تحظى العدالة الانتقالية في تونس باهتمام الجميع، خصوصًا مع تصادم المصطلحات والمفاهيم من قبيل جبر الضرر، والتشفي، والمصارحة، والمساءلة والمصالحة، وغيرها. وتقول سهام بن سدرين رئيس مركز تونس للعدالة الانتقالية لـ(إيلاف) إن تونس لن تصل إلى حدّ التشفي وتصفية الحسابات، لأن المطلوب هو عملية إصلاح وسنّ قوانين جديدة توضح بدقة المطلوب.

سهام بن سدرين رئيس مركز تونس للعدالة الانتقالية خلال أحد المؤتمرات

تونس: من أجل القطع مع الماضي، بما فيه من آلام وظلم واستبداد وقهر، كان من الطبيعي أن يأخذ موضوع العدالة الانتقالية الأولوية في منابر الحوار التونسية.

فما المقصود بالعدالة الانتقالية؟، وكيف يرى التونسيون هذا المفهوم، ومدى قدرته على بناء الديمقراطية، حتى تكون تونس لكل التونسيين، يبنون فيها مستقبلهم منن دون تشفّ أو نكاية أو إقصاء أوتهميش؟.

ندوات عديدة نظمت أخيرًا، تمحورت حول موضوع العدالة الانتقالية في تونس، وذلك بمشاركة خبراء وحقوقيين، وإن اختلفت الآراء، فإنّ القاسم المشترك في كل المنابر هو ضرورة المرور بثلاث محطات قبل بلوغ العدالة الانتقالية، وهي المحاسبة، ثم المصارحة، فالمصالحة.

بحسب المركز الدولي للعدالة الانتقالية، تُشير العدالة الانتقالية إلى مجموعة التدابير القضائية وغير القضائية، التي قامت بتطبيقها دول مختلفة من أجل معالجة ما ورثته من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.

تتضمّن هذه التدابير الملاحقات القضائية ولجان الحقيقة وبرامج جبر الضرر وأشكال متنوّعة من إصلاح المؤسسات.

وليست العدالة الانتقالية نوعًا quot;خاصًّاquot; من العدالة، إنّما مقاربة لتحقيق العدالة في فترات الانتقال من النزاع و/أو قمع الدولة. ومن خلال محاولة تحقيق المحاسبة والتعويض عن الضحايا، تقدّم العدالة الانتقالية اعترافاً بحقوق الضحايا، وتشجّع الثقة المدنية، وتقوّي سيادة القانون والديمقراطية.

الأستاذ وحيد الفرشيشي أستاذ قانون في كليّة العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية وخبير في العدالة الانتقالية يؤكد في حديث لـquot;إيلافquot; أنه لا يمكن الحديث عن وجود استراتيجية أو برنامج حتى الآن في تونس للعدالة الانتقالية، وفي إطار بعض العناصر التي وجدت، والتي قد تصبّ في خانة العدالة الإنتقالية، نستطيع القول إن التتبعات بدأت في تونس، ولكنها تتبعات منقوصة، تستغرق وقتًا طويلاً، ومسألة التعويضاتلا تزال مطروحة، كما إن وجود مطالب عديدة واحتجاجات من قبل هؤلاء المواطنين، الذين يطالبون بها، ومشكل التعويض وجبر الضرر يبقى مطروحًا.

الأستاذ توفيق بودربالة رئيس اللجنة الوطنية لاستقصاء الحقائق حول التجاوزات والانتهاكات، وفي حديث لإحدى المحطات التلفزيونية، تحدث عن اللجنتين اللتين تم إحداثهما من أجل تقصي الحقائق قائلاً: quot;هاتان اللجنتان اللتان تم إحداثهما تم تكليفهما بمسألتين محددتين، وهما المسألة الاقتصادية، ومسألة حقوق الإنسان، كما إن هاتين اللجنتين لا تسريان على كامل فترة الجمهورية الأولى، ولجنة تقصي الحقائق حول الرشوة والفساد هي الأهم على مستوى الزمن، نظرًا إلى أنهابدأت عملها منذ 7 نوفمبر 1987، بينما لجنة تقصي الحقائق حول تجاوزات حقوق الإنسان بدأت عملها منذ 17 ديسمبر 2010، والقضية هي أنه يجب أن نمسح كامل الفترة التي مرت بها البلادquot;.

ويضيف بودربالة: quot;كل أطياف المجتمع التونسي يجب أن تشارك في استشارة وطنية رسمية، تدعو إليها السلطة السياسية، حتى نقف على الآليات الحقيقية، التي يجب تطبيقها لبلوغ العدالة الانتقالية التي ينشدها الجميعquot;.

العدالة الإنتقالية تنتهي بالمصالحة، التي تكون حسب الفرشيشي: quot;المصالحة يجب أن لا تكون فقط مع الذين أجرموا في حق الشعب التونسي، بل هي مصالحة وطنيةquot;.

من جهته أكد عبد الباسط بن حسن، رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان، وفي مداخلته في المؤتمر الدولي للعدالة في الفترات الانتقالية، على أنّ التحول السياسي نحو الديمقراطية في البلاد التونسية يكون منقوصًا إذا ما لم تمثّل العدالة جزءًا أساسيًا من مكوناتهquot;.

وأضاف في السياقنفسهquot;إننا نمر بفترة لطالما حلمنا بها، ولكن ذلك لا يجعلنا نغفل عن قتامة الماضي، ولا يمكن أن نغضّ الطرف عن آلام الشعبquot;.

الطيب البكوش الرئيس الشرفي للمعهد العربي لحقوق الإنسان، وفي مداخلة في المؤتمر الدولي للعدالة الانتقالية، أكّد على أنّ الإرادة السياسية متوافرة من أجل تحقيق العدالة وكشف الحقيقة،مشددًا على ضرورة: quot;مساعدة الشعب على استعادة حقوقه المدنية وتمتعه بالسلم، حتى يكون مستعدًا لطيّ صفحة الماضي، ومواجهة المستقبل، وهي تتطلب تحقيق العدالة وكشف الحقائق، والحقيقة أننا يمكن أن نستلهم من تجارب بلدان أخرى، غير أنه لا يمكن نقل النماذج نقلاً حرفيًاquot;.

وأضاف البكوش موضحًا: quot;أن البلاد التونسية تحتاج عدالة انتقالية، ولعل السؤال المطروح الآن، هو تحديد آجال لهذه العدالة الانتقالية، ووضع آلياتها، فالإرادة السياسية في تونس متوافرة، وما نحتاجه الآن هو إيجاد النموذج الصحيح، وتحديد الإطار الزمني لإرساء آليات العدالةquot;.

الحقوقية سهام بن سدرين أكدت في حديث لـquot;إيلافquot; أنّ منظومة العدالة الانتقاليةلا تزال غير مطبّقة حتى الآن، وبعد سنة من الثورة، بسبب وجود منظمات معنية بهذا الشأن، كانت مرتبطة أشد الارتباط بالنظام السابق، وبما كان يمارسه من استبداد وقهرquot;.

وأضافت بن سدرين أنّ منظومة العدالة الانتقالية تشمل كذلك المؤسسة الأمنية، التي تم استغلالها من طرف النظام السابق، وبالتالي يجب محاسبة بعض رموزها.

وأكدت أنّ عملية الإصلاح لا يمكن أن تصل إلى حدّ التشفي وتصفية حسابات، لأن المطلوب هو عملية إصلاح هذه المنظومة من الداخل، من خلال سنّ قوانين جديدة توضح بدقة المطلوب.

وقالت سهام بن سدرين: quot;بعد الثورة، يطالب التونسيون بالعدالة الانتقالية، المتمثلة في المساءلة، ثم المحاسبة، فالمصالحة، وقد تم تنظيم العديد من المبادرات والملتقيات والندوات في الفترة الأخيرة حول المصالحة، وكيفية تحقيق العدالة الاقتصادية، وكيف يمكن لرجال الأعمال الذين تورّطوا واستفادوا من الفساد الذي كان قائمًا في تونس أن يقوموا بعملية طلب العفو من المجموعة الوطنية، ويتم التعويض من الأموال التي جمعت بالطرق غير الشرعية، لتعود إلى الخزينة العامة، وبالتالي تكون المصارحة فالمصالحةquot;، على حدّ تعبيرها.

وتضيف الحقوقية بن سدرين رئيسة مركز تونس للعدالة الانتقالية، مبينة أن عددًا من رجال الأعمال المتورّطين عبّروا عبر جريدة quot;الخبيرquot; عن رغبتهم في إعادة جزءكبير من الأموال التي حصلوا عليها بشكل غير شرعي، ثم تكون المصالحة، من أجل العودة من جديد إلى العمل، لما فيه خير تونس ومصلحتهاquot;.

وتتابع بن سدرين: quot;مااتفقنا عليه في مركز تونس للعدالة الانتقالية يتمثل في ثلاث محطات، هي المساءلة، ثم المحاسبة، وأخيرًا المصالحة، وسنعمل على أربعة محاور كبيرة، وهي العدالة القضائية، حيث سنلتجئ إلى القضاء الوطني والدولي لبعض رموز الفساد والمجرمين في حق الشعب التونسي، وفيها جانب اقتصادي وجانب حقوقي وآخر سياسي، أي إنها تشمل الجميع.

أما المحور الثاني فهو التعويض وإعادة الاعتبار، التعويض للضحايا وجبر الضرر الذي لحقهم، وذلك بالاعتراف أمام المجموعة الوطنية بأن هؤلاء قد عاشوا مظالم. أما المحور الثالث فهو مسار الحقيقة، ويكون عبر طرح الحقيقة علنًا وعلى العمومquot;.