عاشت الدراما السوريَّة خلال هذا العام أزمةً تسويقيَّةً لم يعد بالمقدور تجاهلها، وبعد أنّْ كانت الأسباب اقتصاديَّة وأحيانًا سياسيَّة، باتت اليوم متعلِّقةً بطبيعة المنطقة ومجرياتها، وما يحدث على أرض الواقع.


دمشق: لم يتفق أحد من العاملين في الدراما على تأثير انتشار تصنيفات قوائم العار والشرف، التي حددت المواقف المسبقة من الفنانين السوريين، بعد تعليقهم على أزمة بلادهم وما يجري بها، ولم يؤيد أحد منهم انعكاس هذا الأمر على تسويق الأعمال، وامتناع بعض المحطات عن الشراء، بسبب وجود ممثل معين صنف ضمن القائمة السوداء أو قائمة العار، كما لم يسوق عمل في المقابل ويحقق الرواج بسبب وجود بطله في القائمة البيضاء.

ويرى المنتج والممثل فراس إبراهيم أن المحطات وإداراتها أوعى من أن تقع في هذا الفخ، فكل عمل يضم حوالي 200 شخصية على الأقل، وبالتالي لا يمكن للمحطة أن تختار من العمل شخصًا معينًا وتطالب باستبعاده، فهوأمر غير ممكن، وربما هذا ما ميز الوضع عن مصر، التي تعرضت بعض أعمالها لمقاطعة ليس من قبل المحطات كما يوضح إبراهيم، وإنما لمقاطعة شعبية، والسبب ليس اختلاف وجهة النظر، وإنما التطرف الذي أبداه هؤلاء الفنانين في انتقادهم للثوار، ووصف الناس بصفات سيئة، وهذا الفخ لم يقع فيه الفنان السوري أو ربما وقع فيه قلائل جدًا، حسب رأيه.

وهو رأي أيده المخرج سامر برقاوي، معتبرًا أن هذه المقاطعات هي تكهنات سبقت رمضان، والدليل وجود الأعمال السورية خلال رمضان على مختلف الفضائيات، إضافة إلى حضور النجوم السوريين والمشاهدة العالية لهذه الأعمال، ويرى برقاوي أن ما ساعد في هذا الأمر تنوع الفنانين المشتركين في العمل، الذين أبدوا وجهات نظر مختلفة خلال الأزمة.

لكن برقاوي لم ينكر إمكانية تحقق شيء من هذا الأمر خلال العام المقبل في حال لم تتمكن الدراما من الاستجابة لمطالب الجمهور، ولم تطرح له المواضيع التي يحتاجها، ويقول برقاوي: quot;انعكاسات الأزمة لن تظهر هذا العام بالضرورة، وإنما ستظهر في العام القادم، في حال فشلت في مواكبة الأحداث وتصويرها بشكل واقعي، ومن ثم فالعمل الدرامي هو صناعة تخضع للعرض والطلب، وتحديدًا لمزاج الجمهور الذي يحدد بقاء الأعمال أو غيابها، وهذا المزاج تحكَّم قليلاً هذا العام بالعرض باعتبار أن نسبة كبيرة من الجمهور رغبت بالاتجاه إلى متابعة الأخبار وابتعدت عن الدراماquot;.

ودعا برقاوي في الوقتنفسه إلى ضرورة إبعاد الدراما عن السجالات السياسية، باعتبار أنها في بدايات الأزمة أجبرت على دخولها هي ونجومها، والسبب في وجهة نظره الضعف الإعلامي في بلادنا، والذي جعل المسؤول غالبًا بعيدًا عن المواطن والجمهور، لذلك اضطروا للاعتماد على الشخصيات المعروفة والبارزة في المجتمع لمعرفة رأيهم وتحليلهم وكان منهم نجوم الدراما، ولهذا كثرت اللقاءات مع الفنانين في بداية الأزمة، وأخذ رأيهم، على الرغم من أن الفنان في النهاية شخص غير مختص بهذا، ما ساعد في حماية الدراما ثانية، هو انحسار ظهور الفنانين وابتعادهم عن السجال السياسي.

دراما غير ضرورية
لكن الكاتب التلفزيوني نجيب نصير أبدى في تقييمه للأمر والأزمة التسويقية التي عاشتها الدراما السورية هذا العام والأعوام السابقة، مبررًا مختلفًا مرتبطًا بعدم ضرورة هذه الدراما بالنسبة لكثير من المحطات، باعتبار أن البدائل باتت متاحة أكثر، وهي تتنوع مابين الأفلام الأجنبية والمسلسلات التركية، إضافة إلى دخول الدراما الخليجية بقوة من حيث الكم، مع تفاوت نوعيتها، وهي دراما تفرض نفسها على محطاتها المحلية بحكم القانون، وتتصدر الأوقات وجداول هذه المحطات ليقسم ما بقي من وقت وأموال على الدراما السورية والمصرية.

ويرى نجيب أن من سلبيات الدراما السورية أنها دخلت في طريق معروف نهايته، ولم تتمكن دائمًا من مناقشة قضايا مهمة تواجه الإنسان العربي تتجسد في فقره وضعف إنتاجيته، وغرقه في البحث عن الخصوصية، لهذه لم تعد ضرورية بالنسبة له.

أزمة مالية
ولم ينكر القائمون على الدراما الأزمة التي عاشتها الدراما السورية هذا العام والتي لم تسلم منها الدراما المصرية أيضًا، وهي أزمات ارتبطت بتأمين تكلفة الإنتاج، واضطرار البعض لتأجيل أعمالهم، ومشاكل تعلقت بالأسعار المنخفضة التي قدمتها المحطات هذا العام، وهو أمر بديهي مع غياب الإعلان والمشكلات الاقتصادية التي تمر بها غالبية الدول العربية، وأيضًا غياب البدائل السورية، واضطرار الدراما لانتظار فرصتها لدى المحطات الخليجية والعربية.

ويرى إبراهيم أن هذه الصعوبات لها علاقة بالسيولة الموجودة في المحطات، التي قرر جزء منها من قبل الأحداث السورية، عدم الشراء لعدم توفر المال الكافي، وبعضها لم يدفع للأعمال التي أخذها مقابل نسبة من الإعلان، كالتلفزيون المصري الذي أخذ أكثر من 30 عملًا فنيًا مقابل نسبة 50% من الإعلان، ولكنه فشل في الحصول على الإعلان، وبالتالي قدمت هذه الأعمال للتلفزيون بالمجان، على الرغم من أنه تلفزيون ضخم كان يقدم ملايين الدولارات للمسلسلات في السابق.

ويرى إبراهيم الذي تكبد أعباء مالية كبيرة هذا العام لإصراره على استكمال إنتاج مسلسله quot;في حضرة الغيابquot;، وقبل بيعه بأسعار منخفضة لأسباب معنوية: quot;يجب أن نفكر بعد تجاوز هذه الأزمة باستراتيجييه جديدة، والبحث عن سبل ممكنة للسنة القادمة، من حيث التسويق والمواضيع أيضًا، ولابد من الإبتعاد عن المواضيع السخيفة وضرورة مواكبتها لقضايا الناس غير القادرين على إيصال صوتهمquot;.

وأمام هذه الأسعار السيئة قرر البعض عدم البيع والانتظار لحين انتهاء الأزمة وربما للعام القادم لضمان تعويض رأس المال على أقل تقدير.

والجدير ذكره أن الاتفاقات كانت تنص على إنتاج 30 عملاً سوريًا، لكن ما أنتج منها هو فقط 22، بسبب الأحداث التي عاشتها سوريا وغياب التمويل الكافي.