باريس: بعدما عرضوا انقساماتهم في مؤتمر المناخ (كوب 27) الشهر الماضي، يلتقي ممثلون لدول العالم الأربعاء في مونتريال في مؤتمر الأطراف في اتفاقية التنوع البيولوجي (كوب15) وأمامهم تحدٍ جديد: حلّ خلافاتهم خلال أسبوعين للمصادقة على خريطة طريق تاريخية لإنقاذ الطبيعة بحلول عام 2030.

يفتتح المؤتمر أعماله في السابع من كانون الأول/ديسمبر في كندا مع تأخير عامين بسبب وباء كوفيد-19، بدون أن يكون هناك أي يقين لجهة التوصل إلى اتفاق ذي موثوقية في ختام الاجتماع في 19 من الشهر الحالي.

بعد مفاوضات شاقّة استمرّت ثلاثة أعوام، لا تزال النقاط الخلافية كثيرة بين أعضاء اتفاقية التنوّع البيولوجي (195 دولة إضافة إلى الاتحاد الأوروبي، بدون الولايات المتحدة رغم أنها مراقب مؤثّر).

ولا يزال ينبغي اتخاذ قرار بشأن الأموال التي تقدّمها دول الشمال إلى دول الجنوب مقابل تعهّدات بيئية ملزمة. البرازيل التي تضمّ الجزء الأكبر من غابة الأمازون ولم يتول رئيسها المنتخب لويس إيناسيو لولا دا سيلفا منصبه بعد، تبدو صارمة جدًا إلى جانب الأرجنتين، بالنسبة الى الحفاظ على صناعتها الغذائية.

"النجاح غير مضمون"

إلا أن أيًا من قادة العالم لم يعلن قدومه إلى مونتريال للتأثير على المفاوضات، بسبب عدم توجيه أي دعوة من جانب الصين التي ترأس مؤتمر كوب15 لكنّها تخلّت عن استضافة القمة في وقت كان أكثر من 110 من القادة يشاركون في مؤتمر كوب27 حول المناخ في منتجع شرم الشيخ في مصر.

تذكّر زوي كولن من منظمة "فاونا آند فلورا انترناشونال" غير الحكومية (Fauna&Flora International) بأن رغم أنه لا يمكن فصل المؤتمرين إلا أن "الحلول القائمة على الطبيعة يمكن أن توفر حوالى ثلث تدابير التخفيف من (حدة) المناخ وتؤدي دورًا رئيسيًا في التكيف مع احترار" كوكب الأرض.

ويرى مصدر أوروبي مطلّع على المفاوضات أن "النجاح غير مضمون".

يبقى الطموح إبرام اتفاق حول التنوّع البيولوجي يكون تاريخيًا بقدر ما هو اتفاق باريس للمناخ عام 2015. لكنّ عددًا كبيرًا من الخبراء يخشون فشلًا مماثلًا لذلك الذي حصل في قمة المناخ في كوبنهاغن عام 2009.

غير أنّ الوقت يدهم: 70% من النظم البيئية العالمية تدهورت بسبب النشاط البشري إلى حدّ بعيد، بحسب تقارير المنبر الحكومي الدولي للعلوم والسياسات المعني بالتنوع البيولوجي وخدمات النظم الإيكولوجية (IPBES)، المؤلف من خبراء أمميين في التنوّع البيولوجي. وأكثر من مليون نوع مهدد بالانقراض على الأرض التي تشهد بحسب بعض العلماء، "الانقراض الجماعي السادس" منذ ظهور الحياة.

وحذّرت السكرتيرة التنفيذية لاتفاق التنوّع البيولوجي إليزابيت ماروما مريما وهي تانزانية الجنسية، من أن أسس "الوجود البشري" على المحكّ لأن "النظم البيئية المتنوّعة والمتوازنة تضمن التنظيم المناخي وخصوبة التربة والأغذية ونقاء المياه والأدوية الحديثة وأساس اقتصاداتنا".

خريطة طريق

يستأنف مندوبو الأعضاء في اتفاقية التنوّع البيولوجي التي أُبرمت في قمة الأرض في ريو دي جانيرو عام 1992، المناقشات في مونتريال التي سيكون محرّكها الوجود القويّ للمنظمات غير الحكومية والخبراء وممثلي الاوساط الاقتصادية. ويُنتظر حضور أكثر من 12 ألف شخص.

ويُفترض أن تؤدي المفاوضات إلى وضع "إطار عالمي لمرحلة ما بعد 2020" أي خريطة طريق تتضمن عشرين هدفًا ينبغي تحقيقها بحلول العام 2030. ويعقب هذا الإطار خطة "أهداف آيتشي للتنوع البيولوجي" (اليابان) التي تمّ تبنيها عام 2010، لكنها بقيت حبرًا على ورق.

الهدف الأبرز هو حماية 30% من الأراضي والبحار ويؤيد ذلك أكثر من مئة بلد بينها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والاتحاد الأوروبي.

وتتضمن اللائحة أيضًا التشجير واستعادة البيئات الطبيعية وتخفيف استخدام المبيدات ومكافحة الأنواع الغازية والصيد والزراعة المستدامة.

لتحقيق ذلك، لا يزال التمويل مسألة شائكة. طلبت البرازيل المدعومة من 22 دولة بينها الأرجنتين وجنوب إفريقيا والكاميرون وإندونيسيا، أن تقدّم الدول الغنية "على الأقل مئة مليار دولار سنويًا حتى العام 2030" إلى الدول الناشئة. لكنّ الأوروبيين مترددون حيال إنشاء صندوق إضافي.

شراكة مع الشعوب الأصلية

وأعلن برنامج الأمم المتحدة للبيئة الخميس أن الاستثمارات العامة والخاصة في "الحلول القائمة على الطبيعة" (SFN) يجب أن تبلغ قيمتها 384 مليار دولار سنويًا بحلول العام 2025، أي أكثر من ضعف المبلغ الحالي وقدره 154 مليار دولار.

وذكّر وزير البيئة في كوستاريكا فرانس تاتنباك خلال كوب27 بأن إشراك الشعوب الأصلية وهم "غالبًا أكبر المحافظين على الطبيعة"، سيكون نقطة أساسية أخرى، مضيفًا "لا يمكننا حماية التنوّع البيولوجي بدون الشراكة مع الشعوب الأصلية".

وأخيرًا يشدد المصدر الأوروبي على أنه لعدم تكرار أخطاء الماضي، فإن "تطبيق" التعهّدات سيكون موضوعًا رئيسيًا مع مؤشرات واضحة، معتبرًا أن "غيابها جعل إطار آيتشي غير فعّال إلى هذه الدرجة".