اتخذت المحكمة الجنائية الدولية خطوات باتجاه حل الأزمة الليبية تقضي بإلقاء القبض على الزعيم معمّر القذافي ومحاسبته على جرائمه بحق مواطنيه، في وقت لا يزال الإضطراب يسيطر على المشهد الليبي، وتقل احتمالات حله عسكريًّا.

أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، لويس مورينو اوكامبو أنه سيسعى لإلقاء القبض على القذافي ونجله سيف الإسلام وعبد الله السنوسي

القاهرة: مع تواصل الصراع في ليبيا، بعد أن بدا الحل العسكري السريع أقل احتمالاً على نحو متزايد، اتخذت المحكمة الجنائية الدولية خطوات من شأنها أن تساهم في إلقاء القبض على الزعيم الليبي، معمر القذافي، ومحاسبته على ما اقترفه من جرائم بحق مواطنيه.

فقد أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، لويس مورينو اوكامبو، يوم أمس، أنه سيسعى لإلقاء القبض على القذافي ونجله سيف الإسلام وعبد الله السنوسي، رئيس جهاز المخابرات الليبية، بسبب الهجمات المنهجية واسعة النطاق التي تم شنها على المدنيين. ورأت في هذا السياق اليوم مجلة فورين بوليسي الأميركية أن التساؤل الذي يفرض نفسه الآن : هل سيعيق خطر الملاحقة القضائية للمحكمة الجنائية الدولية الزعيم الليبي عن التفاوض بشأن رحيله عن السلطة في نهاية المطاف ؟

وأكد بعضهم أن الالتزام التام بالقانون يزيل جزرة ذات قيمة محتملة ndash; هي الصفح - من مجموعة أدوات المفاوض. وفي الوقت نفسه، بدأ يعرض القادة الليبيون الخيار الخاص بإمكانية وقف إطلاق النار. وهو ما جعل المجلة تتساءل : لما يتواجد خطر إطالة عهد الإرهاب في ليبيا من أجل مثالية أخلاقية ؟ - ثم قالت إنه تساؤل نزيه، وإن كان مألوفاً، في وقت نقوم فيه بعمل اختيارات تكتيكية مماثلة كل يوم في مدننا وبلداتنا.

وفي ما يتعلق بانتقال الصراع إلى الساحة الدولية، قالت المجلة إن الخبرة المتراكمة خلال العقدين الماضيين تبين أنه وعلى الرغم من أن احتمالية العدالة قد تدفع ببعض المستبدين المترنحين إلى التشبث بالسلطة على المدى القصير ndash; وكثيرًا ما يستشهد على تلك الحالة برئيس زيمبابوي روبرت موغابي ndash; فإن محاكمة قادة كبار متواجدين في السلطة عن جرائم حرب اقترفوها غالبًا ما تُسرِّع من وضع نهاية للصراع.

ففي العام 1995، ظل التطهير العرقي مستعرًا لمدة ثلاث سنوات في البوسنة، وهو ما أسفر عن وفاة عشرات الآلاف، وحدوث جرائم اغتصاب على نطاق واسع، ونزوح أعداد كبيرة من المدنيين. وعندما أدانت المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا سابقًا اثنين من الجناة الرئيسيين ndash; وهما زعيم صرب البوسنة رادوفان كارادزيتش وقائده العسكري الجنرال راتكو ملاديتش ndash; عشية محادثات دايتون للسلام، صرخ البعض صرخات كريهة. لكن تهديد الملاحقة القضائية لم يمنع المفاوضين من التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب. وبالفعل، عن طريق إبعاد المتهمين عن حضور محادثات دايتون، ربما ساعدت الاتهامات المسؤولين الأميركيين في إيجاد أرضية مشتركة بين البوشناق والكروات والصرب، تبعاً لما ذكرته المجلة.

وبعد محادثات دايتون، بقي الرئيس اليوغوسلافي سلوبودان ميلوسيفيتش في السلطة، وواصل استخدامه للعنف من أجل تحقيق غايات سياسية. وفي عام 1998، وبينما اشتد الصراع في كوسوفو مع تزايد التقارير التي تحدثت عن الفظائع التي ارتكبها الجيش اليوغوسلافي والقوات شبه العسكرية الصربية بحق المدنيين الألبان، أطلق الناتو سلسلة من الغارات الجوية ضد يوغوسلافيا لإجبار ميلوسيفيتش على وقف العمليات العسكرية. وجاءت لائحة الاتهام من جانب المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا سابقاً بحق ميلوسيفيتش في أيار/ مايو عام 1999، مع تواصل حملة الناتو العسكرية في كوسوفو، لتثير القلق من أنه وعن طريق تجمد المواقف من جميع الأطراف، فإن ذلك سيحول دون التوصل إلى اتفاق. لكن بعد مرور أسبوعين، انتهت الحرب عندما قبل ميلوسيفيتش بشروط خطة سلام توسطت فيها الولايات المتحدة، رغم لائحة الاتهام. وخرج من السلطة بعد انتخابات أجريت أواخر عام 2000 وتم تسليمه إلى عهدة الأمم المتحدة في حزيران / يونيو عام 2001.

وفي إفريقيا، كذلك، قالت فورين بوليسي إن مشاعر القلق بدأت تتزايد بشأن أثر العملية القضائية في مفاوضات السلام المحتملة أو الجارية. فقد سبق للمسؤولين الغانيين أن أصيبوا بنوبة من الغضب في حزيران/ يونيو عام 2003، عندما أعلنت المحكمة الخاصة لسيراليون عن لائحة اتهام ضد الرئيس الليبيري تشارلز تايلور أثناء حضوره محادثات في أكرا تهدف إلى إنهاء الحرب الأهلية في ليبريا. ورغم رفض غانا إلقاء القبض على تايلور، إلا أن لائحة الاتهام جعلت من المستحيل سياسياً بالنسبة له أن يستمر كرئيس. وبعدها بشهرين، فر إلى نيجيريا بموجب منحه حق اللجوء من جانب الرئيس النيجيري في مقابل تعهده بألا يتدخل بعد ذلك في الشأن السياسي الليبيري. وفي 2006، اضطر تايلور إلى الفرار من مخبئه في نيجيريا. وتحول فيما بعد إلى المحاكمة في لاهاي. وتعتبر ليبيريا اليوم بلد ينعم بالسلام.

ثم تحدثت المجلة عن أن المحكمة الجنائية الدولية سبق لها أن أصدرت أول أوامر اعتقال خاصة بها في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2005 بحق كبار قادة جيش الرب للمقاومة في أوغندا. وفي منتصف العام 2008، أعرب مسؤولون أميركيون ومسؤولون آخرون عن قلقهم من أن يهدد طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بتوجيه الاتهام إلى الرئيس السوداني عمر حسن البشير بتهمة ارتكاب جرائم حرب في دارفور باشتعال الحرب في جنوب السودان. ثم مضت المجلة تقول ndash; استناداً إلى تلك النماذج ndash; إن العدالة غالباً ما تكون جديرة بالمتابعة، ليس فقط من أجل تحقيقها، وإنما لأنها تساعد كذلك على حل النزاعات عن طريق زيادة الضغوط الدولية.

ورغم اعتراف المجلة بأن المحكمة الجنائية الدولية لا تكون غالباً الأداة الأنسب للحكم على الحقائق وفرض العقوبات، إلا أنها قالت إنه طالما كانت المحاكم المحلية غير قادرة أو غير راغبة في محاسبة رؤساء الدول وغيرهم على ما اقترفوه من جرائم خطيرة، فإن العدالة الدولية ( سواء كانت من خلال المحكمة الجنائية الدولية أو محاكم مختلطة تدعمها الأمم المتحدة ) ستظل عناصر أساسية في إطار المساءلة العالمية الناشئة.