ضحايا مهنة الطب في اليمن: أطباء تقتلهم الفيروسات والإشعاعات

سوسن الجوفي من صنعاء:يكثر الحديث عن أخطاء الأطباء تجاه مرضاهم في حين يغيب تسليط الضوء على الأطباء والصحيين الذين صاروا ضحايا فيروس مميت أو إشعاع قاتل أثناء تأديتهم لواجبهم ضحايا المهنة: وسط العاصمة صنعاء تعيش عائلة يمنية مكونة من 7 أفراد، جلهم معاقون. هذه العائلة الصغيرة لها خمسة أطفال يعانون من عمى بصري واختلال ذهني.

تقول الأم، التي رمزت لاسم العائلة بـquot; أ.غquot;: quot;أطفالي يولدون بصورة طبيعية، وحين تقترب أعمارهم من العام تبدأ أعراض المرض في الظهورquot;.
تنقل الأم عن الأطباء أن أسباب المرض غير وراثي، وتشير إلى أن زوجها عمل لفترة طويلة في أحد المستشفيات بمجال الإشعاع إلى أن تقاعد.
هذه الأسرة مثال حي للضريبة التي يدفعها العاملون في المجال الصحي الذين يتحولون إلى ضحايا.
الطبيبة المخبرية quot;ن، عquot; تحولت إلى ضحية بعد استعجالها في سحب عيّنة دم من شخص تم إسعافه في حادث مروري، وهو مصاب بفيروس الكبد.
تقول: quot;أثناء محاولتي إدخال الحُقنة إلى الأنبوب تعرضت لوخزة، وهذا الحدث شكل فاصلا نهائيا في حياتي، أصبت بالفيروس وأصيب ابني، وهو جنين في بطني ولم استطع مواصلة عملي، أشعر بحزن وألم شديد لذلك، لكني مؤمنة بقضاء الله وقدرهquot;.
تضيف: quot;أنا لا أخوف زملائي، ولكن عليهم التأنّي والحذر أثناء القيام بمهامهمquot;.

بين الخوف والحب للعمل. الحذر واجب:
أحلام وإيمان وسماح هن صحيّات يعملن في مختبر الدم الخاص بدار التوليد التابع لجمعية رعاية الأسرة. الثلاث يعملن بجد، فهناك فحوصات وعمليات سحب دم باستمرار في هذا المكان، والحالات المرضية تتوافد دون انقطاع.
تقول أحلام quot;أعمل في هذا المختبر منذ ثلاث سنوات ورغم المخاطر التي أواجهها إلا أني أحب عملي، ولذلك أعمل بحذر، وأتخذ جميع الاحتياطات، مثل: لبس قفازات اليدين والبالطو الأبيض وعمل فحوص كل ستة أشهرquot;.
تضيف quot;المرة الوحيدة التي أصبت فيها بوخزة حقنة قبل سنتين، لكن كانت جديدة، ولم تستخدم بعد، ورغم ذلك كنت خائفة، وهذا الحدث زاد من حذريquot;.
زميلتها إيمان كانت تعمل في مختبر خاص، وانتقلت إلى مختبر جمعية رعاية الأسرة حديثا.
لدى إيمان قناعة أنه quot;لن يصيبني إلا المكتوبquot;، أما زميلتهما الثالثة سماح فتقول quot;الجمعية تقوم بعمل تلقيحات كاملة للمخبريين والموظفين؛ لأن المكان يستقبل جميع الأمراض والفيروسات، ونأخذ اللقاح قبل البدء بالعمل تجنبا لأية إصاباتquot;.
الصحيات الثلاث يشددن على أخذ الحذر والحيطة أثناء مزاولة مهامهن quot;إن هناك مسعفين لمرضى وأولياء أمور لمرضى مصابين بأمراض معدية، وهم لا يعرفون، خاصة حين يقدمون على التبرع بالدمquot;.
المواطن عمر عبد الله 35 عاما لم يكن يعرف أن فيروسا خطيرا ينهش كبده.. يقول quot;سارعت إلى المستشفى لإنقاذ زوجة عمي التي تعرضت لنزيف بعد عملية جراحية، تفاجأت بأني مصاب بفيروس الكبد.. تأكدت بفحص تعزيزي. وعندها رضيت بقضاء الله، وحمدت الله أن الفحص المبكر للفيروس أنقذني من موت محققquot;.

الهروب قد يكون حلا:
المتخصص في الأشعة، صالح، وبعد مسيرة قلق أثناء ممارسته عمله قرر البحث عن مهنة أخرى. يقول quot;لدي مشكلة تكمن في صداع مزمن في رأسي، وقد تفاقم أثناء أداء عملي في قسم الأشعة بإحدى المستشفيات الخاصة، نزلت عند نصيحة أهلي بترك العمل بعد فترة طويلة، كنت خلالها في صراع بين حبي لعملي ونصيحة أسرتي، لكن ذلك بعد أن بدا واضحا تساقط شعر رأسي وإصابتي بالصلعquot;.
زميل المهنة محمد عبد الرحمن، يعمل في كشافة تابعة لقطاع خاص، يقول quot;بدأت عملي قبل سبع سنوات، ولدي المعلومات الكافية عن الأشعة ومخاطرها، وتكمن الخطورة في تعرض أي منّا لنسبة عالية من الإشعاع دون اتخاذ إجراءات وقائية، ولذلك هناك نسبة معيّنة لا يمكن تجاوزها، سواء بالنسبة لفني الأشعة أم للمرضىquot;.
ويشير محمد إلى أن التطور التكنولوجي ساهم في تقليل التعرض للأشعة quot;لكن هناك مخاوف شديدة لدى العاملين ليس لها مبرر إذا ما تعامل بحذرquot;.

حالتان يوميا تصاب من المخبريين:
الدكتور عبد الله الخضر، مسؤول ضبط الجودة في قسم الهرمونات والفيروسات بمختبر الدم بمستشفى الثورة، يقول quot;يفترض من حين استقبال المريض أن تكون هناك إجراءات صحيحة، فعند سحب الدم لا بُد من لبس القفازات الطبية والانتباه عند وخز الإبرة؛ لأن ذلك سينقل أمراضا خطيرة، خاصة الإيدز وفيروسات الكبد، وهناك أمراض تحتاج 45 يوما، حتى تظهر في الفحوصاتquot;.
وعن الاحتياطات اللازم اتخاذها، يضيف الدكتور الخضر quot;يفضّل عمل فحص دوري كل ثلاثة أشهر؛ لأن الممرض علاقته متواصلة مع دم المرضى، وعليه عدم استخدام الأنابيب أكثر من مرة؛ لأنها ستؤدي إلى نقل العدوىquot;.
ويشدد على استخدام مادة الكحول المركّز للتعقيم، ويقول quot;إذا لم يكن مركزا أكثر من 70 بالمائة فهو لا يقضي على الفيروسات، فإذا انكسرت أنبوبة على طاولة قد تبقى الفيروسات لمدة أسبوع حيّة في حال عدم تعقيمها، ولذا لا بُد من التعقيم اليوميquot;.
ويشير إلى ضرورة توافر أجهزة متطوّرة ودقيقة لفحص دم المتبرعين، ويقول quot;الكاسيتات التي تستخدمها أغلب المختبرات، إن لم يكن جميعها، ليست دقيقة، وفي بعض الأحيان هناك حالات تأتي إلينا على أساس أنها سليمة وخالية من أي فيروسات، وعندما نقوم بفحصها ووضعها في جهاز quot;ليزاquot; يظهر الفيروس، لذا يجب استخدام مثل هذه الأجهزة في جميع المستشفيات وبنوك الدم؛ حتى لا تحدث أي مشاكل للمريض الذي يقدم له المتبرعون الدمquot;.
ويؤكد quot;أن التقارير اليومية تدلل على أن هناك أربع حالات يوميا للمتبرعين بالدم نكتشف أنهم مصابون، وأنه في كل 55 حالة تبرع هناك حالتان يوجد فيها فيروساتquot;.
ويقول الدكتور الخضر quot;لا توجد إحصائية خاصة بعدد الأطباء والممرضين الذين أصيبوا بأمراض أثناء تأدية عملهم، لكن أستطيع أن أقدر أن هناك 80 بالمائة يصاب اثنان منهم بشكل يومي، وهذه الحالات قد تزيد، وقد تصل إلى الصفر إذا اتخذت الاحتياطات اللازمة، كما يجبquot;.
أما عن نفايات المختبرات، فيقول مسؤول ضبط الجودة في قسم الهرمونات والفيروسات بمستشفى الثورة quot;لهذه النفايات محرقة خاصة، ولا نقوم برميها في المخلفاتquot;.

لجنة الطاقة الذرية: الإشعاع تحت السيطرة
مصدر في اللجنة الوطنية للطاقة الذرية -رفض ذكر اسمه- علق على مخاطر الأشعة والعاملين عليها.. بالقول quot;نحن في إطار القانون الدولي والقانون الوطني نعتبر أنه يجب حماية الإنسان من أخطار الأشعة، وليس فقط العاملين بل حتى المرضى وجمهور الناسquot;.
يضيف quot;الجبهة الأولى هم العاملون في أقسام الرايدلوجي في اليمن، وهذه الأقسام موجودة في كل المستشفيات الخاصة والحكومية، وليس فقط لأشعة quot;إكسquot;، فهناك أخطر منها، وهي الأشعة المقطعية، فكل صورة من صور الأشعة المقطعية هي عبارة عن 30 صورة من أشعة quot;إكسquot;، ولا يدخل في ذلك الرنين المغناطيسيquot;.
يضيف quot;لدينا في اليمن قواعد وقوانين وأنظمة تنظم عملية استخدام أشعة إكس، وتحمي بالدرجة الأولى العاملين، لأن المريض يأخذ لقطة واحدة بينما العامل يدخل مع كل مريضquot;.
ويؤكد المصدر أن جميع العاملين في أشعة quot;أكسquot; في القطاع الحكومي تحت الحماية المباشرة من اللجنة الوطنية للطاقة الذرية quot;كل عامل تم تدريبه بكيفية التعامل الآمن، وكل مستشفيات الحكومة تم فحصها وفحص الغرف التشغيلية داخلها والتأكد من سلامتها وكل النواقص التي وجدت تم حلهاquot;.
ويضيف quot;هؤلاء العاملون الذين تم تدريبهم تم منحهم مقياسا شخصيا للإشعاع، وهو عبارة عن كرت فيه (كود نمبر) يظل هذا الكرت يحمله العامل طوال تعامله مع أشعة أكس، وكل شهرين يتم بعث هذا الكرت إلى اللجنة لقياس الجرعة؛ لأنها جرعة تراكمية، فإذا كانت جرعته أكثر من اللازم نستدعيه ونحاول معرفة ما يحدث، ونتخذ الإجراءات القانونية اللازمة والمناسبةquot;.
ويؤكد أن أغلب أشعة quot;أكسquot; في اليمن حكوميّة.. quot;والكشافات الشعبية لا يذهب إليها إلا القليل، وهناك دراسة أجريناها أن 70 بالمائة من أشعة أكس حكومية، وبالتالي تحت السيطرة، ونحن نسيطر على ما يفوق ألف عامل إشعاعي في الجمهورية اليمنيةquot;.


أما بالنسبة للقطاع الخاص، فيقول quot;لا يمكن منحهم المقاييس مجانا؛ لأنها تقنية مكلّفة، ونحن لا نطلب من القطاع الخاص قسريا أن يأتوا ليحصلوا على هذه الخدمة ومن يرغب في الحصول عليها لا نمانع بعد دفع الرسوم، ولكن حين يكون هناك تعديل للقانون سيكون قسرياquot;.
ويقول إن القطاع الحكومي ملتزم بمواصفات وشروط السلامة، الخاصة بالتعامل مع الأشعة، في حين هناك جزء في القطاع الخاص فقط ملتزم.
ورغم ذلك يضيف quot;نحن من أفضل الجهات في المنطقة التي لديها منظومة للحماية الإشعاعية، سواء في أشعة أكس أم في بقية التطبيقات الطبيةquot;.
ويقول quot;البنية التحتية تتضمن ثلاثة عناصر، الأول: قوانين وأنظمة ولوائح وإجراءات الحماية الإشعاعية في الحقل الطبي وأنواعه والحقل الزراعي وأنواعه والصناعي.... الخ. والعنصر الثاني: الكادر البشري المتدرب والمناط به تطبيق هذه القوانين والأنظمة واللوائح والإجراءات. والثالث: الأدوات والمعامل التي تساعد البشر في تطبيق القوانين والأنظمة واللوائح والإجراءاتquot;.
ويشير إلى أن هناك مجالات أخرى لم تدخل اليمن فيها بعد، مثل: مجال المفاعلات quot;باستثناء مجال إنتاج الكهرباء وهو قيد الإنشاءquot;.


وحول الضوابط التي وضعتها اللجنة للحد الأعلى المسموح بها من الأشعة يقول quot;في القانون الدولي تسمى الحدود القانونية للتعرض، وهناك ثلاثة حدود، هي: التعرض المهني وهو مرتفع قليلا حسب المهنة، والتعرض للجمهور: أي لعموم الناس، والتعرض الطبي: وهو منخفض، وهذا لا حدود له، والمثال على ذلك عندما يأخذ مريض السرطان جرعة هائلة لغرض القضاء على السرطان؛ لأنه إذا لم يأخذها حياته مهددة بالموت، لكن هناك إرشاداتquot;.
ويؤكد أن العالم مع التطور يستخدم الإشعاع على نطاق واسع بأمان مطلق، quot;التعرض لأشعة أكس في اليمن يكاد يكون صفرا، وفي بقية العالم قليل، لكن الحوادث المرورية ومجال تصنيع السيارات تؤدي إلى وفاة وإصابة الكثير الذي يفوق ملايين المرات ممن يتعرضون للإصابة بالإشعاعquot;.