بدأ العلماء يطلقون تحذيرات من انتقال الأمراض الحيوانيّة القاتلة إلى البشر، وتوصلوا إلى أن الاضطرابات البيئيّة تسبب نشوء أوبئة جديدة، كما أن الانتقالات السابقة في تاريخ البشريّة كان لها تأثير مدمر من حيث انتشار الامراض، وكانت الوكالات التابعة للأمم المتحدة قد أُبلِغت على مدار العقدين الماضيين بما لا يقل عن 45 مرضًا انتقل من الحيوانات إلى الإنسان.


أشرف أبوجلالة من القاهرة: بدأ العلماء يطلقون تحذيرات من أن العالم بات يواجه تهديدًا متزايدًا من قِبل الأمراض الجديدة التي تعبر الحاجز القائم بين الأنواع البشرية والحيوانية، نتيجة للاختلال البيئي والاحترار العالمي والتوسع العمراني المطرد الذي يشهده كوكب الأرض. وقالت صحيفة الإندبندنت البريطانية إن الوكالات التابعة للأمم المتحدة أُبلِغت على مدار العقدين الماضيين بما لا يقل عن 45 مرضًا انتقل من الحيوانات إلى الإنسان.

وتلفت الصحيفة إلى الدور الذي تقوم به التغييرات البيئية الجذرية في إحداث تغييرات كبرى في أنماط الأمراض البشرية على نطاق لم يسبق له مثيل منذ اندلاع الثورة الصناعية. وتنقل الصحيفة عن مونتيرا بونغسيري، العالم المتخصص في الصحة البيئية في وكالة الحماية البيئية في الولايات المتحدة، قوله إن الانتقالات السابقة في تاريخ البشرية كان لها تأثير مدمر من حيث انتشار المرض. وأردف بقوله :quot; يبدو أننا نخضع لتغيير واضح في ايكولوجيا المرض العالمي. ويبدو أن العولمة والاضطراب البيئي هما من وقفا وراء الظهور الأخير للأمراض المعديةquot;. كما تشير الصحيفة إلى أن بونغسيري قام برفقة ثمانية من زملائه بفحص خمسة أمراض تنشأ ثم تعاود الظهور، هي ( الملاريا ndash; مرض لايم الذي ينتشر عن طريق القرود - مرض هانتا الذي ينتشر عن طريق الفئران والجرذان ndash; مرض غرب النيل الذي ينتشر عن طريق الناموس ndash; مرض البلهارسيا الذي ينتشر عن طريق قواقع المياه العذبة ).

وقالوا إن التغييرات التي تحدث في استخدام الأراضي، والممارسات الزراعية، والمناخ، تكمن وراء تزايد عدد مرات تفشي المرض. وهنا، تشير الصحيفة إلى أن أفضل مثال معروف لمرض نجح في عبور حاجز الأمراض البشرية- الحيوانية وتسبب في ظهور وباء عالمي هو فيروس HIV المسبب لمرض الإيدز. ويعتقد ndash; طبقًا للصحيفة ndash; أن الفيروس انتقل خلال القرن الماضي من الشمبانزي إلى الإنسان في غرب إفريقيا، وتسبب من وقتها في وفاة ما يزيد عن 25 مليون شخص حول العالم. كما نتج وباء إنفلونزا المكسيك خلال شهر مارس/ آذار الماضي عن خلط لفيروسات أصابت الخنازير والطيور والبشر لخلق سلالة جديدة من الوباء.

وعلى الرغم من ظهور الوباء بصورة أقل وطأة مما كان يُتَوقَّع، إلا أن أوبئة الإنفلونزا التي ينتظر حصولها في العقود المقبلة قد تشهد أعلى معدلات الوفيات وتصيب الملايين من البشر. ثم يعاود دكتور بونغسيري ورفاقه ليقولوا إنه في الوقت الذي انخفض فيه عدد الأشخاص الذين استسلموا للأمراض المُعدية في العالم المتقدم أثناء الثورة الصناعية، إلا أن زيادة التصنيع وارتفاع مستويات التلوث أدى لزيادة الإصابة بالأمراض المزمنة، بما فيها السرطان والحساسية والتشوهات الخلقية. وأضافوا في مجلة العلوم البيولوجية بتأكيدهم على أن العالم بات الآن في قبضة تحول وبائي آخر مدفوع بتدمير الموائل النباتية والحيوانية، وفقدان الأنواع، والتغييرات التي قرَّبت المزيد من البشر بالحيوانات بصورة لم يسبق أن شهدتها أي مرحلة سابقة في التاريخ.

أما دكتور دافيد موريل، المحاضر في علم البيئة في جامعة لندن، فيقول :quot; تم الكشف عن أكثر من 300 مرض جديد منذ عام 1940، انتقل 60 % منها إلى الإنسان من الحيوان، في حين وقع 70 % منها نتيجة الاتصال بالحياة البرية. وأتوقع أن يستمر ظهور أمراض جديدة من وراء الاتصال بالحيوانات خلال هذا القرنquot;. بينما قال جان سلينغينبيرغ، من منظمة الفاو، إن التغييرات التي حدثت في طريقة تربية الحيوانات غيَّرت تداول الفيروسات والبكتيريا، بما في ذلك الإنفلونزا القادرة على إصابة البشر. ويتابع العلماء بإشارتهم إلى أن السلوك الخاص بتلك الفيروسات الجديدة لا يكون متوقعًا، ويقولون إنهم لا يعرفون الطريقة التي تعبر من خلالها الحاجز الفاصل بين الأنواع لتصيب البشر.

بعدها، تقدم الصحيفة سردًا لقائمة الأمراض التي انتقلت من الحيوانات لتصيب الإنسان، وفي مقدمتها يأتي فيروس الـ HIV ( وهو ذلك الفيروس المُسبب لمرض الإيدز ndash; وتقول الصحيفة إنه، وبحسب ما يعتقد، فإن لحوم حيوان الشمبانزي هي المستودع الحيواني لفيروس نقص المناعة البشرية، لذا من سبق له وأن أقدم على تناولها، أصيب بالمرض. وبينما يعتقد أنه ظهر في النصف الأخير من القرن الماضي، لكن لم يتم الكشف عنه لدى البشر إلا عند بدء وفاة رجال شواذ صغار في السن نتيجة إصابتهم بمرض غامض في سان فرانسيسكو مطلع ثمانينات القرن الفائت ).
وهنالك كذلك مرض هانتا الذي ينتشر عن طريق الفئران والجرذان. وبالإضافة للأمراض الرئوية التي تودي بحياة أربعة أشخاص من بين كل خمسة يصابون بها، يُسبب هذا المرض أيضًا الحمى النزفية، التي تؤدي لحدوث نزيف داخلي على نطاق واسع. ولا يوجد له علاج. وتشير إحدى التقديرات إلى وجود عدد يتراوح ما بين 60 ألف إلى 150 حالة تصاب بهذا المرض كل عام. ويلفت الباحثون إلى أن تزايد خطر الإصابة بالمرض يرتبط بتزايد أعداد الفئران. في حين أن تكاثر أنواع الفئران، التي يكون معظمها في مأمن من المرض، يعمل على تقليل مخاطر الإصابة به.

وهناك أيضًا مرض إنفلونزا الطيور، الذي بات يعرف بأنه أول وباء أصاب البشر في القرن الحادي والعشرين. حيث شكَّل هذا الفيروس، الذي تسبب في تدمير قطعان من الدجاج والبط في منطقة الشرق الأقصى، أكبر تهديد محتمل للجنس البشري. فقد أصاب 442 شخصًا وأودى بحياة 262 آخرين منذ العام 2004. وتنوه الصحيفة هنا إلى أن الإنفلونزا استطاعت أن تنتقل ثلاثة مرات خلال القرن الماضي ( 1918 ndash; 1957 ndash; 1968 ) ومجددًا في عام 2009، من الطيور أو الخنازير إلى البشر، متسببة ً في وفاة ملايين الأشخاص في الأوبئة السابقة. وهناك كذلك داء الكلب، الذي يعتبر المرض الأكثر فتكًا والمعروف بأن معدلات الوفاة الخاصة به تقترب من نسبة المئة في المئة. وعلى الرغم من أنه مرتبط بالكلاب، إلا أنه بدأ في إصابة حيوانات أخرى خلال العقود الأخيرة، وهو ما أزاد من التهديدات الخاصة بنقل المرض إلى الإنسان. وقد سجلت الأمم المتحدة تزايدًا quot;ملحوظًاquot; في عدد الدول التي تبحث عن المساعدة للسيطرة على المرض بين الكلاب طيلة العام الماضي.

ثم تنتقل الصحيفة لتتحدث عن مرض آخر، هو الملاريا، الذي ينتقل عن طريق الناموس، ويقتصر إلى حد كبير على المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية بجنوب الصحراء الكبرى الإفريقية والهند وبنغلاديش وجنوب شرق آسيا وأميركا الوسطى. وتلفت إلى أن الملاريا تؤدي لوقوع ما لا يقل عن مليون حالة وفاة و 300 مليون حالة إصابة بالحمى كل عام. وأن 90% من تلك الوفيات تحدث بإفريقيا، معظمها من الأطفال صغار السن. ومن المتوقع أن يتسبب الاحترار العالمي وكذلك ما يستجد من تغييرات على التنوع النباتي في تمديد الوجود الجغرافي لهذا المرض إلى مناطق جديدة.

وتختم الصحيفة تقريرها بفيروس غرب النيل، الذي ينتقل عن طريق الناموس، وسبق له أن تسبب في نشر حالة من الرعب عند ظهوره في نيويورك خلال عامي 1999 و 2000، عندما كان على متن سفن تُحِضر طيور برية إلى البلاد لهواة جمع تلك النوعية من الطيور. وغالبا ً ما يصاحب هذا المرض ارتفاع في درجة الحرارة وكذلك صداع. وفي معظم الحالات الحرجة، يمكن أن يسبب المرض التهاب الدماغ، الذي يؤدي الى تهيج وتورم في الدماغ. وقد ربطت دراسة بحثية حديثة بين المرض وانخفاض في أنواع الطيور التي تحمل المرض ولا تنقله. ويعتقد ndash; وفقًا للباحثين ndash; أن التغييرات التي تحدث في استخدام الأراضي، من خلال تهيئة الأراضي الزراعية وفقدان موائل الطيور، تعمل على زيادة حالات الإصابة بالمرض.