الإعلام التونسي يتمترس خلف رجال الأعمال من الوزن الثقيل
إيهاب الشاوش من تونس: بين تساؤلات البعض عن المعايير المتبعة لترخيص بعث الإذاعات و القنوات التلفزية بتونس،واحتجاجات مهنيين في القطاع بسبب عدم منحهم رخص للبث الإذاعي، تقدموا بها منذ سنوات للسلط المختصة، وبين تأكيد شريحة واسعة من الساسة و الإعلاميين، على اهمية دور القطاع الخاص، في كسر حاجز ما كان يصنف في خانة التابوهات، و خاصة في ما يهم القضايا الاجتماعية، يتجه المشهد الإعلامي التونسي، نحو تحولات جذرية، منبأة، بإعادة تشكيل quot;الخارطةquot; الإعلامية، واحتلال مواقع كانت حكرا في ما مضى على مؤسسات الحكومة، و بعض الصحف المستقلة و صحف المعارضة.
هذا التحول، و إعادة توزيع الأدوار كانت له تأثيرات واضحة على مضامين بعض البرامج الحوارية و الاجتماعية التي تبث في وسائل الإعلام السمعية و البصرية الخاصة و العمومية، حتى ان البعض بدأ يتحدث عن بداية quot;لربيعquot; الإعلام بتونس،قبل quot;نكسةquot; عمادة المحاميين، الذين اعتبروا ان حضور المحاميين في البرامج الإعلامية، من شأنه المس quot;بهيبةquot; المحاماة.
الإعلامي برهان بسيس يقول لإيلافquot; أعتقد ان التشجيع في القطاع الخاص خطورة ضرورية منسجمة مع اتجاهات التحرر الإعلامي لأنه قد تبين بشكل واضح ان الإنفتاح و التحرر صفتان متصلتان بالإعلام الخاص القادر أكثر من الإعلام الرسمي على تجسيم معاني الإعلام المتطور التعددي البعيد عن قوالب البيروقراطية و اللغة المتخشبة الأحاديةquot;.
الخاص يفتك المبادرة من العمومي:
و في الوقت الذي كانت فيه احصائيات تجريها مؤسسات مختصة في قياس نسب المشاهدة،تكشف عزوف التونسيين، عن مشاهدة قنواتهم الرسمية، مسموعة و مرئية و مكتوبة، خاصة امام طفرة القنوات التلفزية و المواقع و الصحف الإلكترونية، فإن آخر إحصائيات مؤسسة سيغما لشهر كانون الثاني 2009، افادت ان قناة تونس 7 الرسمية شهدت اعلى نسبة مشاهدة ب 33.3 بالمائة ثم قناة حنبعل الخاصة ب 21.6 بالمائة، وهو ما دفع بالتونسيين الى ان يولوا شطر وجوهم نحو quot;إنتاجهمquot; الوطني، المعبر عن مشاغله وهمومه اليومية، بعد سنين من الجفاء بينه و بين وسائل إعلامه الرسمية.
وعلى سبيل المثال تبين المؤسسة ذاتها، ان نسبة مشاهدة الأخبار الرئيسية لم تتجاوز ال8.8 بالمائة، و هي النشرة التي عادت ما تشد انتباه المواطنين في أصقاع العالم قاطبة، في حين استحوذ برنامج quot;المسامح كريمquot; على قناة حنبعل الخاصة بنسبة 26.4 بالمائة من المشاهدين.
طفرة البرامج الاجتماعية:
و اذا كان تغير المشهد الإعلامي المرئي و المسموع بتونس، قد انطلق من بوابة القطاع الخاص، بعد بعث إذاعات و قناة خاصة، راهنت على البرامج الإجتماعية، و على تحريك سواكن بعض الملفات المتروكة، فإن التلفزيون الرسمي، الذي كان الجميع يعتقد ان ساعته قد اقتربت، التحق بركب هذه القنوات، بفسح المجال امام القطاع الخاص، لإنجاز مجموعة من البرامج، التي سرعان ما شدت الإنتباه اليها، ليتحول الصراع بعد ذلك بين القنوات التلفزية، الى صراع حول سوق الإشهار، و كسب ود المشاهد و التموقع في المشهد الإعلامي.
غسان القصيبي، صحفي بجريدة الشعب، الناطقة باسم الإتحاد العام التونسي للشغل يقول لإيلافquot; المشهد الإعلامي التونسي، بدخول القطاع الخاص في عديد المؤسسات فيه جانب من الإرتياح، خاصة اذا يتم تمكين الصحفيين من دخول هذه التجربة الجديدة مثلما هو موجود في دول عديدة كالمغرب و ذلك بتمكين الصحفيين من المساهمة في رأس المال. هناك ارتفاع لعدد الملفات الإجتماعية و الملفات القريبة من المواطنين لكن في المقابل تواجد الملفات السياسية بقيت محتشمة، وهي مسألة قابلة للإنجاز في ظل نجاح الملفات الإجتماعية و التي كانت في بعض الأحيان جريئة للغايةquot;.
و كتبت صحيفة الصباح الأسبوعي، في وقت سابق أنها تنصح أي تونسي له مشاكل معقدة مع الإدارة الا ينتظر الطوابير في الإدارات بل ان يتوجه مباشرة الى مقر تلفزيون تونس 7 الحكومي او حنبعل لتفتح بعد ذلك كل الأبواب أمامه.
إمبراطوريات إعلامية:
و يرى مراقبون محليون، ان دخول القطاع الخاص، على خط الصحافة المكتوبة، ليس حديثا، خلافا للقطاع السمعي البصري، الذي كانت السلطة تحتكره، غير ان المراقب، للتغيرات المتسارعة للمشهد الإعلامي في تونس و خاصة خلال السنوات الأخيرة، و المتابع للأسماء quot;الإقتصاديةquot; التي تقف خلفها، على غرار، بلحسن الطرابلسي و صخر الماطري و طارق بن عمار، و ما تمثله من وزن سواء على الساحة التونسية او الدولية، لا يترك مجالا للشك، من ان السنوات المقبلة ستشهد quot;امبراطويات اعلامية quot;،تعيد استقطاب و تقسيم الخارطة الإعلامية بتونس، شبيهة بالأقطاب الإعلامية العالمية مثل برلسكوني، او داسوت و بولوري، بعد ان ظل القطاع يترعرع مذ نشأته بين أحضان الحكومة و ما تجنيه من عوائد لإشهار، و بين مداخيل السوق التونسية، الضيقة، و التي ازدادت ضيقا مع طفرة القنوات والصحف الإلكترونية، و الحديث عن بداية أفول الصحف الورقية.
في احد البرامج التفلزية، اعتبر المنصف بن مراد صاحب جريدة اخبار الجمهورية الإسبوعية، ان اجور الصحفيين في تونس مازال دون المأمولquot;مازال ناقصاquot; نظرا لضيق السوق و محدودية موارد الإشهار، فهل يعني ذلك، ان دخول هؤلاء الفاعلين الجدد، سوف يحسن من الظروف المادية للصحفيين، الى جانب توسيع هامش الحريات؟
حول هذا السؤال يجب الصحفي بجريدة الصحافة الحكومية، جمال العرفاويquot; القطاع الخاص، يحرك سوق الشغل عند الصحفيين و يخلق منافسة حقيقية. و انا اؤيد تماما رفع يد السلطة عن قطاع الإعلام كله، بشرط ان يسمك بالإعلام من هم من أهل المهنة حتى اذا كان مالك الوسيلة الإعلامية من رجال الأعمال، فإن من يديرها يجب ان يكون من القطاعquot;.
و يضيف محدثناquot;كما أدعو الى انشاء مجلس اعلى للإتصال فاعل و محايد يتشكل من اهل المهنة و من الأكفاء وهكذا نضمن بأن يكون الإعلام بعيدا عن التأثيرات، ونترك السوق هي التي تحدد أي خاضعة للعرض و الطلبquot;.
و يرى اهل القطاع ان تجربة إذاعة موزاييك الخاصة، او اذاعة جوهرة اف ام، او قناة حنبعل، قد نجحت في طرح موضوعات محرجة و كانت في ما مضى محظورة، كما ان هذه الوسائل الإعلامية، و بحكم ارتكازها على قاعدة اقتصادية هامة، استطاعت ان تستقطب نخبة من الإعلاميين الأكفاء الذين وجدوا المناخ المناسب للعمل،وتقديم الإضافة دون التفكير في معضلة لقمة العيش، التي يتخبط فيها الكثير من الصحفيين التونسيين، بحكم المشاكل المادية التي تواجهها صحفهم، او بحكم جشع مديري الصحف.
و في العشرين من مارس الماضي، اعلن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، عن انطلاق بث قناة نسمة تي في الخاصة، و هي القناة الخاصة الثانية في تونس، ذات توجهات مغاربية. مملوكة لثلاثة شركات خاصة، بينها شركة كوينتا لرجل الأعمال طارق بن عمار، صاحب استديوهات و شركات انتاج و تحميض في اوروبا و الولايات المتحدة، و شركة ميدياساتquot; لرئيس الحكومة الإيطالي سيلفيو برسكوني. مما يعكس حجم الإستثمار، الذي يمكن ان تتمتع به هذه القناة، في حين بدأ الحديث يدور في كواليسها، عن استقطابها لمجموعة من الصحفيين و الإعلاميين مقابل عروض مغرية.
وقال رافع دخيل وزير الاتصال والعلاقات مع مجلس النواب ومجلس المستشارين quot;ان امضاء اتفافية متعلقة باحداث واستغلال القناة التلفزية نسمة تي في بين كل من الوزارة والمجمع الاتصالي قروى اند قروى ورلد ومجمع كوينتا العالمي للاتصالات تعد حدثا بارزا في المشهد الاعلامي الوطني من شانه ان يكرس لتكامل الادوار بين القطاعين العمومي والخاص ويعزز الساحة الاعلامية التي تتكون حاليا من 12 محطة اذاعية 9 عمومية و3 خاصة و4 قنوات تلفزية 2 عموميتان و2 خاصة.
و أضافquot;ان امضاء هذه الاتفاقية يندرج كذلك في اطار الحركية الكبيرة التي يعيشها قطاع الاعلام في تونس منذ سنوات والتي تتجلى بالخصوص في قرار رئيس الدولة سنة 2006 بعث اذاعة تونس الثقافية والاعلان سنة 2007 عن احداث اذاعة الزيتونة للقران الكريم اضافة الى جعل قناة 21 فضائية في نوفمبر 2007 ومنح المجلس الاعلى للاتصال الاستقلالية الادارية والمالية تحت اشراف الوزارة الاولىquot;
و كشف الشركة التونسية للصحافة والطباعة والنشر والتوزيع والإعلان laquo;دار الصباحraquo; مؤخرا، و هي اعرق مؤسسة صحفية في تونس، عن مساهمة مستقبلية في رأس مال المؤسسة من قبل quot;شريك معروف ينشط في عدة مجالات منها القطاع الإعلامي وبصفة خاصة في المجال الإذاعيquot;.
و افادت دار الصباح في بلاغ لها ان هذه الشراكة تأتي quot;في سياق الرصيد التاريخي لـlaquo;دار الصباحraquo; وفي إطار مزيد تطوير المشهد الإعلامي التونسي وتوسيع استراتيجية تطوير المجموعة التي يملكها الشريك خصوصا في قطاع الإعلام والاتصالquot;.
و ذكرت مصادر إعلامية، ان الشريك الذي تحصل على اكثر من 30 بالمائة من حصص دار الصباح،هو محمد صخر الماطري، رجل الأعمال الشاب، و مالك إذاعة الزيتونة للقرآن الكريم.
و طرح دخول رجل اعمال من الوزن الثقيل في حضرة صاحبة الجلالة،عدة تساؤلات بين الصحفيين، عن مصير بقية الصحف و موقعها المستقبلي في السوق، و مدى تأثير ذلك على الخط التحريري للصحيفة و على الوضع المهني و المادي للصحفيين، و هل ستكون هناك استثمارات لرجال اعمال آخرين في بقية الصحف، ام ان بقية الصحف ستلجأ الى سياسية التحالفات، حتى تصمد امام المنافسة و تخلق نوع من التوازن بين مختلف الأقطاب الصحفية و الإعلامية في تونس.
التعليقات