أكد الخبير في شؤون المياه الإقليمية والناشط في ملف دول حوض النيل نادر نور الدين، في حوار مع إيلاف، أن منع مياه النيل عن مصر يعني إبادة جماعية لشعبها، الذي يبلغ تعداده نحو 85 مليون نسمة.


القاهرة: يؤكد الخبير في شؤون المياه الإقليمية والناشط في ملف دول حوض النيل د.نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية في كلية الزراعة في جامعة القاهرة، أن سد الألفية الإثيوبي أكبر من السد العالي في حجمه وسيحجز في بداية تشغيله 17 مليار متر مكعب، وستزيد إلى 37 مليار متر مكعب سنويًا، وأعلن أن أثيوبيا تقترح إنشاء 14 سدًا، منها 4 سدود ستقام على النيل الأزرق، ووصف الموقف المصري الرسمي من خطة سدود أثيوبيا بأنه يتسم بقلة الاهتمام واللامبالاة، ما شجعها على مواصلة خططها.

وشدد على أن بلاده ستدفع ثمن السدود التي ستنشئها أثيوبيا، وكشف عن أن الهدف الرئيس من خطة سدود أثيوبيا هي أن تكون دولة كبرى منتجة ومصدرة للكهرباء للقارة الأفريقية. وأكد نور الدين أن غياب النظام المصري السابق ثلاثين عامًا عن أفريقيا أدى إلى تغلغل إسرائيل في القارة، وخاصة دول حوض النيل، ودعا الحكومة الجديدة برئاسة د.عصام شرف إلى تعزيز إتفاقيات التعاون مع كينيا وتنزانيا وأوغندا وربط الاقتصاد المصري باقتصاديات هذه الدول، مبينًا أن قناة جونجلي في جنوب السودان ستوفر للسودان ومصر في بدء عملها 7 مليارات متر مكعب، وستصل إلى 17 مليار متر مكعب في ما بعد.

وأرجع سبب الفجوة الغذائية في مصر إلى عدم كفاية المياه لزراعة مساحة 3 ملايين فدان، وأشار نور الدين إلى أن حجم الاستثمارات المصرية في أثيوبيا يبلغ 12 مليون جنيه مصري، مستغربًا من أن أثيوبيا كلما زادت حجم الإستثمارات المصرية لديها تتمادى في التعنّت ضد مصر. وشدد على أن استعراض قوة مصر في حال إجراء مناورات بحرية وجوية مشتركة مع أريتريا والسودان ليس إعلانًا للحرب ضد أحد، كما كشف عن أن الرئيس السادات كان قد أعلنها من قبل أن يجرّ مصر إلى حرب أخرى بعد حرب 1973هي المياه، موضحًا أن خبراء الري في مصرنصحوا السادات بعدم توصيل مياه عذبة إلى داخل سيناء لتفويت الفرصة على إسرائيل في التزود بها مستقبلاً.

وأعلن د. نور الدين أن مصر ستحتاج رسميًا وواقعيًا في عام 2050 ضعف مواردها المائية الحالية، وهو مايقدر بـ 110 مليارات متر مكعب من المياه، كاشفًا عن أن إسرائيل تسرق المياه العربية من أنهار الليطاني والحاصباني والعاصي في لبنان، ونهر الأردن والمياه الجوفية في سيناء، مطالبًا بفتح تحقيق ومحاكمة كل مسؤول تسبب في إهدار المال العام في مشروع توشكى خلال السنوات السبع الماضية، لأن ما تم إنفاقه حتى الآن بلغ 12 مليار جنيه، وليس 9 مليارات كما يتردد.

وفجّر د.نادر نور الدين مفاجأة من العيار الثقيل، وهي أن وزير الريّ الجديد د.حسين العطفي سيسلم ملف مفاوضات دول حوض النيل إلى وزير الري السابق د.محمود أبوزيد، كما إتهم نور الدين أبو زيد بأن ما قام به سابقًا من جهد في هذا الملف كان ضد مصلحة مصر، ودعا وزير الري الحالي د.حسين العطفي الى تحمل مسؤولياته ووزارته تجاه ملف مفاوضات دول حوض النيل، وألا يلقي بمسؤولية هذا الملف المهم على الآخرين.

وقد تطرق الحوار الذي جرى في مكتبه في جامعة القاهرة إلى قضايا وإشكاليات عدة تطرح على الساحة في الوقت الراهن، وأبرزها قضية دول حوض النيل والأمن المائي المصري والآثار ونتائج الإتفاقية التي وقعتها 6 دول من حوض النيل حتى الآن إلى مصر والسودان، وإليكم نص الحوار:

** ما هي شهادتكم على مشهد الأمن المائي في مصر حاليًا؟

- يتصدر المشهد أن المشاكل تتنامى مع دول حوض النيل، لأن أثيوبيا تتخذ جانبًا متشددًا بعض الشيء، فضلاً عن أن خطة السدود التي تقترحها بإنشاء نحو 14سدًا منهم 4 سدود على النيل الأزرق، وقد تم وضع حجر أساس أول سد منهم في بداية شهر أبريل/نيسان، ويطلقون عليه quot;سد الألفية أو quot;السد الحدوديquot;، وهو كان الاسم المقترح في البداية لكونه يقع على الحدود السودانية - الأثيوبية، وكأنه منوط به تقليل مياه النيل الواصلة إلى السودان.

وبالتالي إلى مصر بعد ذلك، والتقديرات الأولية لهذا النهر تشير إلى أنه سيبدأ في حجز نحو 17 مليار متر مكعب من المياه ستزيد في ما بعد مع الإرتفاعات المتوقعة لاستكماله، والتي ستستغرق فترة زمنية تقدر مابين 7-10سنوات، لأنه من المتوقع أن يكون أكبر سدٍّ في أفريقيا، بمعنى أنه سيكون أكبر من السد العالي في مصر، وقد يصل ارتفاعه إلى نحو 900 متر مربع، وبالتالي فإن حجم المياه التي سيوفرها من الممكن زيادتها إلى 37 مليار متر مكعب، وذلك وفق التوقعات، لكن المشكلة أنه يوجد سد أثيوبي آخر خلف هذا السد على مخرج بحيرة تانا في بداية النيل الأزرق، ويطلقون عليه quot;بلييزquot;peles.

كما يوجد سدان في المنتصف ما بين بحيرة quot;تاناquot; وسد الألفية على النيل الأزرق، إضافة إلى أن السدّ الذي تم الانتهاء من إنشائه في شهر ديسمبر/كانون الأولالماضي، وهو سد quot;تاجيزيquot;، وأحد روافد نهر عطبرة، ويرسم الحدود ما بين أريتريا وأثيوبيا، ثم يتجه بعد ذلك إلى السودان، ثم يصبّ في شمال مدينة الخرطوم بحوالى 320 كيلومترا، وهو ما يعني أن التقاء النيل الأزرق مع النيل الأبيض الآتي من دول منابع الاستوائية عند مدينة الخرطوم، لذلك أطلق عليها quot;العاصمة المثلثة quot;نتيجة تلاقي النيلين في هذا المكان، أحدهما من الشرق، والآخر من الجنوب، ثم سد عطبرة يأتي من أثيوبيا، ويصبّ فيأعلى مدينة الخرطوم، وقد أنشئ على أحد روافده سد quot;تاجيزيquot;، وهو يحجز خلفه نحو 9 مليارات متر مكعب من المياه.

لذلك يمكننا القول إن حصة مصر والسودان نقصت بالفعل بمقدار 9 مليارات متر مكعب، حيث كانت تأتي إلينا عن طريق نهر عطبرة، وهذه الخطوة الأولى لأثيوبيا، والحقيقة أنهم كانوا متخوفين جداً من الرد الفعل المصري، وأن مصر ستحتجّ أو تأخذ موقفًا متشددًا، لذلك وجهوا نداءات كثيرة إلى مصر بالسماح لهم ببناء سد quot;الألفيةquot; لتوليد الكهرباء وغيره.

ولكن الحقيقة كان الموقف المصري يشوبه قلة الاهتمام واللامبالاة، فلم نتخذ أي إجراء أو نعرب عن استيائنا إزاء ذلك، ما شجع أثيوبيا إلى طرح السدود الأربعة المقترحة على النيل الأزرق، التي ستبدأ بسد الألفية، ولابد أن يكون لنا قرار في هذا الشأن، لأنه بالتأكيد سيؤثرفي الموارد المائية السودانية -المصرية، وقد تكون السودان أقل تأثيرًا من مصر لأن المياه تصل إلى السودان أولاً ثم إلى مصر، والسدود الأربعة التي تقيمها السودان، سواء سد الروصيرص أو غيره، ستقوم هذه السدود بحجز حصة السودان أولاً من مياه النيل، وهي 18.5 مليار متر مكعب.

وبالتالي فإن الدولة، التي ستتأثر بشكل كبير، هي مصر، فضلاً عن أن السودان لديها في الجنوب منطقة أمطار غزيرة، لذلك فإن بعض خبراء المياه يعتبرون أن السودان ليست دولة مصبّ، بل دولة مصب ومنبع ومرور للمياه، لأن حجم الأمتار في جنوبها يصل إلى 500 مليمتر، بالمقارنة بمصر التي يصل إلى 15 مليمترا، وأيضًا في شرق السودان، حيث حدودها مع أثيوبيا منطقة غزارة في الأمطار في حدود 500 مليمتر، إذن السودان لديها موارد أخرى من الأمطار يصل حجمها الإجمالي مع حصتها في مياه النيل إلى 66 مليار متر مكعب، وهي بذلك غنية مائيًا، ولكن الذي سيتأثر هي مصر، حيث ستدفع ثمن هذه السدود التي ستنشئ في أثيوبيا.

quot;إهمال النظام السابق لأفريقيا واتجاهه نحو الشمال

**ما هي الأسباب التي أدت إلى تفاقم أزمة مصر مع دول حوض النيل؟

- من أهم الأسباب أن النظام كله بالكامل خلال الثلاثين عامًا الماضية أهمل أفريقيا، وحدث ما حدث، حيث قرر النظام السابق أن يتجه شمالاً وغربًا، وأن يهمل الجنوب، فنجد أن مصر وقعت إتفافية الكويز مع أميركا للتعاون مع إسرائيل للتصدير إلى الخارج، ثم اتفاقية الأورومتوسطية في بداية الألفية الجديدة من عام2000-2004 للتعاون مع دول البحر المتوسط وأوروبا.

في هذه الأثناء كتبت عام 2004 مقالاً بعنوان quot;الشراكة مع دول حوض النيلquot;، وكان تفكير النظام السابق هو أن العالم اقتصاد وفلوس فقط، وهذا ما أدى إلى قيام ثورة 25 يناير، لأن هناك شيئًا اسمه quot;استقرار مجتمعيquot; وأيضًا quot;البعد الاجتماعيquot;، وأهمل النظام السابق البعد الأفريقي والتعاون مع أفريقيا.

وكان نتيجته أن إسرائيل ملأت الفراغ المصري في أفريقيا وتخطتها إلى جانب 15 دولة أخرى من مختلف أنحاء العالم، ولا نعيب على الدول الأفريقية أنها فتحت أبوابها لإسرائيل وأميركا والصين وهولندا وسويسرا وفرنسا وكوريا الجنوبية وغيرها، وأن نتيجة الغياب المصري عن قارة أفريقيا سمحت بتغلغل صيني وكوري وإسرائيلي، حتى بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وحتى دول القطب الشمالي، مثل السويد والنروج لها استثمارات في أفريقيا.

وأنشأت النروج معهد حوض النيل لتدريب مهندسي وفنيي هذه الدول على المياه. أما نحن في مصر، وهي إحدى دول حوض النيل وتعيش على خيراته أهملنا هذا الملف على مدار ثلاثين عامًا، خاصة السنوات العشرالأخيرة، وفي فترة من الفترات، قامت مصر بحفر نحو 180 بئر مياه جوفية في تنزانيا وأوغندا مجانًا كمنحة من مصر لاستخدامها كمياه للشرب لعدم مقدرة الدولتين على إنشاء محطات تنقية للمياه.

تعزيز إتفاقيات التعاون والاقتصاد مع كينيا وتنزانيا وأوغندا

**ما هي البدائل المقترحة للخروج من نفق هذه الأزمة المرتقبة لمصر في المياه؟

- أولاً أن أثيوبيا لا تستطيع بناء أي سدود على نهر النيل، لأنها لابد من حصولها على موافقة الدول الخمس الأخرى الموقعة على الاتفاقية، وهي دول منابع إستوائية، وكل ما يصلنا من دول منابع النيل الست يقدر بنحو 12 مليار متر مكعب من المياه، لكن الكارثة هو أن ما يصلنا من أثيوبيا 72 مليار متر مكعب من المياه، وهي غالبية حصتنا والسودان البالغة 84.5 مليار متر مكعب، إذن موافقة دول منابع النيل الخمس لأثيوبيا لا بد منها، وهذا هو دور مصر لتعويض ما فاتنا، والذي يحدث من جانب الحكومة الجديدة على الساحة حاليًا، هو تحرك متأخر، لذلك مطلوب تعزيز إتفاقيات التعاون مع كينيا وتنزانيا وأوغندا، لأنه عندما يأتي تصويت أثيوبيا على بناء سدودها كل المطلوب من هذه الدول رفض التصويت، وهذا يأتي عن طريق تعزيز التعاون مع هذه الدول الخمس.

توفر من 7-17 مليار متر مكعب ولكن

** قبل ربع قرن تقريبًا كان يوجد مشروع قناة جونجلي في جنوب السودان، لكن المشروع توقف بسبب الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب في السودان. هل يمكن استئناف العمل بها بعد انفصال الجنوب السوداني وإعلانه دولة وليدة وكبديل عملي لمصر تحسبًا للمستقبل؟

- هذه القناة كانت ستوفر للسودان ومصر في بداية عملها 7 مليارات متر مكعب من المياه كمرحلة أولى، وتصل إلى 17مليار كمرحلة ثانية وثالثة سنويًا، ومشكلة قناة جونجلي أن منطقة جنوب السودان عندما يدخل نيل ألبرت إلى الجنوب فهي منطقة معدومة الانحدار، فيقوم بفرش مياه النيل على مساحات شاسعة، وتكون مساحة كبيرة من المستنقعات التي تسبب أضرارًا كبيرة جدًا لجنوب السودان، تتمثل في إصابة قاطني هذه المنطقة بأمراض الملاريا الخبيثة والناموس وديدان المياه العذبة، ولا يوجد طفل صغير أو رجل أو إمرأة إلا وتوجد هذه الديدان داخل قدمه، وتسبب لونًا أزرق وتستقر بها، والمشكلة في الجنوب.

ولأن المفاوض المصري لا يرافقه في فريق العمل خبراء في الزراعة، فلا يستطيع إقناع أهل الجنوب الذين قاموا بردم quot;قناة جونجليquot; أثناء الحرب الأهلية مع الشمال، وكسروا كل معدات الحفر، بعدما تم حفر نسبة 80% منها، وتقطن هذه المنطقة قبائل تتمثل ثروتها في الثروة الحيوانية ورؤوس المواشي التي تتغذى على الحشائش الطبيعية حول المستنقعات الناتجة من أن نهر النيل يفرش في هذه المنطقة ما حجمه 30 مليار متر مكعب من المياه، وهنا مكمن المشكلة، حيث يتصور أهالي المنطقة أن مصر لو أقامت قناة جونجلي واستقطبت هذه المياه، فلن تستطيع مواشيهم التغذي على السافانا والأعشاب الطبيعية لأنها ستتوقف.

هذا نتيجة عدم وجود خبراء في الزراعة، يوضح لهم أن كمية المياه الواصلة لهذه المنطقة نحو 30 مليار متر مكعب، وسيتم استقطاب نحو 7 مليارات متر مكعب فقط، لكي نمنع عنكم الإصابة بأمراض الملاريا، وديدان المياه، وستظل نحو 23 مليار متر مكعب كما هي، وأكثر من ذلك إنه يمكن إنشاء ترعة للريّ فيها، وبهدف إنشاء مزارع مستديمة مثل البرسيم المسقاوي أو الحجازي كغذاء دائم للماشية، كما لم يستطع خبراء الري إقناع أهل الجنوب أن إنشاء قناة جونجلي لن تؤثر على الري ولا الثروة الحيوانية، ونضمن لهم حدوث تنامي بالمعدل نفسه في ثروتهم الحيوانية، ولم يحدث هذا الإقناع.

وقناة جونجلي أملنا في جنوب السودان، بشرط أن يكون ضمن فريق العمل خبراء زراعة لإقناع أهل الجنوب بأنها لن تؤثر على مراعيهم، وأنه يتم إقامة شبكة من الترع، وأيضًا محطات تنقية لمياه الشرب، لكون متوسط العمر في جنوب السودان حاليًا 42 عامًا بسبب تناولهم مياهًا ملوثة من المستنقعات، وذلك لرفع مستوى العمر، ونقنعهم أيضًا بالمراعي على الريّ في المراحل اللاحقة، إضافة إلى إستقطاب الجنوب السوداني.

استعراض قوة مصر ليس إعلانًا للحرب

** في حوار أجريته مع المرشح الرئاسي محمد علي بلال أكد أن حل مشكلة المياه مع أثيوبيا يكمن في الحلول الإستراتيجية. ما تعليقكم؟

-أتفق مع اللواء بلال في ما قاله، وهو أن المفاوضات ومباحثات السلام دون قوة تدعمها وتقويها لن تؤتي بأي نتيجة بمعنى أن الرئيس الراحل السادات منذ 35 عاماً، وبعد توقيع إتفاقية كامب دايفيد في عام 1977 طلبوا منه أن يعلن أن حرب أكتوبر1973 هي آخر الحروب، فأعلنها بذكاء، وكان أثناءها يتولى الحكم في أثيوبيا نظام منجستو، حيث أعلن العداء ضد مصر، فأرسل إليه السادات رسالة مفادها أن حرب 73 هي آخر الحروب، ولكن الذي يمكن أن يجر مصر إلى حرب في الفترة المقبلة ستكون حربًا من أجل المياه، فوصلت الرسالة إلى أثيوبيا، ولم تفكر في بناء أي سد طوال فترة حكم السادات.

بعدها أكد د.بطرس بطرس غالي - وزير الدولة للشؤون الخارجية آنذاك - أن المياه هي الحرب المقبلة في الشرق الأوسط، ووصلت الرسالة أيضًا إلى أثيوبيا، حتى إن بعض المسؤولين في نظام منجستو قالوا لو تريدون إرسال بدل المياه دمًا سنرسل إليكم، ولذلك مع المباحثات لا بد من حلول إستراتيجية، بمعنى ماذا يمنع مصر من القيام بعمل مناورات بحرية مشتركة مع أريتريا، ونحن دولة سلام، ولا نسعى إلى حرب مع أي طرف، واستعراض قوتنا ليس إعلانًا للحرب.

ولكن لكي نقول إننا دولة قوية، ولماذا لا تكون لنا مناورات مشتركة لقواتنا الجوية مع السودان؟ خاصة في المنطقة الشرقية، لابد من أن تكون لنا مناورات مشتركة، مثل الولايات المتحدة الأميركية، التي تجري مناورات مشتركة مع مصر ودول الخليج وإسرائيل وغيرها، للإعلان عن قوتها، وإذا كانت المرحلة الماضية خلال النظام السابق هانت على مصر فهانت على الآخرين، ففي المرحلة المقبلة لابد أن نعلن أن مصر دولة قوية، وأن من لم يؤت بالسلم سيؤتي بغيره ولكن من الضروري أن تكون لمصر مناورات عسكرية مع السودان وأريتريا تحسبًا لمجهول، وليس من أجل العدوان ضد أحد، وهناك إقليم أوجادين، وهو أرض صومالية ومحتلة من أثيوبيا، ويمكن دعم شعب أوجادين والمقاومة فيها وغيره.

ذكاء السادات وتفويت الفرصة على إسرائيل

**بعد توقيع معاهدة كامب دايفيد طلب رئيس وزراء إسرائيل -آنذاك- مناحم بيغين أثناء زيارته الرئيس الراحل السادات في مدينة الإسماعيلية تزويد إسرائيل بالمياه المهدرة من فواقد مياه النيل، وعاد السادات إلى خبراء الري فقوبل طلب بيغين بالرفض. والسؤال هل الضغوط الإسرائيلية التي تقوم بها على دول حوض النيل لتقليل حصة مصر من مياه النيل لترضخ مصر، وتقوم بعمل وصلة من ترعة السلام في سيناء إليها. ما تعليقكم؟

-أهنئك على هذا السؤال.. هناك بعض خبراء وزارة الريّ في مصر يميلون إلى هذا التفكير، ويؤمنون بأن إمداد إسرائيل بمياه النيل يمكن أن يحلّ كل مشاكلنا مع دول حوض النيل، وهذا فكر، ولكن في قراءة سريعة للمياه في إسرائيل، نجد أن العجز لديها لا يزيد عن واحد مليار متر مكعب فقط، وعدد سكان إسرائيل بما فيهم عرب48 الحاصلون على الجنسية الإسرائيلية، كلهم 6 ملايين نسمة، واحتياج الفرد فيهم ألف متر مكعب سنويًا.

إذن احتياجات إسرائيل من المياه 6 مليارات متر مكعب سنويًا، ومواردها المائية الداخلية حاليًا من الأنهار والأمطار 5 مليارات متر مكعب، وبالتالي تحتاج ما بين من نصف إلى واحد مليار متر مكعب فقط، وعندما أنشئت ترعة السلام في سيناء، وكان الرئيس السادات قد أطلق عليها تيمنًا بالأراضي المقدسة في مكة المكرمة quot;ترعة زمزمquot;، ولأن كل سيناء أراضي مقدسة، وكلم الله سيدنا موسى عليه السلام فيها، كما عبر بها غيره من الأنبياء، فعندما أشار الخبراء إلى الرئيس السادات أنه لو أن مياه الشرب النقية وصلت إلى داخل سيناء، فإن إسرائيل تستطيع أن تقدم إعلانًا عالميًا بأنه طبقًا لمبدأ الحق في المياه، وأنهم دولة فقيرة في المياه، وأن مصر لديها وفرة من المياه على حدودنا، وبالتالي فمن حقهم الحصول على وصلة من ترعة السلام في سيناء حتى إسرائيل.

لذلك الرئيس السادات بذكائه المعهود، قرر توصيل المياه إلى ترعة السلام بمياه مخلوطة، تجمع ما بين مياه الصرف الزراعي مع مياه النيل بنسبة 1:1 حتى تكون مياه ترعة السلام غير قابلة للشرب، وبذلك قطعوا الخط على إسرائيل في توصيل المياه إليها، وعرضت إسرائيل -آنذاك- أن تقوم من جانبها بالحصول على موافقات كل دول حوض النيل لتوصيل مياه النيل إليها، وكان يعوق هذا الأمر أن اتفاقية دول حوض النيل تحظر خروج المياه خارج نطاق حوض النيل، وليس الدول، لذلك فإن هناك العديد من خبراء وزارة الري المصرية يؤيدون هذا الرأي أن إسرائيل تضغط بالفعل على دول حوض النيل لكي تعرقل وصول المياه إلى مصر لكي ترضخ الأخيرة في توصيل مياه النيل إليها.

سرقة إسرائيل المياه العربية وشراؤها من تركيا

** كشف بعض خبراء المياه العرب أن إسرائيل تسرق مياه أنهار الليطاني والحصباني والعاصي منذ سنوات طويلة، كما تسرق المياه الجوفية من سيناء. ما تعليقكم؟

- ثبت بالفعل أن إسرائيل تسحب المياه الجوفية في سيناء إلى صحراء النقب لأن عجزهم مليار متر مكعب، وكانوا قد إتفقوا مع تركيا لأنه كما تعلم أن نهري دجلة والفرات ينبعان من الشمال التركي، وهذا يوضح مدى اختلاف نهر النيل عندجلة والفرات، حيث إن نهر النيل الوحيد المصنف على أنه نهر دولي، أي له اتفاقية مودعة لدى البنك الدولي، وأن كل الدول المتشاطئة حقوق في هذا النهر. أما نهرا دجلة والفرات فقد تعبت كل من العراق وسوريا حتى يتم الاعتراف به على أنه نهر دولي وتركيا ترفض، وتقول هذا نهر محلي ينبع من تركيا، ونحن نسمح بمرور المياه إلى العراق وسوريا، لذلك يربط ما بين الدول الثلاث تركيا والعراق وسوريا بروتوكول، وليس إتفاقية دولية.

وهذا الفرق بين النهر الدولي وغير الدولي، لأن هناك بعض الخبراء يخطئون بإعتقادهم بأن النهر الدولي يسير في أكثر من دولة لا هذا يسير نهر عالمي. أما النهر الدولي فإن هناك حقوقًا مودعة لدى الدول المتشاطئة. وفي حالة نهري دجلة والفرات لا يتفق على أنه نهر دولي، وتركيا تصرّ على أنه نهر محلي، فكان في المنابع شلالات تصبّ من نهر الفرات على وجه الخصوص في البحر المتوسط بحوالي 2 مليار متر مكعب.

وقد عرضت إسرائيل على تركيا شراء نصف مليار متر مكعب سنويًا لأنها الأقرب إليها عبر خط مواسير، لكن كانت المشكلة هي أن هذا الخط إما أن يمر عبر سوريا أو لبنان حتى يصل إلى إسرائيل، وقد وافقت تركيا على بيع نصف مليار متر مكعب من المياه، ولكن سوريا ولبنان رفضتا مرور خطوط المواسير من داخلهما، ولذلك سيتم نقل المياه بالسفن، وهذا ما أدى إلى تعطيل مشروع شلالات جنوب تركيا التي تصبّ في البحر المتوسط، وليس خصمًا من حصة كلٍّ من العراق وسوريا، لأن الشلال الذي سيصبّ في البحر المتوسط سيحولوه إلى إسرائيل.

وبالتالي، مبدأ الضرر لا يوجد مثلما تقوم مصر بإعادة مياه الصرف الزراعي للريّ فيها مرة أخرى بدلاً من أن تتجه إلى البحر المتوسط، ولكن نتيجة العجز المائي لدى إسرائيل نصف مليار متر مكعب تقوم بسرقة كل أنهار الجنوب اللبناني، مثل النهر الكبير والحاصباني والعاصي والليطاني، وفي صحراء النقب بدأوا يسحبوا المياه الجوفية لأنها مثل النهر لا توجد حدود تحت الأرض، فثبت أنهم يسرقون كميات كبيرة من المياه الجوفية الموجودة في سيناء، لكن إلى الآن لا توجد اتفاقيات دولية تحكم صراعات المياه تحت الأرض، فضلاً عن أن إسرائيل تعتبر أن أراضي جنوب لبنان هي جزء من أراض تحتلها، وفي رأيي يمكن لو الأطراف اللبنانية اتفقت فعن طريق التحكيم الدولي يحصلون على كل مياههم، وكذلك الأمر في نهر الأردن، حيث تقوم إسرائيل بسرقة مياهه.

مصر تحتاج 110 مليارات متر مكعب مياه عام 2050

**يتوقع بعض المراقبين حدوث أزمة في المياه بمصر بدءا من عام 2017. فما هي رؤيتكم لإمكانية حدوث ذلك؟ وما التدابير الواجب اتخاذها من جانب الحكومة الجديدة؟

- بالتأكيد ستكون هناك أزمة في المياه، ولو قلنا إن حصتنا اليوم تبلغ 55.5 مليار متر مكعب، وتعدادنا 80 مليون نسمة، والمفروض أن نسبة الفرد لكي نتجاوز حد الندرة المائية تكون 1000 متر مكعب سنوياً، وحاليًا حصة الفرد من المياه في مصر 780 متر مكعب من المياه سنويًا، وفي عام 2017 ستكون حصة الفرد 640 متر مكعب سنويًا، وفي عام 2050 ستكون حصة الفرد من المياه 500 متر مكعب سنويًا، وستقل حصة الفرد لو أن عدد السكان زاد عن120 مليون نسمة بعد أربعين عامًا من الآن، إذن في عام 2050 ستحتاج مصر رسميًا وواقعيًا ضعف الموارد المائية المتاحة حاليًا، أي 110 مليارات متر مكعب، لذلك لابد من التعاون مع دول حوض النيل لاستخدام الفواقد المائية في أوغندا وأثيوبيا والكونغو وجنوب السودان، وقد يوفر ذلك نحو 30 مليار متر مكعب من المياه.

التحكيم الدولي في مصلحة مصر

** ماذا عن التحكيم الدولي في حال لم نصل إلى حلّ مع دول حوض النيل؟ وماذا أيضًا عن تحلية مياه البحر؟

- أميل إلى التصديق أن القانون الدولي يكون في مصلحة مصر، لأن حصة مصر التاريخية تحترم، ويعترف بما يسمى بالحقوق التاريخية، وعلى مدار المائة عام الماضية كان ما يصل إلى مصر من مياه لا يقل عن 55.5 مليار متر مكعب، إذن يمكن القانون الدولي أن يعترف بأحقية مصر والسودان في حصتهما البالغة نحو 84 مليار متر مكعب سنويًا. أما بالنسبة إلى موضوع تحلية مياه البحر وتحويلها إلى مياه عذبة المبدأ العالمي في الموارد المائية يقول إن إعذاب وتحلية مياه البحر للحفاظ على حياة البشر، وليس لإحداث تنمية مستدامة، بمعنى أن تكاليف تحلية المتر المكعب من المياه يبلغ ثلاثة جنيهات، ومتوسط استهلاك الفدان على سبيل المثال 6000 متر مكعب سنويا.

يعني ذلك تكلفة 18 ألف جنيه سنويًا، إضافة إلى قيمة توصيلاته، وهل يستطيع الفلاح أن يدفع هذا المبلغ؟ إذن تحلية المياه لن تكون للزراعة، وإنما يكون مثلاً عائد المتر المكعب من المياه في المشروعات السياحية يبلغ خمسين جنيها مثل منتجعات جنوب سيناء، من الممكن إجراء تحلية للمياه من أجل الفنادق والقرى السياحية، لأن تحلية المتر المكعب من المياه سيتكلف ثلاثة جنيهات، وعائده خمسون جنيهًا، وأيضًا المشروعات الصناعية وعائد المتر المكعب من المياه فيها يبلغ 15جنيهًا وأيضًا مربح، ولكن التحلية، ليس لإحداث تنمية أو سد فجوة غذائية، لأنه سيكون مكلفا جدًا في إنتاج الغذاء.

**كان لزيارة وزير خارجية إسرائيل أفيغدور ليبرمان دولاً عدةمن منابع النيل الإستوائية في شهر سبتمبر/أيلول عام 2009 آثار ونتائج مهمة، حيث وافقت إسرائيل على تمويل إنشاء 5 سدود لتخزين المياه، منها 4 سدود في تنزانيا، وسد واحد في رواندا. فما تصوركم لهذا الدور؟

- دول منابع النيل الاستوائية أعلنت أنها في حاجة إلى مساعدات فنية تقنية تكنولوجية ومالية من أي دول في لعالم، فغابت مصر، وذهبت إسرائيل لأنها تريد تحسين علاقتها مع هذه الدول تحسبًا للمجهول، بمعنى أنه إذا ازدادت العلاقات سوءًا مع مصر تحتاج ورقة ضغط على مصر، فتكون من خلال دول حوض النيل، ونحن قد غبنا، ولم ننتبه، وكان يجب على مدرسة الري المصرية العريقة أن تكون أول من يبادر، ويقدم المساعدة الفنية إلى هذه الدول.

وقلت من قبل كان من الواجب على وزارة الريّ المصرية الإشراف على بناء السدود الإثيوبية حتى تكون تحت نظرنا، ويكون تصرفها تحت أعيننا، وتركوها لإسرائيل والصين، فأثرت فينا، فمثلاً دولة مثل الصين، لا تعترف بأي خلافات، وإسرائيل أكثر من ذلك، تقيم ملاعب رياضية في تنزانيا، وملاعب ترتان، وأندية لإكتشاف المواهب الرياضية الكروية، وبيعها وتسويقها في أوروبا، وتعطي إسرائيل هذه الدول تقنيات لطرق الري الحديثة في معالجة الأراضي المغمورة بالمياه، ونحن مغيبون، ولا تستطيع أن تلوم أيًا من هذه الدول أنها سمحت لإسرائيل بالوجود لأننا لم نتحرك.

الغاز الطبيعي وحماس وشاليط

**أكد خبير المياه د.ضياء الدين القوصي أنه يمكن استخدام ورقة تصدير الغاز الطبيعي لإسرائيل كورقة ضاغطة عليها حتى لا تموّل مشروعات بناء سدود في دول منابع النيل الإستوائية. ما منظوركم لإمكانية استخدام هذه الورقة؟

- بالتأكيد الغاز الطبيعي أحد الأوراق المهمة، وليس الغاز فقط، ولكن هناك أمورًا عدةدائمًا أمام مصر، ولا تستخدمها مثل أوراق حماس، والجندي شاليط المختطف في غزة، وإقليم أوجادين، وهو أرض صومالية محتلة، وأيضًا النزاع الأثيوبي -الأريتري، والنزاع الاثيوبي -الكيني، ولم نستغل أيًا من هذه الأوراق لمصلحتنا. إذن لدينا أوراق ضغط كثيرة.

أميركا وإسرائيل ودول حوض النيل

**ماذا عن دور الصندوق الفني للتعاون مع أفريقيا في وزارة الخارجية المصرية في مواجهة هذه الأزمة؟

عيب الصندوق الفني للتعاون مع أفريقيا أن ميزانيته ضعيفة، حيث تبلغ 50 مليون دولار سنويًا، وبالتالي يرسل مساعدات فنية إلى كل دول قارة أفريقيا، وليس لدول حوض النيل فقط، ونصيب كل دولة أفريقية مليون دولار سنويًا، وأيضًا أحد وسائل الضغط على دول حوض النيل لحسن علاقتها مع إسرائيل، كما نعلم أن أميركا تسيطر على المنظمات العالمية للأمم المتحدة، مثل برنامج الغذاء العالمي أو منظمة الصحة العالمية، فإذا احتاجت إحدى دول حوض النيل معونات أو مساعدات من هذه المنظمات، تطلب أميركا من هذه الدول تحسين علاقتها مع إسرائيل، وبالفعل يتم تقديم مساعدات كبيرة لدول حوض النيل، كما تطلب دول حوض النيل خبراء ومساعدات فنية من أميركا، ونصف الخبراء الأميركيين إسرائيليون، ونحن نعلم لأنه هناك تعاون مخابراتي تقني تكنولوجي عال جدًا ما بين أميركا وإسرائيل، ولم نستطع أن ندخل معهم للسير معهم على التوازي، فيعرفون كل خبايا هذه الدول.

شروط البنك الدولي وأثيوبيا

**كشف بعض الخبراء أن تأكيد البنك الدولي امتناعه عن تمويل أي مشروعات في دول منابع النيل السبع دون موافقة دولتي المصبّ مصر والسودان موقف يدعو إلى التفاؤل. كيف ترون ذلك؟

- يوجد في البنك الدولي عشرون دولة مودعة لديه نحو 20 مليار دولار للنهوض بمستوى دول حوض النيل العشر، ويشترط الاستفادة من هذه المبالغ في الدول العشر أن تقيم مشروعات تنموية، وأن يكون أي مشروع تنموي يخص دولتين من دول حوض النيل على الأقل، فضلاً عن ألا تتسبب هذه المشروعات في ضرر دولة ثالثة في دول حوض النيل، فكون أن المشروعات المقترحة هي بناء سدود وتوليد الكهرباء على حساب مصر والسودان، فعندما تتقدم أثيوبيا أو غيرها تعرض مصر والسودان، وإذا تحقق الأمن المائي لمصر، وليس مبدأ التوزيع العادل لمياه نهر النيل في هذه اللحظة ستكون هناك تنمية شاملة من خلال هذا المبلغ المودع لمصلحة دول حوض النيل العشر، ولكن كل مشروعات أثيوبيا هناك متضرر، وهما مصر والسودان، وإنما دول منابع النيل الإستوائية نصل إلى توافق معهم.

مبارك أوقف ترعتي السلام والحمام واتجه إلى توشكى

ما هو تقويمكم لمشروع توشكى من ناحية العائد الاقتصادي، خاصة أن الرئيس السابق أعلن من قبل أن من يهاجم توشكى فهو يهاجم مصر؟

- فعلاً الرئيس المخلوع قال ذلك عندما هاجم الوزير السابق الكفراوي في الصحف، وأقنع المحيطون بمبارك أن هذا المشروع سيرتبط باسمه، بمعنى أنه عندما نتحدث عن عهد الرئيس الراحل عبد الناصر سنتحدث عن السد العالي، وبالنسبة إلى الرئيس الراحل السادات سنتحدث عن اتفاقية السلام وترعة شمال سيناء، وعندما نتحدث عن عهد مبارك لا يوجد أي شيء أو إنجاز نتحدث عنه، لذلك كان أهل الثقة يقنعونه بأن مشروع توشكي سيرتبط باسمه.

وهذه المنطقة quot;توشكىquot; في جنوب مصر تنتمي إلى الطقس الحار لدول الخليج العربي، أكثر ما تنتمي إلى جو مصر، وفي الوقت الذي تم تدشين مشروع تنمية شمال سيناء على مساحة تقدر بـ 620 ألف فدان، ثم تم افتتاح مشروع ترعة الحمام في الساحل الشمال الغربي، وتمتد من غرب النوبارية وحتى مدينة مرسى مطروح ثم إلى السلوم، ووصلت فعلاً إلى مدينة الضبعة، وكان زمامها حوالي مليون فدان.

ومحافظ مرسى مطروح السابق الفريق محمد الشحات قال لنا في أحد اللقاءات به إنه يوجد مليون ونصف مليون فدان وشاهدناها على الطبيعة، لو وصلت إلى مدينة السلوم، والجو في الشمال ممطر بارد ومناخ البحر الأبيض المتوسط لا يستهلك مياه كثيرة لأنه يوجد 5 أشهر فقط في الساحل الشمالي.

وبالتالي الحرارة في الصيف أقل من الجنوب، والمنطق يقول إنني أنتهي من هذين المشروعين، ولا أسحب مخصصاتهما، وأضعها في مشروع توشكى، وتوقف العمل في ترعة السلام في سيناء، ولم يتم الإنتهاء منها بعد، كما وصلت ترعة الحمام إلى مدينة الضبعة قبل مدينة العلمين مباشرة، وتوقف العمل فيها، على الرغم من أنه لو تم إستكمال هذه الترعة لحصلت مصر على تعويضات زراعة الألغام في مدينة العلمين وبالقانون الدولي، لأنها تعطل التنمية هذه الألغام، وتبلغ المساحة الإجمالية للمشروعين لترعتي السلام في سيناء والحمام في الساحل الشمالي نحو مليوني فدان وفي مقابل 640 ألف فدان في توشكى، ومعظم أراضيها صعبة في الإستصلاح وإستهلاكها من المياه مرتفع، والفدان في توشكى يستهلك عشرة آلاف متر مكعب من المياه، وهو ضعف إستهلاك الفدان في الأراضي الأخرى في مناطق مصر.

وهذا بسبب إرتفاع الحرارة في توشكى، التي تصل في الصيف إلى 55 درجة مئوية، ولذلك رأى خبراء توشكى أن تتم زراعتها في الشتاء فقط بمحاصيل صيفية، إضافة إلى ذلك، هناك مشروع زمام المحافظات والظهير الصحراوي لمحافظات الصعيد، تضم مساحة مليون فدان، كما يوجد مشروع شرق العوينات على مساحة تبلغ 250 ألف فدان وتغذى بالمياه الجوفية، بينما تم إقامة محطة رفع مياه عملاقة كلفت الدولة مابين 2-3 مليارات جنيه، وتم تركيب المواتير قبل أن ينتهي مشروع توشكى، وقبل الانتهاء من الترعة.

بالتالي انتهت فترة ضمان ماكينات الضخ قبل أن يبدأ المشروع، وتعطلت الطلمبات قبل تجريبها، ولا يوجد لها حاليًا ضمان، وصدأت منذ خمس سنوات لعدم الاستخدام، ويجب محاكمة كل مسؤول تسبب في إهدار للمال العام في مشروع توشكى، وكان المشرف على مشروع توشكى منذ إنشائه وحتى تعيينه وزيرًا للري خلال السنوات السبعالماضية هو د.حسين العطفي، وحتى ملف حوض النيل في وزارة الري كان يتولاه الخبير د.عبدالفتاح مطاوع.

وفور تولي الوزير الجديد أحاله إلى التقاعد على الرغم من أن د.عبدالفتاح مطاوع ود.حسين العطفي تقاعدا في سن المعاش من عامين والوزير السابق د.محمد نصرالدين علام كان قد عينهما مستشارين له بعد المعاش، ونظرا إلى الحساسية أراد العطفي التخلص من د.مطاوع على أن خبرته كبيرة في مجال حوض النيل، وللآسف أسند الوزير هذا الملف إلى رئيس قطاع الصرف الزراعي في وزارة الري، وهو ليس له خبرة أو عمل أبدا في هذا الملف. هل هذا يصحّ؟ وأوجه للوزير تساؤلاً، وهو ما هي خبايا مشروع توشكى خلال السنوات السبعالماضية؟.

وقد قلت لنا في كلية الزراعة إن ما تم إنفاقه على مشروع توشكى تجاوز مبلغ 9 مليارات جنيه، ولكن الحقيقة ماتم إنفاقه على توشكى هو 12 مليار جنيه مصري، والمفاجأة أنه سيسلم ملف مفاوضات دول حوض النيل إلى وزير الري السابق د.محمود أبوزيد، وهو بذلك يلقي بمسؤولية مفاوضات ملف حوض النيل على د.أبو زيد، الذي إستنزف جهوده فيه، فماذا يفعل وزير الري؟، بل يجب أن تشرف وزارة الري نفسها، ولا تلقي أو تهرب من المسؤولية بإسناد هذا الملف المهم والحيوي إلى وزير سابق، لأن ما بذله من جهد في هذا الملف كان ضد مصلحة مصر.

مخاوف المعارضة الإثيوبية من الحرب مع مصر

** أخيرًا.. ما تصوركم المستقبلي لمصر وأمنها المائي وأزمتها مع دول حوض النيل؟

-الدبلوماسية الجدية ناجحة، وأرى أنه بعد ثورة 25 يناير، بدأنا نعي دور الجنوب وأهميته بالنسبة إلى مصر، ولكن يعيبنا أن وفود الدبلوماسية الشعبية التي تزور بعض دول حوض النيل يقسون على بلدهم مصر، وأقول لهم لا تقسوا على مصر أمام هذه الدول، بالعكس أنقلوا وجهة النظر المصرية، ولا تتأسفوا على أننا قصرنا في فترة ما، لأنهم قصروا معنا أيضًا، وسمحوا بدخول إسرائيل ودول أجنبية أخرى، ولم يتعاونوا، وحتى الإستثمارات المصرية التي تم ضخّها في أثيوبيا لم تؤت ثمارها.

وأريد القول إن هذه الدول طلبوا في الإتفاقية أن تكون إقامة السدود من دون الحصول على موافقة مصر، كما طلبوا عدم الاعتراف بحق الأمن المائي لمصر، كما رفضوا أن يكون التصويت بين دول حوض النيل بالغالبية بشرط وجود أحد دولتي المصبّ مصر أو السودان.

إذن هذه الوفود تقسو على مصر أمام هذه الدول، وهذا ما يضعف موقف المفاوض المصري، ويقوي من موقف المفاوض الأثيوبي، فضلاً عن أن المعارضة الإثيوبية هذه الأيام تشنّ حملة ضد ميليس زيناوي رئيس وزراء أثيوبيا بتهمة جرّ أثيوبيا إلى الحرب مع مصر لإنشائه سدودًا عدوانية تضرّ بمصر، ولن تسكت على ذلك، وهذا يوضح موقف المعارضة الإثيوبية المؤيد للموقف المصري، وللأسف الوفود الشعبية المصرية تؤيد الموقف الإثيوبي ضد مصر، وأقول لهم من فضلكم تبنوا مواقف بلدكم، وانقلوا طلبات مصر بأمانة وحقوقنا إليهم، كما تنقلون طلباتهم إلينا، ولا تقسوا على مصر.