في أيام معدودة، انتقل الفرنسي زين الدين زيدان من كونه أول مدرب يحرز لقب دوري أبطال أوروبا في كرة القدم ثلاث مرات متتالية، الى صاحب إحدى أكبر المفاجآت في عالم اللعبة، بإعلانه الرحيل عن نادي ريال مدريد الاسباني بعد مسيرة قصيرة لكن زاخرة بالانجازات.
فاجأ زيدان (45 عاما) الجميع الخميس، بمن فيهم رئيس ريال فلورنتينو بيريز. أعلن نهاية مسيرته التدريبية مع النادي الذي يشرف عليه منذ مطلع 2016. بدا النجم السابق للمنتخب الفرنسي لكرة القدم، وكأنه اكتفى بما حققه مع النادي الملكي: تسعة ألقاب بينها دوري أبطال أوروبا ثلاث مرات تواليا، والدوري الاسباني، وكأس العالم للأندية مرتين.
في موسمين ونصف موسم، صنع زيدان المدرب لنفسه سجلا يحسده عليه مخضرمون أمضوا أعواما طويلة على خط الملعب. كان الفرنسي حاسما في مؤتمره الصحافي الخميس: "حان الوقت للمضي قدما نحو تحد جديد".
وقال "لا أرى نفسي أنني سأواصل الفوز في السنة المقبلة، وأنا شخص فائز ولا أحب أن أخسر (...) أعتقد انه الوقت (المناسب) بالنسبة للجميع، لي، للفريق"، مضيفا "اتخذت قرارا بعدم البقاء في الموسم المقبل (...) بعد ثلاثة أعوام، أحتاج الى مسار مختلف، الى طريقة أخرى للعمل".
اعتاد الفرنسي على ان "يخرج" من ميدانه بطرق غير مألوفة، ومن مواضع غير متوقعة. في مسيرته الدولية، قاد منتخب فرنسا الى لقبها الوحيد في كأس العالم، وذلك على أرضها عام 1998. كان زيدان مفتاح الفوز في النهائي على البرازيل (3-صفر)، لاسيما بهدفين رأسيين جعلا الفرنسيين يرقصون فرحا من مدرجات ستاد دو فرانس الى جادة الشانزيليزيه.
في نهائي 2006 في ألمانيا، كان زيدان أمام فرصة لوداع كرة القدم برفع كأس العالم الذهبية للمرة الثانية، وهذه المرة كقائد لـ "الديوك". في النهائي ضد ايطاليا، اختار زيدان ان يكتب التاريخ من زاوية أخرى: المباراة الأخيرة له في مسيرته الاحترافية انتهت بنيله بطاقة حمراء والطرد بعد "نطحة" شهيرة وجهها الى صدر الايطالي ماركو ماتيرازي، ردا على ما قال انها إهانة المدافع لعائلة نجم خط الوسط الفرنسي ذي الأصول الجزائرية.
من نادي كان الفرنسي وبعده بوردو، الى يوفنتوس الايطالي في 1996، وبعده ريال مدريد في 2001، ترك زيدان أثرا في كل عقد، وتحول الى أحد أبرز اللاعبين في التاريخ الحديث للعبة.
مزج "زيزو" بين المهارة والقدرة الفائقة على التحكم بالكرة، وبين حركية رشقة في أرض الملعب وقراءة متأنية لتوزع فريقه، أي فريق. راوغ المنافسين، وكان حاسما متى تطلب الأمر. صنع أيضا لحظات مدهشة علقت في الذاكرة، لاسيما هدفه "على الطاير" بالقدم اليسرى في مرمى باير ليفركوزن، ليمنح فريقه الفوز 2-1 ولقب دوري أبطال أوروبا عام 2002.
- "مهندس حقبة مجيدة" -
بعد 15 عاما على هذا الهدف، عاد زيدان مرة أخرى الى تاريخ دوري الأبطال، وهذه المرة أيضا من بوابة القلعة البيضاء المدريدية.
في 2017، احتفظ النادي الملكي بلقبه في المسابقة القارية الأهم، ليصبح أول فريق يحقق ذلك في الصيغة الجديدة للمسابقة (موسم 1992-1993)، والأول منذ ميلان الايطالي عام 1990.
لم يكتف زيدان وريال بذلك: في 26 أيار/مايو 2018، وفي مواجهة ليفربول الانكليزي على الملعب الأولمبي في كييف، بات زيدان أول مدرب في التاريخ يحرز اللقب الأوروبي الأغلى ثلاث مرات على التوالي. كما أصبح ثالث مدرب يحمل هذا اللقب ثلاث مرات، بعد بوب بايسلي مع ليفربول، و"معلمه" السابق الايطالي كارلو أنشيلتوي (مع ميلان وريال مدريد).
صنع أفضل لاعب في العالم ثلاث مرات (1998، 2000، و2003) اسما لنفسه في عالم التدريب بسرعة قياسية.
زميله السابق في المنتخب الفرنسي ومدربه الحالي ديدييه ديشان، قال بعيد تتويج ريال بلقب دوري الأبطال "لا يمكن الا ان تعجب بما حققه" زيدان.
أضاف في تصريحات لقناة "تي اف 1" الفرنسية "كلاعب، كان لاعبا مذهلا. حظي بحياة ثانية كمدرب وأصبح مدربا مذهلا".
حقق زيدان ما حققه كمدرب على رأس الجهاز الفني لأحد أكثر الأندية تطلبا في العالم. إدارة ريال، لاسيما رئيسه فلورنتينو بيريز، لا ترحم. مشجعوه لا يرون سوى الألقاب وسيلة لاثبات الجدارة في سانتياغو برنابيو. كل ما حققه لاعب أو مدرب سابقا لا يعني شيئا في القلعة البيضاء.
لم يسلم زيدان الذي بدأ يتردد انه قد يكون في مراحل لاحقة خليفة ديشان على رأس الجهاز الفني للمنتخب الفرنسي - وهي رغبة لم يخفها "زيزو" سابقا - من انتقادات المعلقين الذين اعتبر بعضهم انه لم يكن مدربا ناجحا على الصعيد التكتيكي، بل قائدا جيدا لمجموعة نجوم.
حتى زيدان أقر قبل النهائي في كييف "لست أفضل مدرب على الصعيد التكتيكي، الا ان لدي أمور أخرى (...) أعرف غرفة تبديل الملابس بشكل جيد جدا وأعرف كيف يفكر اللاعبون، وهذا مهم بالنسبة إلي".
الا ان العديد من المعلقين الآخرين كالوا المديح له مع كل لقب.
صحيفة "آس" الاسبانية اعتبرت بعد لقبه الثالث تواليا في دوري الأبطال ان الفرنسي هو "مهندس هذه الحقبة المجيدة التي قد لا تتكرر".
التعليقات