يمتد عمر حي الحرفيين في مدينة الجزائر إلى الحقبة العثمانية من حيث فن العمارة وطبيعة الأغراض المستخدمة. فقد كان قبل ثماني قرون خلت أيام مدينة إيكوزيوم التسمية القديمة للجزائر العاصمة وحاكمها الشهير آنذاك quot;بولوغين بن الزيري.
كامل الشيرازي من الجزائر: لا تزال الجزائر الحافلة بحضارات القرطاجيين والرومان والوندال والإسبان والفرنسيين والعرب، تستكشف ينابيع أثرية ظلت غير معروفة، في صورة حي الحرفيين العثماني الواقع أسفل قلعة القصبة التاريخية وسط عاصمة الجزائر، حيث أميط عن بقاياه اللثام مؤخرا، ويتعلق الأمر بحي كامل للحرفيين من الحقبة العثمانية يمتد من حيث فن العمارة وطبيعة الأغراض المستخدمة إلى ثماني قرون خلت أيام مدينة إيكوزيوم التسمية القديمة للجزائر العاصمة وحاكمها الشهير آنذاك quot;بولوغين بن الزيريquot;، علما أنّ إيكوزيوم كانت في العهد البوني وتعني جزر طائر النورس.
ويشير الباحث quot;جميل فتيسquot; في حديث خاص مع quot;إيلافquot; إلى أنّ هذا الحي الحرفي يعود تاريخ إنشائه إلى سنة 1543م، حين تمكّن العثمانيون أواسط القرن الخامس عشر من تخليص حي القصبة الشهير من احتلال إسباني استمرّ لنحو سنتين، حيث استعان السلطان الجزائري سليم التومي الثعالبي آنذاك بالأخوين البحارين عروج وخير الدين بربروس، لطرد الغزاة الإسبان، بيد أنّ التومي لقي حتفه على يد quot;عروجquot; ذاته الذي حاول الظفر بزوجة التومي، الأميرة الحسناء quot; زفيرة quot;، لكنّ هذه الأخيرة ارتضت الانتحار على القبول بالأمر المحتوم، وقد استقرّ العثمانيون بالقصبة زهاء ثلاثة قرون، إلى غاية سقوط الجزائر في يد الاحتلال الفرنسي أوائل صيف 1830.
واستنادا إلى إفادات الأستاذ quot;كمال ستيتيquot; المشرف على ورشة الحفريات المستمرة منذ أشهر بباحة ساحة الشهداء، فإنّ تفاصيل كثيرة عن هذا الحي لا تزال في طور التجميع والمدارسة، ويرى ستيتي في تصريح خاص بـquot;إيلافquot; أنّه من السابق لآوانه رسم صورة شاملة لحي الحرفيين، قبل أن تتم فرق الخبراء عملها، وقد يسفر الأمر عن quot;مفاجآتquot;.
ويعدّد quot;كمال ستيتيquot; نوعية الأغراض التي عُثر عليها، وهي تتوزع بين أواني الفخار والخزف والأحجار المصقولة والرسومات الفسيفسائية والجداريات، وهو ما ينضاف إلى نظام لجر المياه والسقي الذي اكتشف قبل أشهر ويعود تاريخه إلى القرن السابع عشر، فيما يشير quot;أحمد حمو باباquot; إلى أنّه جرى العثور على مستلزمات حرفة الحدادة من العصر الوسيط، إضافة إلى شواهد قبور وهياكل عظمية كاملة.
وتعتقد المؤرخة quot;كريمة دقيquot; أنّ حي الحرفيين الضخم والذي يمتد من ساحة الشهداء إلى غاية المسجد الكبير، بُني على أنقاض حضارات بائدة، في صورة الحضارتين البونيقية والبيزنطية، وما طبع العهد الروماني والمسيحي، بحكم ما جرى اكتشافه من نسخ تماثيل رومانية رامزة للقوة والسلطة، ولوحات روسفونيا المعبّرة عن quot;المسيحquot;.
من جهته، يرى رئيس مؤسسة قصبة الجزائر quot;علي مبتوشquot; أنّ التقصي بشأن تاريخ حي الحرفيين وحيثياته، من شأنه أن يقود إلى إدراك حقائق هائلة حول فترة التواجد العثماني في الجزائر، ومختلف نواميس الحياة الاجتماعية المحلية في تلك الفترة، ويشير مبتوش إلى أنّ التعطش لا يزال يعاني منه مواطنيه إزاء ما غلّف عدة مراحل من التاريخ الجزائري القديم.
بدوره، يشدّد المؤرخ quot;بلقاسم باباسيquot; أنّ الأمر ينطوي على قيم تاريخية واجتماعية وثقافية ذات بال، يمكن التوسع فيه عبر تشريح الأحد عشر قصرا أثريا التي خلّفها العثمانيون بالقصبة، من جانبهم، يتلهّف يزيد، عمر، فريد، جمال وغيرهم من أبناء القصبة للتعرف على حقيقة الحيّ الحرفي الذي يُرتقب أن يتم تأطيره ليصير معلما سياحيا لاحقا.
التعليقات