مع اقتراب موسم الشتاء وحلول فصل الخريف وحدوث التقلبات المناخية في سورية يتبادل الناس الكثير من الأمثال الشعبية المحكاة التي تحمل صفة الفصل الذي تحل فيه فنرى تفاصيل وعبارات جديدة تدخل في حياة السوريين تتناسب مع الفصل أو الموسم القادم.


فداء حورانيمن دمشق: وتعد الأمثال الشعبية والتراث والعادات والتقاليد نوعا من أنواع الموروث الشعبي وجزءا لا يتجزأ منه وقد انبثقت أمثال تتناسب مع الظروف التي كان يعيشها الإنسان السوري كالأمثال التي ارتبطت بالسماء والبرق والرعد والأرض والخصب والموت والحياة والأسرة والمرأة وغيرها في جميع المحافظات السورية وكانت هذه الأمثال تحمل صفة معينة تميزها عن غيرها من المحافظات في عدة مجالات أما من حيث طبيعة سكانها أو ما يقومون به من أعمال أو ما يتمتعون به من صفات لذا كان هناك الأمثال الشامية والحمصية والساحلية والجزراوية والجبلية وعلى الرغم من اختلافها بسبب طقس ودرجات الحرارة في كل محافظة إلا أنها تلتقي في نقطة واحدة مع الاختلاف في طريقة قول المثل أو لفظه.

وقال الدكتور صائل سلوم مدير مديرية التراث الشعبي في وزارة الثقافة إن التراث الشعبي السوري ضم الكثير من الأمثال المرتبطة بالأوقات وفصول السنة والطقس سواء أكان باردا أم مثلجا أم حارا فمثلا يقول المثل أبرد من مية كانون ويدل هذا المثل على طول بال الفلاح ونفسه الطويل وبرودة أعصابه في انتظار انتهاء فصل الشتاء وهناك أيضا مطر كانون در مخزون والمقصود به أن المطر الهاطل في شهر كانون يعطي قوة للتربة وخصوبة للمزروعات.

وأوضح سلوم أن هذه الأمثال تناقلت مشافهة بين الأجيال وهي نابعة من طيبة الشعب السوري وظرفه واستناده في كثير من المناطق والمحافظات إلى التكهنات التي كانت سائدة حول أشهر وفصول السنة لافتا إلى أن هذه الأمثال مجتمعة كان لها تأثير كبير على حياة السوريين الاجتماعية حيث كانوا يؤمنون كل الإيمان بها لأن الروحانية الدينية والأخلاقية والعادات والتقاليد والمعتقدات لعبت دورا كبيرا في التأثير على حياتهم الاجتماعية.

وبين سلوم أن السوريين حرصوا على نقل هذه الأمثال لأبنائهم بغية الحفاظ عليها لذا نجدها محكاة حتى يومنا هذا لافتا إلى أن هناك مثلا مطرة نيسان تساوي السكة والفدان أي أن الخيرات التي تحملها الأمطار في هذا الشهر كثيرة جدا وهناك أيضا شباط اللباط ما على كلامه رباط للدلالة على تقلب حركة الطقس في هذا الشهر فيوم تشرق الشمس ويوم يسود الغيم ويوم يهطل المطر أي أن هذا الشهر غير مستقر مناخيا.

وأشار سلوم أن هناك الأمثال المتعلقة بفصل الشتاء مثل شباط الشتوية يهب ويكوي والمقصود أنه من شدة البرد في هذا الشهر فانه يخرق الجسم كالكي بالنار تماما و مطر كانون لؤلوء مكنون للدلالة على أن المطر في هذا الشهر يحمل قيمة الأحجار الثمينة لأنه يقوي التربة ويعطي الخيرات الوفيرة و بشهر شباط أكلنا دهنتنا وسلمنا على شيبتنا أي أن كبار السن يأكلون المؤن التي لديهم ويشكرون ربهم لأنهم لم يموتوا بسبب البراد القارس في هذا الشهر وهناك آذار الزرع يكبل الكيال للدلالة على أن كثرة الأمطار في هذا الشهر تؤدي إلى خصوبة الزرع وتماسكه و السنة براد ما فيها حصاد أي أنه عندما تكون السنة باردة وينحبس فيها المطر فالفلاح لا يحصد أرضه.

ولفت سلوم إلى أن هناك المثل المرتبط بالسعود سعد السعود دب الماوية بالعود وبيدفي كل مبرود المقصود عودة الحياة إلى الأشجار والمزروعات من جديد و سعد ذبح كلبه ما نبح من كثر البرد والثلج فالكلب يختبئ كي لا يبرد ويموت مبينا أن الأمثال المتعلقة بالفصول السنوية والأشهر والأيام وحالة الطقس موجودة في الوطن العربي ككل ولكن باختلافات بسيطة جدا.

وأوضح سلوم أن هناك أمثالا ارتبطت بمواسم الحصاد الجيدة ومواسم الخير كمثل أيار توت ومشمش وخيار للدلالة على أن بوادر الخير تبدأ في الظهور والمحاصيل الصيفية تنضج وتصبح جاهزة في شهر أيار و حزيران يصبح العجين خمران لأن الحرارة ترتفع في هذا الشهر والعجين يصبح جاهزا للخبز و آب اقطع العنب ولا تهاب أي أن ثمار العنب تنضج في هذا الشهر و أيار يطير الغمار والمقصود أنه في هذا الشهر تهب الرياح القوية فتطير سنابل القمح من شدة الهواء و حمل آب ذهب بالجياب أي أن شهر آب يحمل الخير للفلاحين لأنه تنضج فيه كل الزراعات الصيفية.

وبين سلوم أن هناك أمثالا ارتبطت بارتفاع درجة الحرارة في فصل الصيف فمثلا تموز تغلي المي بالكوز و آب اللهاب للدلالة على أن درجة الحرارة ترتفع كثيرا في هذين الشهرين و حزيران يحزر على كل عود أي أنه هو الحد الفاصل ما بين الشتاء والصيف و أيلول طرفه مبلول أي أنه في نهاية هذا الشهر تتساقط الأمطار لا محالة و بأيلول سيروا ولا تكيلوا أي أنه لم يبق وقت أمام الفلاح لأن فصل الشتاء اقترب ويجب السير في العمل واستغلال الطقس المعتدل لهذا الشهر وقال أبو فارس مسن من مدينة يبرود أن هذه الأمثال أصبحت فلكلورا شعبيا فلاحيا في سورية وأن كل ما نردده منها هو موروث عن أسلافنا المزارعين مبينا أن هناك ما يتعلق بالأمطار والفصول والأشهر وأنواع المحاصيل الزراعية والأشجار المثمرة حتى أن الكثير من الفلاحين حتى يومنا هذا ما زالوا يؤقتون عملياتهم الزراعية عليها من سقاية المحاصيل والحصاد والتقليم وغيرها.

وأضاف أبو فارس أن من أكثر الأمثال التي ما زال يرددها برد تشرين أحد من ضرب السكين و آذار الهدار فيه العواصف والأمطار وفيه سبع ثلجات كبار وبتطلع الأفاعي على أرض الدار و خبي حطباتك الكبار لعمك آذار ومن الأمثلة الشعبية الريفية المناخية أيضا بين تشرين الأول والثاني صيف ثاني و عرس المجانين بكوانين فشهري كانون الأول والثاني من الأشهر الباردة والقليل من الناس يقيمون حفلات أعراسهم فيهما ومن الأمثلة الأخرى عتمة كانون بترعب المجنون حيث أن ليل شهر كانون طويل ونهاره قصير.

من جانبه بين أبو محمد مسن من غوطة دمشق أن أكثر الأمثال المتداولة حتى يومنا هذا بكانون كن ببيتك وكتر خبزك وزيتك وعند جارك لاتبات و في أيار اسحب منجلك وغار و حزيران فيه الحصاد والنيران و في آب الصيف عاب و في آب أدخل على الكرم ولا تهاب حيث في شهر آب ينضج العنب والتين ويحين موعد القطاف.

بدوره لفت أبو أحمد مسن من السقيلبية إلى أن هناك أمثالا كثيرة ما زالت حية مثل الثلج خميرة الأرض و الدفا عفى والبرد قتال و دخان يعمي ولا برد يقتل أي في الأشهر الباردة يتحمل المزارع دخان حطب الموقدة حتى ولو كان مؤذيا ولا يتحمل البرد القاتل و شتوة كانون ذخر وشتوة شباط محل وشتوة آذار خير وشتوة نيسان بركة وشتوة أيار هدية و أن أقبلت فآذار من ورائها وأن أدبرت فآذار من أمامها أي إذا لم تهطل الأمطار في الخريف والشتاء أو هطلت بكميات قليلة أو كثيرة فشهر آذار يعوض ذلك أو يزيدها لكثرة الأمطار فيه.

وأضاف أبو أحمد أنه من الأمثال الريفية السورية أيضا كانون الاجرد بيخلي الشجر أمرد و شمس شباط بتعلم على البلاط و شباط حلف بالطلاق ما يخلي غسيله يبات وما ينشف و شباط المجنون كل يوم برأي لأنه ليس فيه استقرار في الطقس.

يذكر أن هذه الأمثال الشعبية ما زالت حية حتى يومنا هذا يرددها الصغير والكبير وفي سبيل الحفاظ عليها قامت مديرية التراث الشعبي ولجنة حفظ الموروثات الشعبية في وزارة الثقافة في كل المحافظات بجمع هذه الأمثال من مصادرها الأصلية سواء الفلاحون أو القرويون أو كبار السن لأرشفتها وتوثيقها بكتب للمحافظة عليها وضمان تناقلها بين الأجيال القادمة.