هيمنت الإنفلونزا المكسيكيّة على الأحداث الطبيّة في العام 2009 وشكلت النسخة الثالثة من أوبئة الإنفلونزا بعد الطيور والسارس، وكان مرض الإنفلونزا المكسيكية مخيفًا وجاء مصحوبًا بحالة من الهلع، وكان سببًا في أول تفش لمرض الإنفلونزا في المملكة المتحدة خلال الصيف الماضي. وبصورة غير معهودة، استهدف المرض الأطفال والبالغين الصغار بدلاً من كبار السن، الذين كانوا عادةً ما يقعون ضحايا للإنفلونزا الموسمية.


أشرف أبوجلالة من القاهرة: وسط أجواء الرعب التي بثها مرض H1N1 المعروف بإنفلونزا المكسيكيّة في جميع أنحاء العالم مطلع نيسان/ أبريل الماضي، قامت الدنيا ولم تقعد من وقتها، بخاصةً مع تزايد معدلات الإصابة والوفاة، واستمرار إشكالية العقاقير الدوائية في ما يتعلق بتوافرها وفاعليتها. وفي مجمل تقرير لها عن حصاد العام الطبي، اعتبرت صحيفة الإندبندنت البريطانية مرض الإنفلونزا المكسيكيّة هو الحدث الأبرز خلال عام 2009، وفي سياق تعقيبها عن تداعيات هذا الأمر، قدمت في مستهل الحديث رصدًا تاريخيًا مسلسلاً لتهديدات وباء الإنفلونزا التي ألقت بظلالها على العالم بأسره خلال العقد المنقضي.

فتقول إن البداية كانت في العام 1997، عند ظهور مرض إنفلونزا الطيور في هونغ كونغ، وتسببه آنذاك في وفاة طفل يبلغ من العمر ثلاثة أعوام، وكذلك ذبح مليون دجاجة. وبعدها بأيام قليلة، سرعان ما انتشر المرض، وهيمنت حال من الذعر على المدينة، في الوقت ذاته الذي بدأ يطلق فيه العلماء المتخصصون في مكافحة الفيروسات تحذيرات من قرب تفشي المرض على نطاق واسع. ثم تنتقل الصحيفة لتشير إلى تفشي مرض آخر ذو صلة هو quot;سارسquot; بعدها بستة أعوام، أثناء تلك الزيارة التي كان يقوم بها البروفيسور ليو جيانلون، الطبيب المتخصص في الأمراض التنفسية (من سكان مدينة قوانغتشو الصينية) إلى هونغ كونغ، حيث عطس في المصعد الموجود بفندق متروبول الذي كان يقيم به، وبعدها سرعان ما انتشر مرض الالتهاب الرئوي الحاد (سارس) إلى سبعة نزلاء آخرين كانوا يقيمون بالطابق التاسع للفندق. وفي غضون ستة أسابيع، أصاب هذا المرض 2300 شخص في 17 دولة، وتسبب في وفاة ثمانين.

وعلى الرغم من أن مرض سارس هذا لم يكن الإنفلونزا المكسيكية، إلا أنه لم يكن يقل فظاعة عنها. وعلى غرار ظهوره المفاجئ، انتهى بالصورة ذاته أيضًا، في خلال شهور. وبحلول حزيران/ يونيو عام 2003، كان المرض قد انتهى ndash; لكن بعدما أصاب الفيروس 8000 شخص وتسبب في مقتل 800 آخرين بمختلف أنحاء العالم. وفي العام التالي، عام 2004، ظهر مرض إنفلونزا الطيور مجددًا في الدواجن بالشرق الأقصى، ثم بدأ في الانتشار إلى جميع أنحاء العالم. ومع وصول معدلات الوفاة لدى البشر إلى 60 % ، تبين أنه أصاب إلى الآن 442 شخصًا وتسبب في مقتل 262 آخرين.
وفي الوقت الذي لم يتمحور فيه هذا المرض حتى الآن إلى شكل يسهل انتقاله بين البشر، كما كان يخشى العلماء، ظهر عوضًا عن ذلك نوع آخر من أنواع الإنفلونزا، لكن هذه المرة من نصف الكرة الأرضية الأيسر، وهو مرض H1N1 (القادم من المكسيك) ليتسبب بذلك في ظهور الوباء الأول بالقرن الحادي والعشرين. وأشارت الصحيفة في هذا الصدد إلى أن المرض كان مخيفًا وجاء مصحوبًا بحالة من الهلع، ما كان سببًا في أول تفشي لمرض الإنفلونزا في المملكة المتحدة خلال الصيف الماضي. وبصورة غير معهودة، استهدف المرض الأطفال والبالغين الصغار بدلاً من كبار السن، الذين كانوا عادةً ما يقعون ضحايا للإنفلونزا الموسمية.

ثم تلفت الصحيفة بعدها إلى أنهم ظنوا لبعض الوقت أن المرض سينتشر على نطاق واسع بحلول فصل الشتاء لكونه مرضًا جديدًا، وذلك بحكم الضخامة المتوقعة في أعداد المرضى المصابين، إلا أن ذلك لم يحدث. وتقول هنا إن التقديرات الخاصة بعدد المصابين، قد تم خفضها من 30% إلى 10 % - وهي النسبة التي لا تزيد كثيرًا عن نسبة المصابين بالإنفلونزا الموسمية. وقد اتضح أن الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن الخمسين عامًا يمتلكون قدرًا من المناعة لأن البروتينات الموجودة على سطح الفيروس ( رغم حداثته )، تتشابه في بعض النواحي مع تلك البروتينات التي كانت تتواجد على سطح فيروسات H1N1 التي انتشرت خلال عقد الستينات من القرن الماضي.

وفي حزيران / يونيو الماضي، قامت منظمة الصحة العالمية ( WHO) برفع تحذيرها من المرض إلى المستوى السادس ndash; وهو المستوى الأعلى ndash; للمرة الأولى منذ أربعين عامًا وكانت تهدف المنظمة من وراء تلك الخطوة إلى مساعدة العالم في التأهب لقرب وقوع هجوم فيروسي مميت، لم يسبق له مثيل منذ عقود، ويستلزم مواجهته بتعبئة موارد هائلة. وعلى الرغم من تأكيد الصحيفة على احتمالية حدوث حالة غير مسبوقة من الفوضى في حالة تمحور الفيروس، إلا أن أخطار المرض قد بدأت في الانحسار مع بدء ترويج اللقاحات المعالجة ndash; وهنا، تشير الصحيفة إلى حصول ما يقرب من اثنين مليون شخص في المملكة المتحدة على الحقن الدوائية، لافتة إلى أنها ستتوافر لأعداد أخرى تقدر بالملايين في غضون الشهرين المقبلين. هذا ويتوجب على اللقاح الحالي أن يوفر بعض الحماية الشاملة حتى من الفيروس المتحول.

وفي الختام، تشير الصحيفة إلى أنه وعلى الرغم من كونه شكلاً جديدًا تمامًا من أشكال فيروسات الإنفلونزا، إلا أنه لم يثبت تحول المرض إلى quot;وباءquot; (بأي معنى طبي ذي صلة بالمصطلح) في أي مكان بالعالم منذ اندلاع المرض في نيسان/أبريل الماضي. ومما لا شك فيه أن خوف العالم من إنفلونزا الطيور ساهم في تشكيل طريقة تعامل العالم مع إنفلونزا المكسيك، الذي يتعامل برفق إلى الآن مع البشر، فلم يتسبب إلا في ظهور أعراض مرضية خفيفة لدى معظم من أصابهم في ظل انخفاض معدل الوفيات وانتشاره بصورة محدودة. ما جعل الصحيفة تخفف من وطأة مشاعر الذعر التي صاحبته، بتساؤلها: هل يستحق هذا المرض لقب الوباء، إذا ما استمر على هذا النهج؟