بيروت: بعد متابعتنا لحلقة quot;العاشرة مساءquot; التي أطل فيها الموسيقار عمار الشريعي قبل أربعة أيام، كان القلق على مصيره ومصير مقدمة البرنامج منى الشاذلي كبيراً لأنهما يومها قالا ما لم يكن أحد يجرؤ على قوله، وكذبا آلة الإعلام المصري الرسمي، والإعلام الخاص المتواطئ معه في تشويه سمعة quot;شباب الفيس بوكquot; وتخوينهم، وتحزيبهم، وتحميلهم مسؤولية كل ما جرى ويجري في مصر، منقضين على ثورتهم محاولين تلطيخ نقاوتها بكل السواد الراكد في نفوسهم.

وغابت منى الشاذلي بعدها، حيث كان من المفترض أن تطل في اليوم التالي بلقاء مسجل مع عمرو موسى لم يحصل، وتزايد القلق عندما غابت ليوم ثان، لكنها عادت في اليوم الثالث لتطل عبر الشاشة مجدداً، ومنحنا ظهورها هذا أملاًفي أن الحكومة الجديدة باتت تدرك جيداً بأن مصر تغيرت،وعليهم التعامل مع الإعلام بسياسة جديدة تتناسب مع مصرما بعد 25 يناير .

من يراقب أداء منى خلال الأزمة يدرك أن الثورة معدية، وأن حاجز الخوف الذي كسره المعتصمون في الميدان، أخذ ينتقل الى كل مصري واع ويحب مصر فعلاً لا قولاً، ويغلب وطنيته على راحته وأنانيته.

منى الشاذلي التي سبق وأطل معها الشاب وائل غنيم قبل أيام من إختفائه، وكانت تبحث عنه مع عدد كبير من المصريين، والذي أنكرت الحكومة الجديدة وجوده لأيام، لكنه ظهر تحت الضغط، وخرج اليوم، وإتصل بمنى، وأطل عبر برنامجها، ونستغرب ذلك، لأن من ضمن من سعوا إلى خروجه وبشر به كان رجل الأعمال نجيب ساويرس مالك قناة أون تي في، فلم يطل وائل عبر الـ quot;أون تي فيquot; واختار منى الشاذلي تحديداً؟!

سؤال ربما يجيب عن نفسه خلال الحلقة، فهناك ثقة ومعرفة متبادلة بينه وبين quot;منىquot; التي تتمتّع بميزة يشعر بها المشاهد جلياً على الشاشة quot;الصدق الشديدquot; بالإضافة الىالتعاطف مع الشعب وثورته، ومطالبه المشروعة، وبالتالي كانت إطلالة وائل الشاب الذي كغيره من شباب الثورة الشعبية، يرفض أن ينسب الفضل إلى نفسه، يرفض الزعامة،بل وصل الى مرحلة التقليل من قدره وقيمته معتبراً أنه لم يفعل شيئاً سوى الكتابة من خلال quot;الكيبوردquot;، ثم قضى الأيام الماضية في الحبس دون أن يكون له أي دور على الأرض،بينما هناك من ضحّى وعمل وصمد وتحمل على الأرض، وهناك من دفع حياته ثمناً لأجل تغييرمصر. وأبدى ضيقاً كبيراً لأن شخصيّته كـشفت بأنه وراء إنشاء صفحة quot;كلنا خالد سعيدquot; وبأنه كان يأمل أن تبقى هويته مجهولة لأنه لا يريد إدعاء البطولة.

وائل تحدث عن فترة إختفائه بعد أن تم إختطافه من قبل أربعة من رجال الأمن الذين إقتادوه معصوب العينين الى محل مجهول، وبقي معصوب العينين طوال 12 يوماً، شدد وائل على أنه لم يتعرض للتعذيب وأن من حققوا معه تعاملوا معه باحترام، وبأنه حاورهم حتى أقنعهم بأنه ليس ممولاً أو مدفوعاً من جهة أجنبية، وبأنه يحب مصر.

وائل يحمل شهادة ماجستير ويعمل في شركة عالمية ، ميسور الحال جداً ، متزوج من أميركية مسلمة، ويعيش في فيلا في دبي، شاب يملك من الحب لبلده ونكران الذات ما جعله يقرر أن يضحي برخائه، وراحة باله، ونجاحهلينشغل بالهم العام.

أكثر جملة أثرت في المشاهدين هي دفاعه عن كرامة المواطن المصري الذي جرد منها من خلال تعامل كل مسؤول كبير أو صغير حتى لو كان برتبة شاويش بفوقية وقلة إحترام معه، دافع هذا الشاب المرفه عن المواطن المسحوق من قبل السلطة.

وعبر عن المه الشديد لتهمة الخيانة التي تحاول السلطة وإعلامها إلصاقها به وبرفاقه، ولم يتمالك وائل نفسه من الإنهيار والإنخراط بالبكاء عندما عرضت منى صور الشهداء من رفاقه، شباب بعمر الورد فقد حياته وهو يحلم بمصر أفضل، وائل قال وهو ينتحب حزناً وألماً على هؤلاء الشباب: quot;الذنب ليس ذنبنا، الذنب ذنب من يرفض التخلي عن السلطة ومتمسك بهاquot;، بمعنى أن يد من يرفض الرحيل عن الكرسي هي التي تلطخت بدماء هؤلاء الشباب.

وائل غادر على الهواء ولم يتمكن من إستكمال المقابلة وهو يقول مختنقاً quot;أنا عايز أمشيquot;، ما دفع منى إلى مغادرة الأستوديو لتلحق به، ولتعود بعد دقائق مع مجموعة من الضيوف من المعتصمين في ميدان التحرير، جراح قلب عالمي، لا علاقة له بالحياة السياسية، ولا بما يدور حوله، حياته في المستشفى، كان ما إستدرجه لأن يكون بين المعتصمين نداء من إبنته التي تعتصم منذ اليوم الأول وإبنه الذي قرر أن يعتصم في اليوم الثاني بعد وفاة صديق له في اليوم الأول، هذا الجراح رغم أن أٍسرته كانت في الميدان،فزوجته دكتورة هي الأخرى إنضمت لأبنيها ، بعد أن ذهبت لزيارتهما للإطمئنان إليهما، فبقيت ولمتترك الميدان، وبقي هو يمارس عمله في المستشفى غير عابئ بما يجري في الخارج، حتى جاءه إتصال من إبنته تستنجد به لإنقاذ الجرحى في مذبحة ليلة 28 الماضي، أخذ الدكتور بعض المواد الطبية ونزل الى الميدان برفقة عدد من العاملين معه في المستشفى الذين تطوعوا للذهاب معه، ولم يخرجوا من الميدانمن يومها، ولخص الدكتور مطلبه في ختام الحلقة بكلمة واحدة quot;فليرحلquot;. لأنه وهو الرجل المعتاد على منظر الدماء، إلا أن الدماء الكثيرة التي شاهدها ليلة 28 الأسود quot;كانت دماء من نوع آخرquot;.

الضيف الثاني فنان تشكيلي أيضاً لا علاقة له بالعمل السياسي، فقد صديقاً له، فنان تشكيلي شابكان يحلم بأن يصل الفن المصري الى العالمية، ومات وهو يحلم بوزارة ثقافة نزيهة ومختلفة ولم يتحقق حلمه، فلخص هذا الرجل مطالبه في كلمته الأخيرة بالقول quot;فليرحلquot;.

الضيفة الثالثة مذيعة في التلفزيون المصري، وصفت هذه المؤسسة quot;بقلعة الرعبquot;، فهي بعد أن إعتزلت البرامج السياسية لكي لا تمنح وزيراً كاذباً بعضاً من مصداقيتها عندما تسمح له بالكذب عبر برامجها على الناس، تحولت لتقديم برامج الأطفال فكانت تعاني إذا أرادت توعية الأطفال، منتقارير تكتب فيها على أنها تحرض الجيل الجديد على الثورة، وكان مطلبها هو ذاته كمطلب الضيفين سالفي الذكر quot;أن يرحلquot;.

الضيف الأخير كان سيناريست معروفا حاله حال البقية، إبنه كان من إستدرجه للدخول الى الميدان، فذهب من باب الفضول، فجلس ولم يخرج منه بعد ذلك.

منى أرادت بهذا الإختيار الذكي للضيوف إيصال رسالة لكل من يتهم هؤلاء الشباب بأنهم ينفذون أجندات خارجية، وبأنهم يخربون مصر، وبأنهم ليسوا مصريين، بأنهم على خطأ ..

منى تمنت على من شاهد أن يفهم، ولم تقلها صراحة لكنها عنتها ضمناً quot;فليفهم ويرحلquot; ليرتاح ويريح البلد من حال الغليان التي تسيطر على الشارع، ومن خطر الإنقسام الذي أججته آلة الإعلام الحكومي.

وائل كان يتكلم وهو يدرك أن كلامه ربما يعرضه quot;للإختطافquot; مجدداً، ومنى كانت تتيح لضيوفها الكلام وهي تدرك بأنها تعرضهم وتعرض نفسها لخطر مشابه للخطر الذي تعرض له وائل.

لكن حاجز الخوف الذي كان يقيدها في الأيام الأولى إنكسر، فتحدثت عن رفضها الظهور على الهواء عندما طلب منها أن تقول إن المتظاهرين بالعشرات وهم بمئات الألوف، تحدثت عن حالة الصراع الطويلة التي كانت تدور بين قناة دريم ووزير الإعلام quot;أنس الفقيquot; طيلة سنوات.

تعجز الكلمات أمام دموع وائل، وشجاعة منى، وضيوفها، ولا نملك سوى الدعاء لهم بالسلامة، ولمصر بأن تعبر هذه المحنة الى بر الأمان، ونتمنى على من يدعي أنه مصدر quot;إستقرارquot; أن يعي بأنه يشكل اليوم الخطر الأكبر على مصر quot;المحروسةquot; بشبابها النقي، الصادق، الوطني، والشجاع.

شباب وصل الى quot;حارة سدquot; بحسب التعبير المصري الدارج بمعنى أنه بات مستعداً للموت على العودة الى نمط حياته القديم.

مبارك لا يزال يجلس على كرسيه، ومريدوه يبررون له كل شيء بأنه لم يكن يعلم، ولم يكن يدري، ولم يكن يسمع، ولم يكن يعي بما يجري من حوله، وإذا كانت هذه التبريرات حقيقية، فكيف يكون شخص مغيب عن الواقع الى هذه الدرجة مصدراً للإستقرار؟!!.

وهو بالتأكيد يرى، ويسمع، ويعي كل ما يحدث حولهاليوم، فهل يخرج ليعتذر عما ارتكبته حكوماته السابقة من جرائم بحق مصر، وما إرتكبه وزير داخليته السابق من مجازر بحق هذا الشباب الذي قال مبارك بنفسه إن مطالبه مشروعة، والذي كفل له قولاً، لا فعلاً، حق التظاهر السلمي؟ هل يحتاج 4 أو 5 أيام ليصدر قراراً بملاحقة من تسببوا بمجازر ميدان التحرير؟

فلتعتذر وترحل حقناً للدماء، فمما شاهدناه الليلة،هذا الشباب باق ولن يرحل، ولن يكل، ولن يتعب، لأن لعبة كسر الإرادة أثبتت حتى اليوم بأنهم الطرف الأقوى والأبقى... وكفى لسياسة quot;يا فيها يا أخفيهاquot;.

شاهد جزءا من فقرة وائل غنيم

شاهد بكاء وائل غنيم على شهداء التحرير