أكَّد الفنان اللبناني، مايك ماسي، أنَّه لم يروِّج لألبومه لأنَّه كان واثقًا من نظافة محتواه باعتبار أنَّه احترم تجاربه من خلاله، كماأشار إلى تحديه ذاته من خلال تنفيذه لأنَّ المجتمع الشَّرقي ينبذ الرَّجل الحسَّاس.


بيروت: في نوفمبر الماضي وقّع الفنان اللبناني، مايك ماسي، أسطوانته الغنائيَّة الجديدة quot;يا زمانquot; الَّتي تتضمَّن 12 أغنية، كتبها ولحَّنها ووزَّعها شخصيًّا، لتُترجم هويته الغنَّائية الَّتي تلقنها عبر سنين طوال بين مدارس فنِّيَّة متعدِّدة غربيَّة وشرقيَّة، لتأتي الأغنيات الإثنتي عشرة عبارةً عن علبة ذكريات وحكايات عن الحبِّ والحياة وأيَّام الماضي والوطن الحبيب.

وبمشاركة 39 عازفًا ومغنيًّا من لبنان وبلجيكا، وبين الموسيقى الشَّرقيَّة والغربيَّة، وتلك الأندلسيَّة والجاز، أتت الألحان عبارةً عن مزيج مختلط من عدَّة ثقافات، والكلمات كانت صادقة واقعيَّة تحاكي شباب جيله والأجيال السَّابقة واللاحقة بطريقةٍ شاعريَّة.

فنعود مع quot;يا زمانquot; إلى زمن الطَّرب الشَّرقي والموسيقى الأندلسيِّة، مرورًا بإيقاعات التشيللو والموسيقى الكلاسيكيَّة الهادئة والعبارات الهادفة الحسَّاسة في quot;جزر ومدquot;، لنصطدم بمزجٍ بين موسيقى الناي والبيانو في quot;لو في طيرquot;، وبعدها نصل إلى quot;صوتي هارب منيquot; وquot;يا عمري اللي ما نطرنيquot; حيث يُؤسر المستمع بكم العذوبة والجمال الطاغي عليها، لتأتي quot;خلصنا بقاquot; بإيقاعها الشَّبابي مقدَّمةً نقدًا إجتماعيًّا لما يطرأ على العلاقات البشريَّة وكيفيَّة التَّعاطي الدرامي السائد معها، لنعود في quot;مين يللي قالquot; وquot;غيِّر لون عيونكquot; إلى النَّفس الرومانسي الهادئ والحالم المنكَّه بروح الواقع، لنتعرَّف بعدها إلى quot;بيروتquot; المدينة - الضيعة بكل تفاصيل الحياة الرِّيفيَّة الغريبة عن العاصمة من خلال التَّركيز على قيمة التراب، لندخل بعدها إلى عالم مختلف من الرومانسيَّة مع quot;يا عاشقة الوردquot; للفنان زكي ناصيف والَّتي أعاد توزيعها بنسخةٍ جديدةٍ، فنتعرَّف بعدها إلى عالم آخر مجنون وصاخب مع quot;ضايق فيي شباكيquot; المعبِّرة عن حالة الملل والضجر والسعي للخروج والإنطلاق بحريَّة والتنفيس عن الروح.

وفي حوارٍ خاصٍ مع quot;إيلافquot;، تحدَّث الفنان اللبناني الشَّاب ذو الموهبة المميَّزة والمختلفة عمَّا هو مطروح اليوم عن الألبوم، والمغامرة الَّتي خاضها في مسيرة ولادة هذا العمل وهذه التَّجربة الموسيقيَّة في زمنٍ قلَّت به التَّجارب، وصولاً إلى الأصداء المفاجئة الَّتي حصل عليها من دون الإعتماد على التَّسويق والدعاية، إضافة إلى تأثراته بالعديد من المراحل والتَّجارب الَّتي طبعت حياته وعبَّر عنها في الألبوم.

ألبوميهديَّة حميميَّة تقدَّم لإنسان مميَّزٍ
عن احتلال الألبوم المرتبة الأولى في محلَّات بيع الأسطوانات لمدَّة خمسة أسابيع على التوالي، وفي المرتبة الثانية والثالثة في الفترات الأخرى، أكَّد مايك أنَّها حالة غريبة نسبةً للوضع الفني الحالي، وأنَّه تفاجأ بهذه النتيجة والإقبال عليه من قبل الأجانب حتَّى، ورأى مايك أنَّ عمله يصنَّف من ضمن ما يمكن الإحتفاظ به بأي مكتبة شخصيَّة، كما أنَّه من أنواع الهدايا المميَّزة الَّتي من الممكن تقديمها لإنسان مميَّز لأنَّه يشبه أي عبارة يستطيع المرء كتابتها على ورقة تعبيرًا عن إحساسه وشعوره تجاه شخصٍ مميَّزٍ.

مؤكِّدًا أنَّ قيمته بالحميميَّة والبساطة والشَّفافية والصدق المحتوي عليهم، إضافة إلى قيمته الموسيقيَّة المتمثِّلة بالوقت الذي قضاه في البحث والدِّراسة ليخرج العمل بهذا الشَّكل، لأنَّه كان هناك محاولة احترام شخصيَّة منه لكل التَّجارب الَّتي عاشها خلال حياته.

لست راضيًا 100% عن عملي ولكنَّني إحترمت من خلاله ما اكتسبته في الحياة
وعن الجمهور الذي توجَّه له ماسي من خلال هذا العمل الفني خصوصًا بعد الإقبال الكبير عليه، وقربه من واقع الشَّباب اللبناني الحائر والحزين والقلق، والفرح والمتفائل في الوقت نفسه، قال مايك إنَّ الألبوم فيه نوع من العلاج وأنَّه قدَّم من خلاله ما هو مقتنعٌ به وما مرَّ به بغض النظر عن النتيجة الَّتي كان سيحصدها، مشيرًا إلى أنَّ فنَّه هو الوسيلة الوحيدة الَّتي يجيد التَّعبير من خلاله، خصوصًا أنَّه لا يجيد كتابة الرسائل ولا إلقاء الخطابات، معبِّرًا عن سعادته بالأصداء الَّتي حصل عليها، وفخره بها خصوصًا عندما يُشكر لأنَّه نجح بالتَّعبير عن حالة العديد من خلال أغانيه، وخلق تواصلاً بينه وبين المستمع.

وقال: quot;أخذت الواقع للشاعريَّة البسيطة من خلال كلمات الأغاني الَّتي نرِّددها يوميًّا أو نفكر بها دون أن نقولها، والألبوم هو عبارة عن علبة ذكريات، وتكلَّمت كثيرًا عن الحب والحزن والأمل والقلق وغيرها بتفاصيل مختلفة عن السَّائدةquot;.

وأضاف: quot;أسعد كثيرًا عندما يستوقفني أحدٌ في الشَّارع ليسأل عن الكلمات والألحان، أو عندما يقول لي أحدٌ آخر إنَّه سيأخذني معه في سفرته بالإشارة إلى الألبوم، وهو ما يثبت لي أنَّني وصلت إلى ما كنت أسعى إليه بدايةً، وهو ترك بصمة من خلال أعمالي، وليس الظهور لمجرَّد الظهورquot;.

وقال ماسي: quot;هذا الأمر لا يعني أنَّني راضٍ عن العمل 100%، ولكنَّني عملت عليه بطريقةٍ إحترمت من خلالها كل ما تعلَّمته في الحياة، لأنَّ ما يهمنّي هو التجاوب والتفاعل الذي خلقه العمل مع الجمهورquot;.

ما يحصل اليوم هو محاولة لاستغباء النَّاس
وعمَّا إذا كان يعتبر نفسه مغامرًا أو مجنونًا يمشي عكس التيَّار من خلال تقديم عمل راقٍ، أمَّ أنَّه درس فعلاً الجمهور وما يطلبه قبل الشروع بالعمل، أشار مايك إلى أنَّ لا شك في أنَّه مغامر وأنَّه سيغامر أكثر في الأعمال القادمة من النَّاحية الفنِّيَّة ومن ناحية طلب الجمهور، ليقدِّم دائمًا ما هو جديد ومختلف، مشيرًا إلى أنَّه لديه ميل نحو اكتساب هويَّة خاصَّة ولكن من خلال تقديم نماذج مختلفة وجديدةquot;.

كما استفزته كلمة عمل راقٍ وقال: quot;لا أعرف ما معنى كلمة عملٍ راقٍ، ولكن ما أعرفه أنَّ الموسيقى أنواع وهناك موسيقى جميلة، وكل إنسان يحب نوعًا منها، ولكن ما يحصل أحيانًا هو محاولة فاشلة لاستغباء النَّاس، لأنَّه ولو أذيعت أغنية معيَّنة طيلة اليوم على الراديو قد لا تلفت الإنتباه عكس أغنية أخرى قد تذاع مرَّةً واحدة في اليوم ما يدفعه لطلبها وإعادة سماعهاquot;.

لم أروِّج لألبومي لأنَّني إتَّكلت على الله ونظافة محتواه
وأشار إلى أنَّه لم يقم بأي حملة دعائيَّة وعلى الرغم من ذلك نجح في صعود أوَّل درجة من السلم لأنَّه اعتمد على الله وعلى نظافة الموسيقى، لأنَّه لا يملك المال لإقامة الحملات الدعائيَّة، وقال: quot;لكن لربما كان هذا هو الوقت المناسب لإصدار العمل لأنَّنا نفتقر إلى التجارب الموسيقيَّة والنَّاس ليسوا أغبياء ويجيدون التَّمييزquot;.

أنا فأر مختبر ... شرِّحوني
وعمَّا إذا كان يعتبر نفسه رائدًا في مجاله، أكَّد أنَّه لم يكن يسعى ليكون رائدًا في مجاله، ولكن لا ينكر فخره بالأصداء والكلام الذي يسمعه من الفنانين أصدقائه، وأشار إلى أنَّه لم يكن يملك الخيار لتقديم أمور أخرى، إذ إنَّه قدَّم ما يجيده ويرضيه ويرضي احترامه لمهنته، وأنَّه واثق بأنَّ أغانيه هي من النوع الذي يعيش، وأنَّه قادر على العيش من خلالها، بغض النظر عن الرِّبح السريع الذي يسعى له المنتجون أو الفنانون الذين ينتجون من حسابهم الخاص.

وأضاف: quot;لا يمكنني لوم أحد على هذا الذوق الغريب في تقديم الأعمال، ولكن لربما أكون كفأر المختبر فليشرّحوني ليعرفوا كيف عملت على ألبومي ولماذا العالم أحبَّتهquot;.

تحدَّيت نفسي لأنَّ مجتمعنا الشَّرقي لا يقبل بالرَّجل الحسَّاس
وعن طغيان الحزن والألم والخيبات على أغانيه، قال مايك إنَّ الألم ينقش مكانه في الإنسان نفسه أكثر، ويكبِّره قبل أوانه، وأنَّ هذا ما حصل معه، مؤكِّدأ أنَّ ذلك لا يعني عدم استفادته من التَّفاصيل الصغيرة الجميلة بالحياة، وأنَّه ليس سعيدًا أو لا يحب ويعشق، ولكن الحزن يجعل المرء يدخل إلى أعماق نفسه ليعبِّر عن وجعه وعن فرحه، لأنَّ لا يدرك الفرح وقيمته إلَّا من حزن فعلاً الحزن.

وأضاف: quot;الألبوم هو علبة ذكرياتي طيلة عشر سنوات، وتطلب مني جرأة كبيرة لأنفِّذه خصوصًا في مجتمعٍ لا يقبل بأن يكون الرَّجل حساسًّا، والتَّحدي كان مع ذاتي لأري العالم كل هذه المشاعر والتَّفاصيل الَّتي نخفيها كرجالٍ شرقيينquot;.

مسرحيَّة وألبوم وحفلات
إلى ذلك، تحدَّث ماسي عن جديده وهو عبارة عن مسرحيَّة يحضِّر لها مع الفنانة عايدة صبرا، معبِّرًا عن فرحه بهذه التَّجربة الَّتي سيخوضها مع فنانة ومعلِّمة تعزُّ بنفسه شهادتها به، مشيرًا إلى أنَّ المسرحيَّة مقتبسة عن قصَّة فرنسيَّة، وستتضمَّن غناء وعزفا مباشرا على المسرح، إضافة إلى كم من الجنون يضيف ممازحًا.

كما أشار إلى أنَّه بدأ كتابة وتلحين أغاني ألبومه الجديد، إلَّا أنَّه من النوع البطيء في العمل، كما أنَّ هناك مشروعا لإعادة صياغة أغاني أحد الراحلين ولكن هذه الخطوة ما زالت في مرحلة الدِّراسة لأنَّها دقيقة وبحال الإقدام عليها يجب أن تقدَّم بطريقة جديدة إهداءً لصاحبها الأوَّل وبطريقة جديدة بعيدة عن فكرة الطبع أو النَّسخ. إضافةً إلى مجموعة من الحفلات الَّتي يحضِّر لها في الولايات المتَّحدة الأميركيَّة والدول الأوروبيَّة في المسارح الثقافيَّة، إضافة إلى حفل في لبنان في أواخر الصَّيف.

وفي النهاية ختم مايك ممازحًا: quot;جرِّبوا أن لا تضحكوا عليَّ، أعلم أنَّ كل إنسان يحارب بدايةً ولكن في النهاية لا يصح إلَّا الصحيحquot;.