وجدت أندية كرة القدم لاسيما في أوروبا نفسها أمام صعوبات مالية جمة في الفترة الراهنة، مع توقف المنافسات بسبب فيروس كورونا المستجد، في خطوة يحذر خبراء من انها قد تؤدي الى إنهاء فقاعة الأسعار الخيالية التي صرفت على انتقالات اللاعبين في الأعوام الأخيرة.

في صيف العام 2017، حطّم نادي باريس سان جرمان الفرنسي الرقم القياسي، بدفعه 222 مليون يورو للتعاقد مع البرازيلي نيمار مهاجم برشلونة الإسباني. وفي الفترة الزمنية عينها، أبرم النادي الباريسي المملوك من شركة قطر للاستثمارات الرياضية، صفقة ضخمة أخرى من خلال التعاقد مع النجم الشاب لموناكو، كيليان مبابي، في تعاقد قدرت كلفته بنحو 180 مليون يورو.

لم يكن نادي ملعب بارك دي برانس الوحيد الذي أنفق مبالغ طائلة على ضم لاعبين. في الأعوام الماضية، بات دفع 100 مليون يورو أو أكثر أمرا غير مفاجئ. حتى الـ222 مليون يورو التي دفعها سان جرمان لفسخ تعاقد نيمار مع النادي الكاتالوني، كانت مرشحة للسقوط تحت مقصلة الصفقات المتضخمة المتزايدة في عالم اللعبة الشعبية، في ظل العقود الرعائية الضخمة للأندية والعائدات الهائلة التي توفرها حقوق البث التلفزيوني.

لكن، كما توقفت عجلة المباريات منذ أكثر من شهر بسبب "كوفيد-19"، توقفت مناجم المداخيل الهائلة للأندية. وبدلا من الانفاق دون حساب على ضم نجوم برواتب خيالية، تضطر الأندية للاقتصاد في ميزانياتها: تبرم اتفاقات لخفض رواتب اللاعبين، وتلجأ للبطالة الجزئية والدعم الحكومي لتسديد رواتب الموظفين...

في ظل هذا الواقع غير الواضح المعالم، ستضطر الأندية الى ان تضع على الرف حاليا ميلها الى الانفاق غير المضبوط على استقدام اللاعبين الذين أثبتوا نجوميتهم، أو أولئك الذين يعدون بمستقبل باهر.

ويقول المتخصص في الاقتصاد الرياضي جان-باسكال غايان لوكالة فرانس برس، إن ذلك يعود "لسبب بسيط: الأندية ستعاني من مشاكل كبيرة على صعيد السيولة. في ظل عدم اليقين بشأن ايرادات البث التلفزيوني وعائدات العقود الرعائية، سيصبح إبرام تعاقدات كبيرة أمرا معقدا، لاسيما في إنكلترا وإسبانيا".

من جهته، يوضح الاستاذ في جامعة نبرة (نافار) في شمال إسبانيا فرناندو لارا، ان "أحدا في إسبانيا لا يفكر بدفع 100 مليون يورو للاعب في الموسم المقبل".

شكل صيف العام 2017 نقطة تحول في أسعار سوق الانتقالات، وأبرمت في أعقابه صفقات حطمت أرقاما قياسية في مختلف خطوط اللعب، مثل الدفاع مع الهولندي فيرجيل فان دايك (من ساوثمبتون الى ليفربول الإنكليزيين) وهاري ماغواير (من ليستر سيتي الى مانشستر يونايتد)، وحراسة المرمى (الإسباني كيبا أريسابالاغا من أتلتيك بلباو الى تشلسي الإنكليزي).

وبحسب أرقام رسمية للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، ارتفعت القيمة الاجمالية للانتقالات من 2,66 ملياري دولار في العام 2012، الى 7,35 مليارا في 2019.

وحذر أولي هونيس، الرئيس السابق لنادي بايرن ميونيخ الألماني الذي عرف بمقاربته المتعقلة في الانتقالات، من ان "الأرقام لا يمكن ان تبقى على المستوى الحالي في العامين او الأعوام الثلاثة المقبلة".

تأثير... لمدى قصير؟

توقع المركز الدولي للدراسات الرياضية في مدينة نوشاتيل السويسرية، ان تؤدي الأزمة الصحية التي علقت المنافسات، الى خفض قيمة اللاعبين في البطولات الوطنية الكبرى في أوروبا (إسبانيا، إنكلترا، ألمانيا، فرنسا، وإيطاليا) بنسبة 28 في المئة (من 32,7 مليار يورو الى 23,4 مليارا).

وعلى سبيل المثال، سيؤدي ذلك الى تراجع القيمة الاجمالية للاعبي سان جرمان بنحو 300 مليون يورو، وللاعبي ريال مدريد الإسباني بنحو 350 مليونا، ولمواطنه برشلونة بنحو 366 مليونا، بحسب التقديرات.

ويرى خبراء في انتقالات كرة القدم ان هذا التراجع في القيمة السوقية للاعبين يهدد بتجميد انتقالات البارزين منهم، ويتوقع أيضا ان يتسبب بـ "تأثير الدومينو" على اللاعبين الأقل شأنا حتى.

أي تأثير من هذا النوع (بشأن الأقل شأنا أو الناشئين) سيكون وقعه أكبر خارج البطولات الكبرى، لاسيما في دول مثل بلجيكا وهولندا والبرتغال، حيث باتت العديد من الأندية بمثابة "حاضنة" للمواهب، تعمل على تنشئتها وتطويرها قبل بيعها بسعر مرتفع لنادٍ من الكبار.

حتى الأندية "الصغيرة" في فرنسا قد لا تسلم من هذه التبعات. وبحسب أرقام رسمية في الدوري الفرنسي، حققت بعض أندية "ليغ 1" أرباحا بأكثر من 20 مليون يورو على لاعبين باعتهم خلال موسم 2018-2019.

وبحسب نائب رئيس موناكو الروسي أوليغ بتروف، فإن "فيروس كورونا المستجد لا يساعدنا في مسعى كهذا (...) بسبب الوضع العالمي، ستكون الأندية أقل ميلا لتسديد المبلغ الذي نطلبه".

لكن الخبراء يعتبرون ان الأمد الزمني لهذا التأثير قد يكون محدودا.

ويرى غايان انه "عندما تستعيد كرة القدم مكانها الطبيعي، سنعود الى هذا التضخم مع رواتب مرتفعة (...) لا أعتقد ان هذا الأمر (الأزمة الراهنة) ستسبب بتغيير ملموس في النظام القائم".

ويضيف "أحد الأسباب باعتقادي هو عدم وجود امكانية لتنظيم عالمي أو فوق-وطني للقيام بأمر مختلف. بريكست (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) قلل أيضا من هذا الاحتمال في أوروبا".

وتشير التقارير الى ان الاتحادين الدولي (فيفا) والأوروبي (ويفا) يدرسان سلسلة إجراءات للحد من التضخم، مثل فرض "ضريبة" على الأندية التي تنفق بشكل كبير، خفض عمولات وكلاء اللاعبين... لكن أي خطوة لم تبصر النور حتى الآن، على رغم الاعتقاد بأن أزمة كورونا قد تسرّع في ذلك.

وكان رئيس الفيفا السويسري جاني انفانتينو صريحا بشأن مستقبل اللعبة بعد "كوفيد-19"، بدعوته الشهر الماضي للنظر "الى الفرص (المتاحة). يمكننا ربما إصلاح كرة القدم العالمية من خلال التراجع خطوة الى الخلف".