حذَّر المخرج السوري، هشام شربتجي، من تناول الحدث السياسي في الدراما السوريَّة في السنوات القادمة، واصفًا السِّياسة بالـquot;المرضquot;، معبِّرًا عن خشيته من زيادة هامش الرَّقابة وتأثيرها على الأعمال الفنِّيَّة، وبالتَّالي انتقال المرض ما يؤدي إلى انقراض الدراما السوريَّة.


دمشق: أكد المخرج، هشام شربتجي، في حديثه مع quot;إيلافquot; بأن بعض الكتاب وبغاية الشهرة السريعة يتسابقون على تناول الممنوعات والتحايل على الشخصيات الكبيرة ورموز البلاد بغرض الشهرة، معتبراً بأنه من مهام الفن احترم العادات والتقاليد والمدرس والأب والشيخ والمدير والرئيس ولا يجب المس بهم إطلاقاً، خصوصًا وأن الدراما موجهة للعائلة وليست مثل السينما.

وأشار شربتجي إلى أن بعض الأعمال التي شاركت بالعمق في وصول المجتمع السوري إلى هذه الأحداث وخصوصًا الاجتماعية منها، والكوميديا التي لا يعرف لها وطن إلا بمفهوم النكتة، واعتبر أن أغلب الأعمال الأخرى جاءت مغشوشة وبالتالي عكست واقعاً إفتراضياً غير موجود،خصوصًا الأعمال التي تناولتالجريمة والايدز، على الرغم من أن المجتمع الدمشقي يظل يحكي عن جريمة مقتل شخص على سبيل المثال لمدة سنتين كونه حدث نادر.

وانتقد شربتجي تلك الأعمال ومخرجيها اللذين اعتبروا أنفسهم بأنهم يقرؤون المجتمع ويتنبئون بمستقبله، واعتبر الأعمال الشامية بأنها لم تعكس الحياة التي يعرفها هو شخصياً كونه ابن دمشق، وقال أنها كانت مزيفة ومفصلة علىمقاس الخليج اللذين أرادوا أن يكون المجتمع الشامي مليئاً بالثرثرة والاقتتال بالسلاح الأبيض، وأن يتحدثوا بالتفاهة بدليل أن أهم الأعمال الشامية كانت الأقل تسويقاً وكأن الأمر بأنهم يعملون للآخرين، مشيراً بأنه كان من الأوائل اللذين أبدوا بعدم اهتمامهم بالمشاهد الخليجي وتعرض للإنتقاد وقتها وأن الأهم بالنسبة إليه هو أن يكون صادقاً بالمكان الذي يعيش فيه.

وأبدى شربتجي إعجابه ببعض الأعمال الخليجية كالعمل الكويتي (بس يا بحر) الذي عرض قبل انتشار الدراما الخليجية، ووصفه بالعمل الهام كونه تناول النمط الاجتماعي الكويتي الصادق على عكس الدراما السورية التي زيفت واقع العشوائيات الموجود فعلاً في سوريا، مشيراً إلى أنه تناول هذه الحارات في مسلسلة (أيامنا الحلوة) واعتبر أن من مهام الفن التنبأ بالغد الجميل والأكثر إشراقاُ، وأن تجمل حياة الفقراء.

واعتبر المخرج السوري هشام شربتجي إن أعماله السابقة تنبأت بما يجري في سوريا حاليًا، من خلال تصوير حالة من الفساد وتغليب مصلحة الذات على مصلحة الوطن، وقوبلت بانتقادات ومحاولات تخوين بسبب ذلك، وأن رصيده بتناول الفساد لا يتوقف عند أعماله الأخيرة فقط كونه أخرج عدة أجزاء من سلسلة (مرايا)، وأنه غادرها بعد أن طالت بعض لوحاتها الانتقادية الساخرة نوعًا من الكذب والتطاول، كما أخرج الجزء الأول من مسلسل (يوميات مدير عام) وعكس الفرضية السائدة في الأعمال التي تتناول الفساد، باعتبار رأس الهرم في المؤسسة بقمة النزاهة، وأن الموظف هو الفاسد، واختتم عمله بمقولة المسلسل الأساسية (عوجا)، بمعنى أنه لا يجب أن نعلق أخطائنا على شمّاعات أولِي الأمر من الأب إلى رأس السلطة السياسية، فالأخطاء الاجتماعية يمكن أن يمنع النظام من تفشيها، أو العكس لكن هذا لا يعفينا من المسؤولية.

وتطرق شربتجي للعمل الذي يصوره حالياً (المفتاح) سيناريو خالد خليفة وقال أنه يتحدث بصورة عامة عن الفساد خلال السنوات العشر الأخير من تاريخ سوريا، وتحديدًا عن الثغرات القانونية التي يخترقها البعض لتحقيق مآرب شخصية ترتبط بالتسلق الطبقي، والفساد الاجتماعي، وهو عمل مليء بالسموم ومن مهمتي كفنّان ومخرج، وليس كسياسي، أن استخلص هذه السموم وأحولها إلى ترياق.

وأشار شربتجي إلى تجربته في العام الماضي بإخراج المسلسل اللبناني (آخر خبر) بمشاركة فنانين سوريين، محملاً الفنانين اللبنانيين الكثير من الاحترام، وأنهم ملوك الفن في العالم العربي، مستشهداً بالـ(الرحابنة)، واعتبر أن ما حدث في لبنان بأن الدراما تراجعت لديهم بفعل الحرب، مشيداً بمن يشتغل في هذه الدراما في لبنان هم أحفاد جيل يستحق الاحترام، وقال أن الفنان اللبناني ما يزال الأداء المسرحي يؤثر عليه أكثر وأنه لا يستطيع التخلص من التلقائية أمام الكاميرا، وكون اللهجة اللبنانية غير منتشرة إلا على صعيد الأغاني فأن الدراما عندهم تبقى محلية أكثر.

وأشار إلى أنه ذهب إليهم محملاً بالمحبة فعاملوه بحب، على الرغم من بعض الصعوبات بسبب هامش الصناعة الدرامية غير المتوفر لديهم كما هي الحال بسوريا لأسباب قد تكون ماديّة أو اجتماعية، وأشار إلى استمتاعه بتصوير 80 يومًا على مدى فترة طويلة وصلت إلى سبعة اشهر كون الفنان اللبناني لا يلتزم بيوم التصوير.

وعبر شربتجي عن سعادته بالتجربة بغض النظر عن النتائج، وأن أكثر ما كان يهمه في لبنان هو ترك بصمته ورائحته على العمل، مؤكداً رضاه التام عن العمل وأنه تعلم الكثير في لبنان واستفاد منهم واستمتع بالعمل مع مدير إنتاج حقيقي، وأن هذه المهنة غير موجودة بسوريا على اعتبار أن مدير الإنتاج هو شخص يلبي الطلبات أو أنه عنصر مالي بحت، ولفت إلى أنه أراد إيجاد نسيج سوري لبناني بالزج ببعض النجوم السوريين واقتراحه لأكثر من فنان سوري عمل معه.

وتحدث شربتجي عن إرباكات الدراما السورية وقال أنها بدأت بالظهور منذ سنوات، وليس بسبب ما يحدث في البلاد أخيرًا، وأنه نبهّ لذلك، خصوصًا بعد سيطرة هذه الدراما من قبل نماذج يسمون أنفسهم نجوم، وعلق قائلاً: quot;نقع في المطب الذي وقعت فيه الدراما المصرية سابقاً وماتت على الرغم من أن أساسها أقوى مما لدينا، وقلت في الماضي وأكرر الآن أن ما تشهده هذه الصناعة على المستوى المحلي هو (فورة) كونها انتشرت لحاجة السوق لها وتزامنها مع انتشار الفضائيات وتراجع الدراما المصرية وغياب الدراما الخليجية واللبنانية والأردنية، والدراما بالنهاية هي صناعة يلزمها بنية تحتية، وبزيادة الطلب عليها دخل إلى الوسط الفني السوري أشخاص غير مؤهلينquot;.

وأضاف المخرج شربتجي بأن ما تسمى بـ(طبقة النجوم الزائفة) أدى لتراجع الدراما المصرية، إلا أنهم استفاقوا في السنوات الأخيرة، ولكن بروز النجوم في سوريا قلص من دور المخرج الذي من المفروض أن يكون سيد العمل وصاحب مشروعه، وتحول إلى مخرج ينفذ طلبات الآخرين الذين يستمتعون بعمل المخرج تحت إمرتهم، وأبدى استغرابه من عدد من المخرجين الذين لا يترددوا بالوقوف عند دخول النجم لمكان التصوير، وأشار إلى عدم احترام موقع التصوير بالنسبة للكثيرين.

وقال شربتجي بأنه نادم على إدخاله الكاميرا المحمولة في الدراما كونها أصبحت تسهل عمل الممثل بعد تلقينه الكلمات والجمل بسهولة، مبدياً استياءه من تعامل البعض مع هذه المهنة، وأن غالبية النجوم غير مهتمين سوى بالراحة المادية والتصوير مع الجمهور أثناء مرورهم بالشوارع، مشيراً إلى أن الأزمة الأخيرة عرت الكثير منهم.

وعن نظرته إلى مستقبل الدراما السورية على المدى القريب، أكد شربتجي بأنه ستتراجع على مستوى التسويق، وأن الدراما السورية بحاجة لفترة حتى تعود إلى ألقها، ولفت إلى (رب ضارة نافعة) بالقول أنه ربما تتحسن النوعية مع قلة الإنتاج خصوصًا أن الدراما في سوريا لديها الكثير من الفنانين الحقيقيين.

واقترح شربتجي عددًا من الحلول لإنقاذ الدراما ومن أهمها استبعاد رأس المال الداخل إلى سوريا والتي لا يهمها إلا الربح والتجارة، إضافة إلى تأهيل الكوادر من جيل متعلم، وإيقاف المعهد العالي للفنون لدورتين على الأقل ويؤهل فيها كوادر أبناء الجيل الكبير، والسعي لبناء استوديوهات كبيرة خصوصًا مع صعوبة التصوير بالشارع وتكرار أماكن التصوير وأصبحت المسلسلات تشبه بعضها وخصوصًا الشامية منها.

وأكد على أهمية حماية المهنة من المتطفلين من قبل النقابة خصوصًا في مهنة الإخراج التي أصبحت تنفذ أراء الآخرين وليس لديهم أي مشروع، منتقداً بعض المخرجين الذين لا يجيدون الكتابة والقراءة، لافتاً إلى أنه عند سبات الدراما المصرية أستيقظ مجموعة من المخرجين الشباب فأنقذوها.

وطالب شربتجي بإنشاء أكاديمية مستقلة عن كل الوزارات والهيئات تؤهل الكوادر الفنية من مصورين وكوادر الإضاءة وفنياً وعملياً وإنتاج وغيرها، وأن التمثيل علم بحد ذاته ولا يجوز انتقال المهنة من جيل لجيل بمحض الصدفة.