صباح الخفاجي من بغداد: حطم ارتفاع أسعار المواد الإنشائية حلم مهند عيسى (44) سنة في بناء بيت صغير لا تتعدى مساحته الـ75 م وكان مهند قد حصل على قطعة الأرض من أبيه الذي قسم داره بين أبنائه لعجزهم عن شراء قطعة ارض أو شراء منزل.لكن مهند لم يتمكن من بناء أمتاره الـ75 بسبب ارتفاع أسعار مواد البناء الفاحش..وتشارك أم حسين 65 سنة (هم البناء وارتفاع الأسعار) مع مهند..حيث تسكن الأخيرة في منزل لا تزيد مساحته عن 100م تقول ام حسين أن ابناها الذين تجاوزت أعمارهم 37 و35 لم يتزوجوا إلا لوقت قريب بسب صغر مساحة البيت..لكنها خوفا من (فوات الأوان) زوجت احدهما في غرفتها الصغيرة ونصحت ابنها الثاني في البحث عن بيت ليؤجره ويتزوج فيه..ومثل ام حسين ومهند الافا من العراقيين حيث تثير قصصا كهذه تناقضا من الغرابة والمفارقة التي تلف حياة العراقيين..ففي الوقت الذي يصنف فيه العراق واحدا من اغني البلدان بالمنطقة والعالم لغناه بالثروات الطبيعية كالنفط والفوسفات والغاز والكبريت والزئبق وغيرها. يبدو الأمر شديد الغرابة حين لا يتمكن أبناؤه من شراء قطعة ارض أو تشييد منزل لا تزيد مساحته عن 100 م؟

من يقف وراء اشتعال أسعار المواد الإنشائية وكيف ستحل هذه المشكلة التي أعاقت وربما قضت على أحلام المواطنين في بناء منازل تحفظ لهم مواطنتهم وتحمي جيوبهم من استنزاف الإيجار الشهري الذي لا يقل مقداره عن450 ألف في العاصمة بغداد حصرا..؟


نار..الأسعار نار...!!

يعزو هادي الزبيدي مالك سكلة لبيع المواد الإنشائية الى إن اشتعال أسعار المواد الإنشائية هو السبب الرئيسي في عجز وعزوف المواطنين العراقيين عن تشيد المنازل أو حتى الشروع بأعمال الأعمار والترميم موجزا تلك الأسعار بالقول: يصل سعر دبل الطابوق العادي (900)إلف دينار والطابوق الجمهوري ( 1000000-12000000) مليون دينار..

في حين يصل سعر الرمل الأحمر قلابي من مقالع الرزازة (500) وصل سعر الطن من شيش التسليح الى (1000000 ) مليون دينار،وصل سعر طن جص النجف العادي إلى (1000000) مليون، وصل سعر جص مناطق غرب العراق إلى (20000000).،وصل سعر الطن الواحد من الاسمنت الى (200) إلف دينارا.،بلغ سعر الطن من شيش التسليح (1000000 ) مليون دينار، وصل سعر حصو سامراء والصدور(400) الف دينار.أضف الى ذلك ارتفاع أسعار الكاشية الواحدة الى (1000) ألف دينار. مع الأخذ بعين الاعتبار ان حاجة البيت المتوسط تبلغ قرابة 2000-2500 كاشية

-كم يكلف بناء الغرفة الواحدة..؟

-من 5-6 مليون

-وكم تبلغ كلفة بناء بيت بمساحة 200م؟

-حوالي (160) مليون دينار


حكومة طاغية وحكومة نائمة -مقارنة وحقائق مؤلمة

ويقارن المهندس عمر احمد (50 عاما )أسعار المواد الإنشائية في العهد السابق وأسعارها اليوم:كانت المواد الإنشائية متوافرة في غالبية المدن العراقية. وكان المواطن يحصل على المواد الإنشائية بأسعار مناسبة وعن طريق البيع المباشر من خلال مراكز متخصصة تزود المواطن بما يحتاجه. لكن الوضع تغير تماما بعد 2003 حيث أصاب الشلل والعجز اغلب نواحي الحياة في العراق ومن ضمنها مصانع ومعامل المواد الإنشائية ومازال الوضع متدهورا لأنهم لم يدعموا إنتاج المواد الإنشائية.

ولولع صدام حسين ببناء القصور فقد انتعشت صناعة المواد الإنشائية و استفادت تلك المعامل من جودة المعادن الطبيعية الموجودة على ارض العراق ووفرتها وتميزها على تلك المتوافرة في أراض الجيران.الأمر الذي أدى الى توافرها بالسوق وطرحها للبيع بأسعار ملائمة للمواطن.لكن معامل المواد الإنشائية رغم حصولها على دعم الحكومة الكبير إلا أنها خضعت من جهة أخرى لنظام رقابة صارم ساعدها في الوقوف على قدميها ومجاراة بل التفوق على ما يضاهيها في البلدان المجاورة والإقليمية.

ويوافقه هادي الزبيدي الرأي مضيفا : كانت الحكومة السابقة تقدم قرضا للمواطن الراغب في البناء ويتم تقسيط قيمة هذا القرض على راتبه السنوي أو من يكفله-إضافة لتقديم المواد الإنشائية بأسعار مخفضة و حسب حاجته..

واسأله: لكن العراقيون عاشوا في الفاقة والعوز ولم يشيدوا بيوتا في ذلك الزمن.؟

يرد الزبيدي مستدركا: كلامك صحيح مئة بالمئة لكني أتكلم عن المضاربة بأسعار المواد الإنشائية اليوم وأقارن ثباتها في تلك الأيام وباعتباري صاحب سكلة منذ أكثر من عشر سنوات استطيع الجزم ان أسعار المواد الإنشائية وان شهدت صعودا في تلك الأيام إلا أن الأسعار اشتعلت بعد 2003 مما سبب عجز المواطنين عن البناء. ان حكومة اليوم لا تبالي بهموم الناس،فهي لا تقدم قروضا للمواطنين تساعدهم في تشييد منازلهم ولا توفر لهم المواد الإنشائية بأسعار مخفضة..ورغم ما نسمعه في الجرائد بين حين وآخر عن عزم المصرف العقاري تقديم قروضا للمواطنين إلا انها لا تتعدى الأكاذيب الدعائية..فالمستفيد الوحيد من هذه القروض هم الأحزاب المتنفذة وموظفو الحكومة الكبار لا غير..

اسمنت العراق الأجود عربيا وإقليميا..

تستخدم مادتا الاسمنت و الطابوق كمادتين أساسيتين في عمليات البناء والأعمار والترميم ويمتلك العراق قرابة الـ15 معملا للأسمنت بأنواعه العادي، المقاوم والأبيض. تنتشر معامل الاسمنت في الكثير من مدن العراق كركوك،السليمانية، الرمادي كربلاء، السماوة، الموصل، سامراء والنجف.وتماثل ظروف إنتاج الطابوق المادة الأساسية في البناء مع الاسمنت اذ تطورت ايجابيا خلال العقود الأخيرة بحيث غطت احتياجات السوق المحلي.تنتشر معامل الطابوق في مدن كربلاء النجف واسط و السماوة..لكن بالرغم من كون الاسمنت والطابوق صناعة محلية عالية الجودة والنوعية إلا أن المواطنين محدودي الدخل لا يتمكنون من شراؤها لارتفاع أسعارها.

ويعزو المهندس المقاول على حميد أسباب ذلك إلى فوضى الاستيراد التي لا تخضع لنظام رقابة حدودية ومحاسبة قضائية صارمة. وزيادة الطلب على الاسمنت العراقي عالي الجودة مما أدى إلى تهريبه للدول المجاورة كإيران وسوريا والأردن توقف غالبية معامل الاسمنت عن الإنتاج بعد 2003 بسبب تضرر منشات الطاقة الكهربائية والتي تعتبر الحجر الأساس لتشغيل وإدامة معامل الأسمنت.توقف مولدات المعامل بسبب السلب والنهب وعدم تشغيلها او صيانتها..وبالتالي توقف اغلبها عن العمل.وحتى تلك المعامل التي تعاود العمل اليوم فان إنتاجها لا يغطي احتياج السوق الفعلي لهذا ارتفعت أسعاره واقتصر شراؤه على الشركات الكبيرة التي تحاول الأعمار و يبقى هو الخاسر الأكبر.. أما بالنسبة لمعامل إنتاج الطابوق فان تشغيلها يعتمد بالدرجة الأساس على النفط الأسود..كانت الحكومة تزود المعامل بالنفط الأسود بأسعار رمزية رخيصة. لكن توقف الحكومة خلال الست سنوات الماضية عن تزويد المعامل بالنفط الأسود اضطرها لشرائه من الأسواق التجارية بأسعار تتجاوز مليوني دينار للتنكر الواحد..وهذا سبب اشتعال أسعارها بالنسبة للمواطن أسوة بأسعار الاسمنت.

-كيف يمكن إعادة تشغيل معامل الاسمنت و الطابوق اليوم..؟

المهندس علي : تستطيع الحكومة إعادة تشغيلها بدعم معامل المواد الإنشائية.ويجب أن يرافق ذلك الدعم نظام مراقبة اقتصادية لتلك المعامل بحيث تضمن توفرها للمواطن بأسعار الإنتاج وليس بأسعارها التجارية العالية


مقترح وحــــــل

-ما الحل؟

يجيب المهندس علي حميد قائلا: حل مشكلة السكن والبناء سهل وبالمتناول

-كيف..؟

-يمتلك العراق مساحات شاسعة غير مأهولة وهي صالحة تماما للسكن فما الضير ان توجهت الحكومة وبذلت جهودا حقيقية لإنشاء مجمعات سكنية تستوعب حاجة المواطنين العراقيين.وهذا حل لن يكلف الحكومة الكثير طالما أن الأرض موجودة والمواد الإنشائية موجودة وبنوعيات ممتازة الجودة إضافة إلى توفر الأيدي العاملة من المواطنين أنفسهم الذين هم بحاجة إلى تلك المنازل..

ويسترسل المهندس علي حميد: باعتماد هذه الطريقة تكون الحكومة قد ضربت أكثر من 3 عصافير بحجر واحد..إعادة الحياة لمصانع ومعامل المواد الإنشائية وحصلت على أيدي عاملة( ببلاش) أو بأجور رمزية إضافة إلى تحقيق الهدف الاسمي وهو توفير السكن للمواطنين باعتباره حقا طبيعيا للمواطن في ثروات وطنه.


المحصلة

من خلال كل ما تقدم نرى أن تبدأ الحكومة بمعالجة جدية لمشكلة السكن والارتفاع الحاد بأسعار مواد البناء وذلك من خلال دعم المواطن بإعادة تفعيل نظام القروض العقارية فعليا وليس شكليا (حبر على ورق) وتوفير المواد الإنشائية بسعر الإنتاج. وعلى الحكومة أيضا أن تبدأ بدعم مصانع ومعامل المواد الإنشائية وزيادة إنتاجيتها بسعتها القصوى بشكل يسد الحاجة المحلية وهي خطوة تجنب الحكومة إنفاق وتبديد ملايين الدولارات من ثروات العراق -كلفة استيراد المواد الإنشائية في حال ابتدأت فعليا إعادة الأعمار والبناء. ان مصانع ومعامل المواد الإنشائية المحلية معروفة بجودتها ونوعيتها الراقية فالأرض العراقية خصبة وولود ولا يوجد مبرر منطقي لعزوف الحكومة عن الإصغاء للعقول الوطنية الاقتصادية الحريصة وتوفير منزل يسكنه المواطن العراقي بكرامة واعتداد بعد طول معاناة.