سمعت ضحك عبر الهاتف في الوقت الذي كان يطرح فيه جون ماورو سؤالي على أحد طلابه: ما مقدار الضرب بالمطرقة التي يستغرقه كسر الزجاج الجديد الذي قمنا بتطويره؟

ويقول البروفيسور ماورو، من جامعة ولاية بنسلفانيا: "عليك أن تضرب بوزن جسدك الكامل"، واصفاً كيف يجب أولاً خدش الزجاج بعمق بقلم الماس أو كربيد التنجستن، ثم ضربه مرات عدة بمطرقة.

ويدعي البروفيسور ماورو أن الاختراع، المسمى "لايون غلاس" أو "زجاج الأسد"، أقوى بعشر مرات من الزجاج التقليدي.

تخيل أن تبقى زجاجة النبيذ سليمة، حتى بعد سقوطها على أرضية المطبخ المبلطة.

ومع ذلك، لا تتوفر سوى القليل من التفاصيل حول "لايون غلاس" نظراً لأن البحث لم يتم نشره حتى الآن في مجلة تمت مراجعتها من قِبل النظراء، وقد قدم الفريق مؤخراً طلب براءة اختراع.

أحد التفاصيل الرئيسية حول هذا النوع من الزجاج هو أن إنتاجه، على عكس الزجاج التقليدي، لا يحتاج إلى رماد الصودا أو الحجر الجيري. المكونات البديلة في الوقت الحالي هي سر دفين لا يتم مشاركته مع أحد.

ويصنع الناس الزجاج منذ آلاف السنين. ونظراً لخصائصه الشبيهة بالجواهر وحقيقة أنه يمكن تصنيعه في أشكال معقدة، فقد كان له دائماً مشكلة، وهي أنه يتحطم.

ويمكن الاستفادة من نوع أكثر متانة من الزجاج في أشياء كثيرة، أبرزها الزجاج الأمامي للسيارة.

وهناك الكثير من المنافسة حول من يمكنه صنع الزجاج الأقوى والأكثر استدامة بسعر معقول. إذ يمكن للأمر أن يغير العالم.

ويقول الأستاذ ماورو: "إذا أردنا حقاً أن يكون لنا تأثير على انبعاثات الكربون، فنحن بحاجة إلى معالجة سيليكات كلس الصودا".

يطلق رماد الصودا والحجر الجيري ثاني أكسيد الكربون عند تسخينهما مع رمل الكوارتز، وهي وصفة شائعة للزجاج، وتحتاج عملية التصنيع إلى درجات حرارة عالية، وتستخدم الكثير من الطاقة.

وللمفارقة، لا تستخدم شركة "لايون غلاس" هذه المواد الغنية بالكربون ودرجات حرارة إنتاج الزجاج الخاص بها أقل من 300 درجة مئوية إلى 400 درجة مئوية من تلك المستخدمة لصناعة الزجاج التقليدي.

إلا أنه نظراً لأن هذا النوع من الزجاج لديه تحمل حراري أقل من الأنواع الأخرى، فلا يمكن استخدامه لشاشات الهواتف الذكية أو الأجهزة اللوحية، والتي يزداد الطلب عليها.

إذ يجب أن يكون الزجاج المستخدم في هذه الصناعات قادراً على التعامل مع درجات الحرارة المرتفعة أثناء عملية الإنتاج.

ويقول البروفيسور ماورو: "إذا تمدد الزجاج أثناء هذه العملية، فيمكن في الواقع أن تختل جميع عناصر الصورة (على شاشة الهاتف)".

لكن يمكن أن يكون لـ"لايون غلاس" العديد من الاستخدامات الأخرى، مثل أدوات المائدة الزجاجية ونوافذ المباني، على سبيل المثال.

كما أنه من المتوقع أن تكون مرافق صناعة الزجاج الحالية قادرة على تصنيعه من دون تغيير معداتها، كما أنه لا يحتاج إلى مزيد من العمل بمجرد صنعه.

ويقول البروفيسور ماورو إن قوته هي "خاصية متأصلة في الهيكل الزجاجي".

ومن جهته، يقول روبرت ريتشي من جامعة كاليفورنيا، بيركلي إنه يمكن لـ "لايون غلاس" أن يكون لديه تأثير "في كل مكان ترى فيه الزجاج"، باستثناء الهواتف الذكية.

وكان الأستاذ ريتشي طور وزملاؤه زجاجاً غير شفاف أقوى من الفولاذ منذ ما يقرب من عقد من الزمان.

ويمكن لنوع جديد من الزجاج أن يساعد المهندسين المعماريين على إعادة التفكير في كيفية استخدامهم للمادة، كما تقول شيريل أتكينسون، من شركة "أتكينسون أركيتكت" في كندا. ويمكن أن يسمح "لايون غلاس"، كونه قوياً جداً، بصناعة ألواح نوافذ أرق بكثير، على سبيل المثال.

وتقول: "إن ذلك من المؤكد أن من شأنه التخفيف من وزن الوحدات الزجاجية المعزولة أو الزجاج الثلاثي"، مشيرة أيضاً إلى أن هذا من شأنه أن يقلل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بنقل الزجاج.

ومع ذلك، فإن إحدى المشكلات التقنية في النوافذ الحالية هي أن الأختام البلاستيكية حول حواف الوحدات الزجاجية المزدوجة أو الثلاثية، غالباً ما تصبح غير صالحة للاستخدام بعد بضعة عقود، ولا يتعلق الأمر بجودة الزجاج نفسه.

بالإضافة إلى ذلك، وإدراكاً لأهمية كفاءة استخدام الطاقة، يستخدم المهندسون المعماريون، بما في ذلك أتكينسون نفسها، كمية أقل من الزجاج في تصميماتهم، للتقليل من فقدان الحرارة من المباني في الشتاء ومنع التسخين المفرط للأماكن المغلقة جراء تعرضها للشمس في الأيام المشمسة.

وتصتع شركة "كورنينغ" التي كلن يعمل لديها البروفيسور ماورو سابقاً، زجاج مشهور باسم "غوريلا" وهو مستخدم في الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية وشاشات التلفزيون. كما تصنع الشركة منتجات أخرى مثل الزجاج لقوارير الأدوية فائقة الصلابة، بما في ذلك لقاحات كوفيد-19 والزجاج المعماري للمباني.

وقال جايمن أمين، كبير مسؤولي التكنولوجيا في "كورنينغ"، لبي بي سي، إن لدى الشركة مشروع يبحث عن صناعة نوافذ موفرة للطاقة "عالية الجودة بشكل كبير".

إحدى الطرق التي يمكن بها استخدام ذلك هي استخدام طبقة رقيقة جداً من الزجاج بين لوحين من النوافذ التقليدية لصنع وحدات زجاجية ثلاثية تكون أرق وأخف وزناً من النوافذ الحالية، بحسب قوله.

زجاج الهواتف الذكية

في يوليو/تموز، أبلغت شركة "كورنينغ" عن ضعف الطلب على الزجاج الخاص بالهواتف الذكية في تحديث أرباح ربع سنوي.

لكن أمين يقول إن الإلكترونيات الاستهلاكية تظل مجال نمو رئيسي للشركة.

ويستخدم صانعو الهواتف الذكية الزجاج لأجسام أجهزتهم، وكذلك شاشاتها، ويعود ذلك جزئياً إلى أن ذلك يساعد الهواتف على استقبال ونقل إشارات 5G عالية التردد، كما تقول "كورنينغ".

وفي ظل ذلك، تستمر الجهود لتحسين متانة هذه الأجهزة.

ويمكن لزجاج "فيكتوس 2 غوريلا"الذي أطلقته شركة "كورنينغ" العام الماضي، بدون ضرر بعد سقوطه على أرض من الخرسانة من على ارتفاع متر واحد.

ويقول أمين: "كانت هذه هي المرة الأولى التي حصلنا فيها على زجاج مصنع من محتوى معاد تدويره. نحن نسير أكثر وأكثر في هذا الاتجاه".

وتتمثل إحدى فوائد إعادة تدوير الزجاج أن عملية اعادة تدويره تحتاج درجات حرارة منخفضة اللازمة لصنع المنتج الجديد، ما يقلل من انبعاثات الكربون.

يؤكد ويليام كيروين، المحلل في شركة "مورنينغ ستار ريسيرتش سيرفيسيس"، على نجاح "كورنينغ" في مجال صناعة الزجاج، قائلاً إن لديها أكثر من نصف سوق الزجاج المستخدم في شاشات التلفزيون الكبيرة التي تزداد شعبية.

وأحد استخدامات الزجاج الآخذة في التوسع حالياً هي الألواح الشمسية. ويقول كيروين: "هذا هو الشيء الذي أعتقد أنه إذا سألتني عنه قبل خمس سنوات من الآن، لم أكن لذكره".

ويضيف أن مصنعي الألواح الشمسية يبحثون عن زجاج أقوى وأرق حتى يتمكنوا من تقليل وزن الألواح.