متاحف الشرق الجزائري quot;خاوية على عروشهاquot; رغم أهميتها التاريخية

كامل الشيرازي من الجزائر:برغم ما تمتلكه من أهمية تاريخية كبيرة، إلاّ أنّ متاحف الشرق الجزائري تتواجد في وضع سيئ، في صورة تلك التحف المترامية على مستوى محور (المسيلة ndash; بوسعادة- المعاضيد) ونادرا ما تستقطب هذه الأمكنة النفيسة زوارا، على نحو حوّل المسألة إلى ظاهرة حقيقية تستدعي الدراسة والمعالجة، خصوصا مع تكرار الأمر على نحو لافت على مدار الـ15 سنة المنقضية.


وتعدّ منطقة الشرق الجزائرية لا سيما ولاية المسيلة بين أكثر المناطق الجزائرية التي تحتوي على رصيد متحفي يعكس مختلف الحقب التاريخية، حيث تتنوع مراياها بين تحف مقتناة من العصور الرومانية وأخرى من حقب بيزنطية وإسلامية، كما تنفرد المسيلة بامتلاكها متحفا للرسم التشكيلي يحتوي على سائر أعمال الفنان التشكيلي الفرنسي الشهير quot;إتيان دينيهquot; (1861 ـ 1929م) الذي دخل الإسلام وغيّر اسمه إلى quot;نصر الدين دينيquot;.


واستنادا إلى شهادات العارفين، فإنّ أدوار المتاحف الشرقية باتت مقتصرة على تسيير شؤونها الداخلية، ومن الصعوبة برأيهم حصر مواطن الخلل، حتى وإن كان مختصون يشددون على حتمية تجاوز عرّابي المتاحف لشكلانية فتح الأبواب أمام الجماهير، واكتفاء ناشطيها بالتحسيس وإذكاء معالم الشرح والتبيين والتوجيه، وتعدي ذلك إلى مستوى تفتح المتاحف على محيطها الخارجي، وذهاب مسيريها ومنشطيها إلى المواقع ذات الإقبال الجماهيري الأكبر كالمدارس والجامعات وكذا سائر المرافق والميادين والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية، ويستدعي هذا التفتح على العالم الخارجي، قيام إدارات تلك المتاحف بأدوار العارضين خارج قواعدهم من خلال تنظيم معارض وأيام بيداغوجية حول أهمية المتاحف في حياة الشعوب والأمم كحافظة للتاريخ والذاكرة.


كنوز
تتوفر متاحف الشرق الجزائري كما متاحف الجهات الوسطى والغربية والجنوبية على كنوز تستحق الزيارة والاستكشاف المستمر، في صورة متحف قلعة بني حماد، الذي نجد داخله على عديد النفائس التي تعود إلى قرون خلت، زمن بني حماد (1007 م)، ويحتوي المتحف المذكور على أجود ما توصلت إليه البعثات العلمية والحفريات التي قادها كل من quot;لوسيان غولفينquot; وquot;رشيد بورويبةquot;، وسمحت باسترجاع مقتنيات من السيراميك والفوانيس الزيتية وبعض قطع الأرضيات والجدران مثل تشكيلات السيراميك الحائطية المزركشة ذات الانعكاس المعدني الباهر، بالإضافة إلى الديكور الهندسي والخطي التابع لقصر منار البحر.
ويحتوي متحف قلعة بني حماد أيضا على رسوم لأشجار منقوشة وملونة بالجبس المصبوغ، بالإضافة إلى بعض الشظايا ذات الأشكال المتراصة وما يشبه خلايا النحل والتي تسمى بالمقرنس ذي الخلايا وأحجار ورخام منقوش، إضافة إلى مجموعة مقتنيات تتكون من تماثيل الموتى وأعمدة وواجهات القصور، وكوكبة أخرى مشكّلة من النقود الفاطمية وبعض الموازين البرونزية والقنوات المصنوعة من مادة البرونز.


من جانبه، يختزن متحف الحضنة المتأسس في مايو/آيار 1993، على مجموعة جيولوجية متكاملة تتوافر على بقايا الحيوانات والنباتات القديمة جدا ومجموعات ما قبل التاريخ بما يعكس فترات ضاربة في القدم ومجموعة عريقة تمثل العهد الروماني والبيزنطي والمشكّلة من بعض البقايا المعمارية، فضلا عن القلل والفوانيس والقطع النقدية وبعض الأثاث الخاص بطقوس الموتى.
وتتكون مجموعة العصر الوسيط من أغراض وُجدت في موقع quot;المحمديةquot; القديم في القرن العاشر، وفيها قطع السيراميك وأقداح زجاجية وشظايا من الخشب المنقوش وبعض الأغراض التبعة لقلعة بني حماد، وتتشكل المجموعة الأخرى بمعرض الحضنة من مخطوطات وبعض الأواني المطبخية التقليدية والأسلحة النارية والبيضاء.


بدوره، يشكل متحف quot;ناصر الدين دينيه بمنطقة بوسعادة إحدى المفاخر الجزائرية في مجال الرسم والفن التشكيلي، حيث يتكون المتحف من مبنيين جزء قديم احتضن مرسم الفنان وقد أجريت عليه ترميمات، فيما جرى استحداث الجزء الثاني عام 1993 ويتشكل من قاعتين للعرض وبناية للإدارة، علما أنّ المتحف استعاد خلال الثلاث سنوات الأخيرة 11 لوحة لدينيه.


غياب ثقافة quot;متحفيةquot;
يركّز كثير من المتابعين لما يدور في فلك المنظومة المتحفية المحلية إلى عامل quot;غياب ثقافةquot;، لذا يحث خبراء الشأن المتحفي على إذكاء عمليات التوجيه، وتعميمها عبر المؤسسات التعليمية في مختلف مراحلها وكذا المؤسسات الاجتماعية كما مدارس الصم البكم والمعاقين حركيا، إضافة إلى سائر المؤسسات والهيئات العمومية، حتى يتم تكريس البعد الذي ينطوي عليه المتحف كشاهد للذاكرة، كما يقترح مثقفون أن تقوم إدارات المتاحف بطبع ما أمكن من مقتنيات ومحتويات وتوزيعها على السكان المحليين.


ومن المبررات الموضوعية لعدم تمكن المتاحف من أداء أدوارها، ما تتسم به من ضيق المساحة خصوصا البهو المخصص للعرض حيث أنّ متحف القلعة يتربع فقط على أربعمائة متر مربع، بينما لا تتجاوز مساحة متحف الحضنة بعاصمة الولاية 236 م3، تماما مثل متحف دينيه كونه واقع في نطاق لا يتعدى المئتي متر، ويصطدم توسيعه بحاجز وجوده وسط وحدات سكنية خاصة.