسط المحلي، وهي على التوالي: السكري، وضغط الشرايين، وأمراض العيون، وكذا السرطان بنوعيه الرئة والبروستات، نستعرضها على التوالي فيما يلي:
مليونا جزائري مصاب بمرض السكري
يقول أخصائيون في الصحة، أنّ عدد المصابين بداء السكري في الجزائر قفز إلى حدود المليونين، في وقت تفتقد فيه البلاد لبرنامج وقائي صارم يجنب مرضى السكري شبح الموت، وتُظهر أرقام رسمية أنّ نحو خمسمائة مصاب بداء السكري مجهولي الهوية وليسوا مقيدين إطلاقا على الكشوفات، ومن الضروري بحسب الأخصائيين التعرّف على هؤلاء لإحاطتهم بسبل تجنب المضاعفات القاتلة، على غرار السكتة القلبية والقصور الكلوي.
وخلف مرض السكري، يلاحق مرض إرتفاع الضغط الشراييني، 35 بالمئة من الجزائريين، وتقول جمعية طبية جزائرية مختصة، أنّ تفاقم الاصابة بهذا الداء مثاره الرئيس التدخين، بجانب عدم احترام الكثيرين للقواعد الصحية المتعارف عليها، من خلال الأكل العشوائي، وعدم إتباع حمية غذائية، إضافة إلى عدم احترام مقدار الملح في الطعام، والحركة غير الدائمة، بجانب عدم ممارسة النشاطات الرياضية.
ويقول الدكتور سليم بن خدة لـإيلاف، إنّ نسبة المصابين بمرض ارتفاع الضغط الشراييني، مرشحة للارتفاع في غضون السنوات المقبلة بسبب شبح القلق الذي يستبد بكثير من الجزائريين لعوامل سوسيولوجية سيكولوجية متداخلة، ويركّز الأختصاصي المذكور على انعكاسات ظاهرة التدخين، فأكثر من 43 في المئة من الجزائريين يدخنون، 7 في المئة منهم نساء، ويدرج أيضًا الواقع الصحي الكارثي في الجزائر، وافتقاد السكان المحليين لرقابة اجتماعية صارمة ونقص الحملات التوعوية الناجعة، ووصف بن خدة مرض ارتفاع الضغط الشراييني بـquot;القاتل الصامتquot; لارتباطه بالسكتة الدماغية، وارتفاع العضلة القلبية والقصور الكلوي.
من جانبه، لاحظ البروفيسور أحمد بن عقيلة، أنّ خطورة مرض ارتفاع ضغط الشرايين كامن في قابليته لإصابة الذكور والإناث على حد سواء، من سن الـ 18 فما فوق، لذا حرص على الدعوة إلى تحسيس الجزائريين بخطورة هذا المرض، وتعريفهم بالتدابير اللازمة للوقاية منه.
في مقام ثالث، تلاحق أمراض العيون نحو نصف مليون جزائري، وتفيد الجمعية الجزائرية لطب العيون أنّ 475 ألف من مواطنيها مصابون بأمراض العيون الأكثر الانتشار، وتتركز أساسا في الضغط البصري واعتلال الشبكية بالسكري وأخرى لها صلة بالماء الأبيض والماء الأزرق والحول وكسل العين لدى الأطفال، ويربط الأطباء هذه الأمراض بعوامل وراثية، وأخرى لها أسباب لها صلة بتماوجات البيئة المحلية.
وجاء في دراسة جزائرية تحصلت quot;إيلافquot; على نسخة منها، أنّ داء quot;ضغط العينquot; يشهد تناميا لافتا في أوساط السكان المحليين بمعدل إصابة يصل الخمسة أسبوعيا، وأوردت أنّ هذا المعطى يخص مواطنيها الذين يعرضون أنفسهم على أطباء مختصين بعيادات حكومية أو خاصة، ما يجعل الرقم الحقيقي أكثر من ذلك اعتبارا لفئة غير محددة من الجزائريين المصابين بداء العين، ولم يعرضوا أنفسهم على مصالح استشفائية لسبب أو لآخر.
ولاحظ التقرير المذكور أنّ الأشخاص الذين تفوق أعمارهم الأربعين هم الفئة الأكثر إصابة بأمراض العيون، هذه الأخيرة تهدد الكثيرين بفقدان أبصارهم إذا لم يستفد المرضى من متابعات دقيقة ومنهجية لحالاتهم، واستنادا إلى إيضاحات البروفيسور لموي حسن لـquot;إيلافquot;، فإنّ عديد المصابين يعانون بحسبه من تقلص محور البصر، ويخلّف ذاك التقلص آلاما حادة في العينين مع صداع في الرأس، وقد كان يٌنصح بعلاج مثل هذه الحالات في مشافي أوروبية، لكن الآن استفادت عيادات جزائرية مختصة بطب العيون من أجهزة تعين على إجراء العلاج وكذا الجراحة هناك.
ويبدي الدكتور مصطفى مزيان، العضو في الجمعية الجزائرية لطب العيون، أسفا لكون قطاع كبير من المصابين بداء ضغط العين وتوابعه، يفضلون الذهاب إلى المصحات بعدما تبلغ إصاباتهم مراحلها النهائية، وهو ما يجعل من فرص إنقاذ المريض صعبة، وأحيانا كثيرة تكون لتلك الأمراض مضاعفات وخيمة، في صورة 15 ألف فقدوا أبصارهم في السنوات الثمانية العشر الأخيرة، بسبب عدم (اكتراثهم بعلل عيونهم) إلاّ بعدما فقدوا نسبة كبيرة من أبصارهم.
ويعتبر الحول من مشكلات العيون الشائعة لدى الأطفال في الجزائر، حيث يعاني الكثر من هؤلاء من عدم استطاعتهم تحريك عيونهم سوية بصورة دائمة أو مؤقتة، ويرى المصاب بالحول الأشياء مضاعفة عند انحراف إحدى العينين وفشلها في التركيز على الجسم المرئي.
وأكثر أنواع الحول شيوعا هناك، الحول الخلقي، وطول النظر، والحول الظاهري إضافة إلى الحول المخفي، وينادي أطباء العيون في الجزائر باستعمال نظارات طبية لتصحيح عيوب الرؤية، أو إجراء عمليات جراحية بسيطة لتصحيح الحول، كما يدعون إلى توعية مواطنيهم بحتمية اكتساب ثقافة صحية تجعلهم في منأى عن أي اعتلال.
ورابعة الأثافي كما يقال، هو مرض سرطان غدة البروستات، هذا الأخير يؤكد أطباء في الجزائر إنّه ثاني متسبب في وفيات الرجال هناك بعد سرطان الرئة، ويوضح البروفيسور قادة بوعلقة، أنّ الرجال صاروا مهددين قبل أي وقت سابق بالإصابة بهذا الورم الخبيث، حيث يصاب بداء البروستات أكثر من ثلاثة آلاف رجل سنويا وهو رقم كبير جدا مقارنة بدول الجوار، ويفوق عدد المتوفين بسرطان المثانة والبروستات الــ2000 رجل كل عام.
لدى النساء، يقول أطباء اشتغلوا على حالات مرضية نسوية، إنّ المرأة الجزائرية تعاني بكثرة من مرض هشاشة العظام الذي وصفوه بالصامت، وبات يصيب 15 إلى 30 في المئة من الجزائريات، وتتضاعف نسب الإصابة به كلما تقدمت النساء في السن، ويتسبب في كثير من الوفيات، تبعا لما يحدث من quot;توازي أمراض القلب وشرايين الدماغquot;، وبحسب دراسة قدمها الدكتور quot;حميد جوديquot; الاختصاصي في طب العظام، فإنّ 37 في المئة من النساء الجزائريات لا يستفدنّ بشكل كاف من أشعة الشمس، كما أنّ 44 في المئة لا تتعرضن لأشعة الشمس إلاّ قليلاً (10 دقائق فقط يوميًا)، لا سيما النساء الماكثات في البيوت، وفي الوسط الريفي تحديدًا، وتحظى 19 في المئة فحسب بصفة معقولة من هذه الأشعة.
وترتفع نسب الإصابة لدى المرأة الجزائرية بأمراض القلب وشرايين الدماغ وارتفاع ضغط الدم لديها أكثر من الرجل، كما تتعاظم مخاطر إصابة النساء اللواتي تجاوزن عتبة سن اليأس بسرطان الأمعاء، إلى جانب سرطان الثدي وعنق الرحم والمبيض، وكذا مرض الزهايمر.