أصبحت المنتخبات العربيّة مطالبة أكثر من أي وقت مضى بإعادة النظر في مسألة إنتدابها للمدربين الأجانب العالمييّن بعد التجربة الفاشلة للبلجيكي إيريك غيريتس مع أسود الأطلس والهولندي فرانك رايكارد، الذي بدد حلم الأخضر في العودة إلى أجواء المونديال من بوابة البرازيل.


رايكارد quot;العالميquot; بدد حلم الأخضر في العودة إلى أجواء المونديال

مُنيت أغلب تجارب المنتخبات العربية الأفريقية والآسيوية مع المدربين الأجانب العالميين بالفشل، وسجلت نتائج مخيبة على الصعيدين القاري والدولي آخرها كانت تجربة المنتخب المغربي مع المدرب البلجيكي إيريكغيريتس في نهائيات كأس أمم أفريقيا 2012، حيث خرج من الدور الأول، وتجربة المنتخبالسعودي مع الهولندي فرانك رايكارد، الذي بدد حلم الأخضر في العودة إلى أجواء المونديال من بوابة البرازيل بعدما غاب عنبطولة جنوب أفريقيا الأخيرة، وقبلها كانت هناك تجارب عربية أخرى مع هذه الفئة من المدربين الذين يوصفون بالمدربين العالميين الذين جيء بهم لتصحيح أوضاع هذه المنتخبات وإعادتها لسكة الانتصارات فإذا بهم يقودونها إلى المزيد من الإخفاقات، بل إلى كوارثيصعب على الذاكرة العربية تناسيها، كما كان الحال مع الفرنسي روجيه لومير الذي قاد المغربإلى الهاويةفي التصفيات المزدوجة للمونديال وأمم أفريقيا 2010 ،حيث تحول إلى جسر تعبره أضعف المنتخبات الأفريقية،وقبلهالبرتغالي امبيرتو كويلهو مع المنتخب نفسهفي تصفيات مونديال 2002 و نفس التقني كرر فشله مع تونس في تصفيات 2010 حيث منح تأشيرة التأهل إلى كأس العالم في جنوب أفريقيا لنيجيريا على طبق من فضة، والبرازيلي كارلوس البيرتو باريرا الذي فشل فشلاً ذريعاً في نهائيات المونديال مع الأزرق الكويتي في اسبانيا 1982 ومع الأبيض الإماراتي في إيطاليا 1990 ،ثم مع الأخضر السعودي في فرنسا 1998 ، والبلجيكي روبرت وسايج الذي حرم الجزائر من المشاركة في مونديال ألمانيا و أمم أفريقيا 2006 في مصر.

فعلى الرغم من الامتيازات المادية والعينية الكثيرة التي يأخذونهاولا أحد يعرف عنها شيئاً إلا أنهملا يمنحون المنتخبات التي يشرفون على تدريبها سوى الانتكاسات، و رغم أن لا احد يشكك في مؤهلاتهم الفنية إلا أنها غير موظفة بالشكل الجيدوالصحيح، وتجدهم يطلقونوعوداً كاذبة وتقديم تبريرات واهية عقب كل تعثر للبقاء في مناصبهم، ويرفضون الاعتراف بفشلهم طمعاً في الاستمرار في مناصبهم أو انتظار إقالتهم للحصول على ما تنص عليه الشروط الجزائية .

ومقابل هذه التجارب الفاشلة كانت هناك تجارب أخرى ناجحة للعديد من المنتخبات العربية في بطولات عالمية وقارية رغم اعتمادهم على مدربين أجانب مغمورين ليست لهمالشهرة نفسهاولا يصنفون في خانة المدرب العالمي ، ومع ذلك اثبتوا أنهم لا يقلون عنهم من حيث القدرات الفنية، فأسود الأطلس حققوا إنجازهم التاريخي في المونديال عندما كانوا أول منتخب عربي وأفريقي يتأهل إلى الدور الثاني في دورة المكسيك الثانية، تحت إشراف البرازيلي جوزي فاريا الذي تحول إلى مهدي بعد إشهار إسلامه .

و الأمر ذاته ينطبق على المنتخب السعودي الذي كان أول منتخب آسيوي يبلغ دور التالي في مونديالأميركا العام 1994 تحت قيادة الأرجنتيني راؤول سولاري ، والعراق توج في أمم آسيا العام 2007 مع البرازيلي جورفان فييرا الذي كان مساعداً لفاريا في المغرب.

و حتى الجزائر كانت لها تجربة ناجحة مع الروسي الراحل يفغيني روغوف، مهندس التأهل التاريخي لنهائيات مونديال 1982 ، كما يصنع الألماني ثيو بوكير حالياً أفراح اللبنانيين في تصفيات آسيا لمونديال البرازيل القادم .

وهكذا، فإن النتائج النهائية ترجح كفة المدرب الذي يفتقد للشهرة لكنه يمتلك الكفاءة العالية فيستغل الفرصة التي تتاح له خاصة عندما يتعلق الأمر ببطولة هامة تسلط عليها الأضواء الإعلاميةفيوظفها جيداً ليبرهن على جدارته ويثري سيرته الذاتية، ويساعده في ذلك طموحه الشخصي الذي يعتبر دافعاً لتحقيق المجد، بينما يختلف الأمر بالنسبة إلى المدرب المشهور الذي يفتقر للطموح ويتعاقد مع أحد المنتخبات العربية بعدما يصل إلى درجة التشبع من كثرة البطولات والألقاب التي نالها ونافس عليها، وهدفه الوحيد هو إثراء جيبه والاستمرار في الظهور في المسابقات العالمية خاصة كأس العالم بدليل أن بعضهم يقبل المهمة ويتعاقد قبيل أسابيع من انطلاق النهائيات وهو يعلم جيداً أن المشاركة ستكون سلبية.

وأمام هذه التجارب المتباينة بات على الاتحادات العربية مراجعة المعايير التي تعتمدها عند بحثها عن مدربين أجانب يقودون منتخباتها تفادياً لتكرار الفشل ، ومن المعايير التي يجب أن تأخذهافي الاعتبار نقطة في غاية الأهمية تتعلق بالأجواء التي تسود المنتخبات العربية بكل فعالياتها، وعدم التركيز فقط على الجانب الفني لأن المدرب ليس خططاً تكتيكية وتمارين فقط، بل أمور أخرى متوفرة عند البعض ويفتقدها البعض الآخر.

فلا أحد يمكن التشكيك في قدرات ومؤهلات المدرب الذي سبق له أن أشرف على نادٍ أو منتخب أوروبي كبير على غرار برشلونة أو ريال مدريد أو فرنسا أو البرتغال ، لكن المسألة تختلف كثيراً عندما ينتقل مثل هذا المدرب للعمل في الملاعب العربية فهناك سيفتقد للأجواء الاحترافية التي اعتاد عليها سابقاً والتي كانت أحد أهم العوامل التي ساعدته على النجاح.

فاللاعب العربي لم يصل بعد إلى تطبيق الاحتراف الحقيقي لا داخل الملعب ولا خارجه وسلوكياته يطغى عليها الطابع المزاجي ، و الانضباط التكتيكي عنده من الأمور التافهة، فالمدرب العالمي يجد سهولة في التعامل مع نجم عالمي من طينة ميسي أو كاكا،و يصعب عليه الأمر مع اللاعب العربي خاصة إذا كان يجهل ثقافته.

كما يتميز المدرب العالمي -ايجابية في أوروبا وسلبية في عالمنا العربي- برفضه التدخل في صلاحياته الفنية،هو العرف الذي اعتاد عليه رؤساء اتحاداتنا العربية، وهو أمر ممكن جداً مع مدرب مغمور لا يعير اهتماماً كبيراً لمثل هذه التفاصيل بل قد يستخدم لتبرير خسارته في حال حدوثها ويغض الطرف عنها عند النجاح.

وأهم من هذا، فإن الاتحادات العربية مطالبة بعدم الرضوخ لنزوات الإعلام والشارع الرياضيلأنه غير مسؤول عن الهزائم خاصة الإعلام فهو يمدح لمثل هؤلاء الفنيين عند انتدابهم، ثم يبدأ في انتقادهم لمجرد إبعادهم لأحد الأسماء التي لا يمكن الاقتراب منها كما حدث مع محمد نور في السعودية أو كريم زياني في الجزائر وغيرها، و لو أن الاتحادات العربية تلجأ إلى هذه الخيارات كأسلوب لا تتقن غيره لاحتواء غضب جماهير ولإرضاء صحافة متقلبة المزاج.

فالمطلوب هو حسن اختيار الفنيين بوضع مقاييسلكافة الجوانب التقنية وغير التقنية لجلب مدربين تتماشى ذهنياتهم مع ذهنية اللاعب والمسير والمشجع والصحافي العربي ، المطلوب هو جلب فنيينلا يخجلون من كشف رواتبهم ولا يشترطون البند السري،وتكون رواتبهم عادية وعطاءاتهم الفنية غزيرة.