إيلاف من بيروت: في قصة مؤثرة، تندسّ غوينايل لينوار في رأس قيصر، المصور العسكري السوري الذي خاطر بحياته ليُظهر للعالم صور جثث لمواطنين سوريين تعرضوا للتعذيب في سجون نظام دمشق، وتستمد منه مونولوغاً يطارده الموت والصمت، والشجاعة والجبن.

بأسلوب شفاف، تفص غوينايل لينوار في روايتها "غرفة سوداء" Camera Obscura (216 صفحة، منشورات جوليار، 20 يورو) في روتين المصور في مشرحة المستشفى العسكري بدمشق. فلهذا الرجل عاداته: معطفه الأبيض معلق خلف الباب، مكتبه بعيد عن زملائه ورؤسائه، كعك تعده زوجته في حقيبته، لا يطرح أية أسئلة، أو يطرح القليل منها فقط. تقول جوينايل لينوار: "هذا الكتاب رواية شخصيتها الرئيسية حقيقية. هذا المصور موجود ويعيش مختبئًا في مكان ما في أوروبا. اسمه الرمزي قيصر. الفظائع الموصوفة مثبتة، والحقائق موثقة، لكن صوته هو صوتي".

إنه صوت رجل يتسلل إلى قلبه الشك، بينما تنتظر أربع جثث صغيرة في أدراج براد المشرحة... ثم ستة، ثم اثنتي عشر، ثم خمس عشرة. وسرعان ما لم تعد هناك مساحة في الأدراج، وتراكمت الجثث المعذبة على بلاط الممرات، وفي شاحنات صدئة متوقفة أمام الباب. وسرعان ما لن يكن هناك مجال للشك أيضًا. شريحة ذاكرة وأدلة متوافرة، سيخاطر بكل شيء لتهريبها قبل أن يغادر البلاد. الرواية المذهلة لإيماءاته اليومية الصغيرة التي تحمل في طياتها خطر أن يجد نفسه على الجانب الآخر من العدسة، جثة معذبة، تثير الرعب والدهشة.

تركيز على جميع القصص
غوينايل لينوار لا تعرف قيصر. إنها تعرف عنه ما يعرفه الجميع أيضًا: مصور الطب الشرعي، العسكري، الفار من سوريا. في عام 2014، عندما اكتشفت قصة قيصر، أدركت أنها تريد أن تكتب عما شعرت أنه أمر مبالغ فيه. كيف تمكن من الاستمرار عامين؟ هذا الاستجواب بضمير المتكلم يأخذها نحو الخيال، نحو إجابة حميمة. تعرف الصحفية أنها لن تكون قادرة على سرد كل شيء في القصة الصحفية. الواقع واسع للغاية، ومذل للغاية. ويركز قيصر كل القصص وكل الأسئلة التي تم جمعها خلال رحلته. إنه عالمي بالنسبة إليها. ومثل التصوير الفوتوغرافي، يعمل الخيال هنا ليكشف عن واقع لا يوصف.

يهدف هذا الكتاب إلى تكريم قوة جميع المعارضين السوريين وشجاعتهم. وهو موجه إلى أولئك الذين أصبحت الثورة بالنسبة إليهم دليلًا هادئًا، والذين أداروا ظهورهم لأرواحهم وضمائرهم عن الحكمة، وهي أرض خصبة لنظام يفرض الخوف والصمت. على الأموات أن يتكلموا لأننا نحن الأحياء لا نستطيع أن نتكلم. لقد خاطوا شفاهنا ومزقوا ألسنتنا منذ عقود. لقد بدأوا بإسكات آبائنا، أسكتونا آباءنا ونحن نسكت أطفالنا.

إضافة إلى كونها عملاً مؤثراً ووثيقة أساسية لمن لا يعرف قصة قيصر، فإن هذه الرواية هي دعوة نابضة بالحياة إلى العصيان. إنها تسمح لك بتخيل ما يعنيه العيش في ظل نظام شمولي واستكشاف مجموعة من المشاعر، من حلاوة العلاقة الحميمة إلى القلق الدائم في العمل أو الشوارع أو المقاهي.

لكتابة هذه الرواية والانغماس في الحياة اليومية لمصور في مشرحة في مستشفى عسكري، اعتمدت لينوار على قراءاتها وأفلامها وتجاربها الشخصية. تستشهد بـ "لا كوكيل" لمصطفى خليفة، كما تستشهد بجميع اللقاءات التي ميزت مسيرتها صحفية في الشرق الأوسط: ميشيل كيلو، سهى بشارة، آخرون، ناجون من تدمر أو من صيدنايا. هؤلاء النساء القويات والشجاعات، وهؤلاء الرجال المصممون ألهموا شخصيات روايتها الهجينة حيث يوجد الراوي وقصته، لكن مونولوغه الداخلي وقصة الحياة اليومية تنبثق منها.

المصدر: "أوريان 21"