في ظل التطورات على المشهد السياسي اليمني، يطرح التساؤل عن دور تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية في اليمن، وإمكانية عودته إلى الظهور بشكل لافت ليلعب دوراً في الإضطرابات الحاصلة في البلاد.
الرئيس اليمني علي عبد الله صالح


قبل وصول رياح الثورات العربية إلى اليمن، كان مبعث القلق الرئيسي لدى الولايات المتحدة تجاه هذا البلد العربي الفقير هو تزايد التهديد القادم من تنظيم القاعدة. فقد كان يتميز فرع التنظيم هناك، والذي يعرف بتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، دوناً عن غيره من الأفرع الأخرى، بالقدرة على حشد الهجمات بعيداً عن تضاريس قاعدتهم الوعرة، وقد استهدف الأراضي الأميركية مرتين خلال السنوات الأخيرة.

وكان الرئيس علي عبد الله صالح يتفاخر دائماً بأن نجاحه فقط في إحكام قبضته على النظام سيبعد القاعدة عن تولي زمام الأمور في البلاد. وعلى الرغم من ذلك، التزم التنظيم بالهدوء النسبي قبل بضعة أيام قليلة، وتحديداً منذ أن بدأ المتظاهرون اليمنيون يطالبون برحيل صالح عن السلطة. لكن في الوقت الذي حاول فيه صالح أن يناور المكاسب التي حققها المنشقون من الجيش والمعارضة، توارى تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية فجأة عن الأنظار، ولم يعد يتصدر نشرات الأخبار.

ويوم الأربعاء الماضي صدر العدد الخامس من مجلة quot;انسبايرquot; التي تصدر باللغة الإنكليزية عن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وبدأت تنتشر على المواقع الجهادية على شبكة الإنترنت. ولفتت اليوم مجلة التايم الأميركية إلى أن هذا العدد يلقي الضوء على الانتفاضات العربية الأخيرة، وأن القاعدة ربما تعاملت مع الموضوع لأول مرة. وجاء موضوع الغلاف تحت عنوان quot;تسونامي التغييرquot; لرجل الدين اليمني المتشدد أنور العولقي الذي حرص في هذا المقال على تفنيد التصورات الدولية التي تتحدث عن أن الحركات الديمقراطية ستوجه ضربة للقاعدة. وقال إن اليمن قد يكون البلد الذي يتيح للمتطرفين تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب.

وهنا، تساءلت المجلة بقولها: هل هذا يعني أن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية على وشك أن يلعب دوراً أكبر في الاضطرابات التي تشهدها اليمن حالياً؟، ثم أجابت بقولها إن كثيراً من المنتقدين متشككين في تلك المسألة، موضحين أن انعدام القانون في البلاد هو أمر ناتج عن ضعف النظام وليس عن تكثيف المتشددين لأنشطتهم.

وتشير بعض التقارير إلى أن حكومة الرئيس صالح أمرت قوات النخبة بأن تخرج من محافظة أبين جنوبي البلاد (وبالتالي مصنع الذخائر) دون إبداء أية أسباب أمنية واضحة، وخلق فراغ قد يستغله سماسرة السلطة المحلية، بما في ذلك تنظيم القاعدة. ولفتت تلك التقارير إلى أن نظام صالح قد بدأ يفقد بشكل متزايد سيطرته على المحافظات. وبالفعل، بدأت عناصر من المعارضة السياسية تفرض سيطرتها على مبان حكومية في محافظات مأرب والجوف وأبين، مع تخلي العمال عن وظائفهم. وفي الوقت ذاته، لا يزال الرئيس يحكم قبضته بشكل أساسي على العاصمة وأبرز المراكز الحضرية، بينما خرجت مناطق أخرى عن نطاق سيطرته.

ويشعر كثير من اليمنيين أيضاً بأن عودة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية تلائم السرد الحكومي المتعلق بعدم الإستغناء عن صالح بشكل ضئيل للغاية. في الوقت الذي يقف فيه نظامه على حافة الانهيار منذ أسابيع عدة. وفي السياق نفسه، قالت التايم إن أنصار الرئيس، بمن فيهم المتواجدين في الولايات المتحدة، ينظرون إلى تجدد نشاط القاعدة في شبه الجزيرة العربية على أنه سبب لبقاء صالح في السلطة. لكن الكثير من اليمنيين يرون أن الحكومة تبالغ في التهديد الذي يُشكِّله التطرف.
ومع هذا، قد يغري الاضطراب الذي تشهده البلاد حالياً تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية كي تبذل المزيد من الجهد. وقال كريستوفر بوسيك، محلل الشأن اليمني في مؤسسة كارنيغي بواشنطن: quot;كلما طالت مدة الأزمة السياسية التي تشهدها اليمن، كلما بدا ضعف الحكومة اليمنية. وهو ما يعطي للقاعدة فرصة لمزاولة نشاطهاquot;. وهو الأمر الذي أكدت المجلة على أنه يثير قلق المسؤولين في الولايات المتحدة، حيث خرج مؤخراً وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس، ليدلي بتصريحات تلفزيونية يؤكد فيها على شعور بلاده بقلق عميق إزاء الترتيبات المحتملة للمشهد السياسي في اليمن في مرحلة ما بعد صالح. ورغم ما يقال، أوضح بوسيك أن عودة القاعدة في شبه الجزيرة العربية إلى ساحة الأحداث مرة أخرى لا تعني بالضرورة أن صالح يخطط للبقاء في السلطة، لكنها قد تمنح الرئيس القوة التي يحتاجها للمغادرة بشروطه. وهو ما جعل المجلة تقول إن هذا رهان كبير من جانب صالح. ومع أن القاعدة قد تكون تهديداً مناسباًً، إلا أن صالح لا يزال يُشكِّل التهديد الأكبر بالنسبة للجيش والمعارضة المدنية على الجبهة الداخلية.