أدت الهزات الأمنية المتعاقبة على العراق إلى ارتفاع نسبة الأرامل من جهة، والعوانس من جهة أخرى، ما خلق ظاهرة من دون حلّ، إلا بالقبول بالزواج من رجال متزوجين، والتحول من أرملة أو عانس إلى ضرّة، حتى أصبح تعدد الزوجات سمة المجتمع العراقي حالياً.


إما عانس وإما أرملة وإلا فنصيبي أن أكون ضرّة!

بغداد: وجدت لمياء حسين (40 عامًا) في الاقتران برجل متزوج بامرأتين فرصة للتحرر من دائرة العنوسة، بعدما ظلت لسنين تنتظر شريك العمر، وإن كان تعدد الزوجات في العراق ليس أمرًا مستحدثًا، لكنه يشيع اليوم متزامنًا مع تحسن المستوى الاقتصادي وتحسن الدخل الفردي.

ورغم أنغالبية حالات اقتران الرجل بأكثر من زوجة لا يتم إلا بموافقة المرأة، إلا أن الباحثة في شؤون الأسرة بتول حسن ترى أن النساء quot;تضطر أحياناً، بحكم نظرة المجتمع وعاداته وتقاليده، إلى الزواج برجل متزوج بأكثر من إمرأة، وهو في كل الأحوال إهدار للكرامةquot;.

وتوضح أن quot;أكثر حالات تعدد الزوجات تحدث في الوسط الأمّي والقرى والأرياف، بينما تقلّ كثيرًا في المدينة.

وتفيد تجربتها الميدانية، أنه كلما quot;ازداد وعي المرأة، مثلما الرجل، انخفضت فرص تعدد الزوجاتquot;.

للزواج ثانيةً... ضريبة أخرى

بحسب الباحثة حسن، فإن أخطر حالات تعدد الزواج هي تلك التي تحدث من دون أن يكون للزوجة السابقة علم بالأمر، حيث يبقى الاقتران بزوجة جديدة من قبل الرجل سرًا لفترة طويلة من الزمن، ومن دون علم الزوجة الأولى.

عانت أم حسن (50 سنة) من الزواج السري لزوجها بفتاة تكبره خمسة عشر عامًا، حتى اكتشفت الأمر بعد مضي أربع سنوات على الزواج.

وتكشف أم حسن أنها طلبت منه الطلاق، لكن تدخل الأهل حال دون ذلك، حيث اضطرت إلى القبول بالأمر الواقع quot;لأجل الأطفال وخوفًا من ضياعهمquot;.

وتزوجت أم حيدر (30 سنة) بزوجها السابق (55 عامًا) المتزوج بامرأتين، وتروي أن زوجها برّر زواجه بها، بعدم إنجاب زوجتيه السابقتين ذكورًا، كما إنها كانت مستعدة وقتها للزواج به، بسبب مشاكل عائلية مع أهلها،إذ إنهاتقيم عندهم.

وتلفت إلى ضريبة زواج كهذا، إذ لم تستطع الصمود أمام quot;عدم قدرة الرجل على الوفاء بوعوده، وأهمها شرط العيش في سكن مستقلquot;، إضافة إلى تقسيمالأيام بين الزوجات على التوالي.

في هذا الإطار، تروي أمينة حسن quot;قصة زواجها المؤلمة للمرة الثانيةquot; عندما كانت مطلقة، بعدما اكتشفت أن زوجها الثاني أخفى زواجه الأول، لكن الأيام كشفت لها عن عدم صدقه.

وتؤكد أن الحقيقة مُرّة، quot;لاسيما حين تكتشف في وقت متأخر، وها أنا ذا أمام الأمر الواقع، ولا يمكن فعل شي، لاسيما وأنني أنجبت طفلين منهquot;.

بين الرفض والقبول

لكنمعظم من يؤيّد تعدد الزوجات في العراق يستند في موقفه إلى الشريعة الإسلامية، التي تبيح تعدد الزوجات.

ويرى الأستاذ في العلوم الإسلامية تقي حسن من جامعة كربلاء (108 كم جنوب غرب بغداد) أن تعدد الزوجات لم يحلل إلا لحكمة وموقف، وهو مفضل في الحالات التي يضطر فيها الإنسان إلى الزواج بامرأة أخرى.

ويشرح: quot;لا يمكن لرجل أن يتخذ تعددية في الزوجات من دون سبب، فهذا ليس من الدينquot;.

ويضرب حسن مثلاً في الحالات التي لا تكون فيها المرأة قادرة على الإنجاب، أو عدم قدرتها على إعطائه حقوقه، أو ازدياد أعداد العوانس والأرامل في المجتمع.

وتشير الإحصاءات إلى أن المجتمع العراقي يعاني نسبة عالية في العنوسة وتأخر سن الزواج بين أعمار 18 إلى 45 سنة، إذ تزيد نسبة الفتيات العوانس على 30%.

لكن أم أحمد تعترض علىهذه المواقف، باعتبار quot;أن الشريعة سمحت بتعدد الزوجات وفق قواعد وشروط، لا يلتزم بها أولئك الذين يتحدثون عن التعدديةquot;.

وينصّ قانون الأحوال الشخصية العراقي لعام 1959، بوجوب حصول الرجل على موافقة قاض ليتمكن من الزواج مرة ثانية.

ورغم أن الناشطة في مجال حقوق المرأة سعيدة حسن، لا تبدي اعتراضًا على مشروعية تعدد الزواج في القانون والشرع، إلا أنها ترى أنه من الضروري الأخذ بالمعايير الأخلاقية في نظر الاعتبار، مؤكدة أنه quot;لا يمكن النظر إلى المرأة كسلعة تباع وتشترىquot;.

من جانبها ترى المهندسة سعاد السعد أن تعدد الزوجات هو انعكاس للنظرة المتدنية للمرأة، وضعفها أمام التعسف الذكوري.

بدورها ترى المدرسة هيفاء قاسم، التي تقف بالضد من تعدد الزوجات، أن العام 2003 شهد أجواء محافِظة، راجت فيها أفكار جماعات متشددة، ساهمت في رواج تعدد الزوجات في quot;تفسير خاطئ للشريعة الإسلاميةquot;.

يذكر أنه منذ القدم تسود ظاهرة تعدد الزواج بين بدو العراق وأهل ريفه، حيث تدفع الأسباب الاقتصادية الرجل إلى الزواج بأكثر من امرأة.

في هذا الإطار، يؤكد شيخ عشيرة، يدعى أبو رحيم الجبوري، أن فكرة quot;الزوجة الثانيةquot; تلقي قبولاً في المجتمع، لا سيما البدوي والريفي.

تعزو المدرسة لمياء حسن زواجها برجل إلى حالتها الخاصة، فهي وحيدة، وقد تقدم بها العمر (35 سنة)، فلم يكن أمامها غير الزواج بأبي حسن (48 سنة) الذي يتمتع بإمكانات مادية جيدة، وهو وجه اجتماعي معروف.

لأسباب أخرى تزوجت رحيمة محسن (29 سنة) بزميلها المعلم (38 سنة)، والمتزوج منذ أن كان عمره ثمانية عشر عامًا بابنة عمّه الأمّية.

وتوضح رحيمة: quot;كانت الأسباب التي قدمها إليّ مقنعة لأتزوجه، لاسيما وأنه رجل مثقف ومتعلم، ويتطلع إلى الزواج بامرأة متعلمة ومتحضرةquot;.

التعدد ليس ظاهرة استثنائية

لكن تعدد الزوجات في الريف العراقي ليس ظاهرة استثنائية منذ زمن بعيد، ويعزو الشيخ خالد البياتي من الديوانية ذلك إلى quot;الحاجة إلى الأبناء والزوجات في أعمال الزراعة، مما يزيد من فرص الزواج بأكثر من امرأةquot;.

ويشدد على أن quot;ابن الريف المتزوج بأكثر من امرأة يمتاز بعدله بين زوجاته وقدرته على توفير الحياة الكريمة لهن، عكس ما يحدث في المدينة، حيث لا يمكن للرجل الجمع بين زوجات عدةفي بيت واحد إلا في حالات نادرةquot;.

ويشير البياتي إلى أبي سالم المتزوج بأربع نساء في بيت واحد، حيث quot;يعيشون كأسرة سعيدة متكاتفة ومتعاونةquot;.

الأمر الذي يؤكده رجل الدين أحمد الكعبي، إذ يرى quot;أن تعدد الزوجات ممكن، شرط أن يتخلله العدل والقدرة المادية على توفير الحياة الكريمة للزوجاتquot;.

ويشرح: quot;شرَّع الله سبحانه وتعالى تعدد الزوجات، وجاء ذلك صريحًا في القرآن الكريم، كما إنه ضرورة اجتماعية في حالات معينةquot;.

إحصاءات

بحسب الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط العراقية، فإن نسبة غير المتزوجين من الذكور والإناث لكل الفئات العمرية تشكل 50.3% و41.5% على التوالي.

على أرض الواقع فإن ظاهرة الزواج بالأرامل في العراق تنمو اليوم بعد تحسن الظروف الاقتصادية، لكنها تصطدم في بعض الحالات بالعقبات الاجتماعية.

وبحسب إحصائيات وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي في العراق، فإن عدد الأرامل في البلاد يبلغ نحو مليون أرملة.

وظاهرة زواج الأرامل توضحها سهيلة أمين، التي فقدت زوجها في تفجير إرهابي عام 2005، فتزوجت بشقيق زوجها المتزوج.

وتقول: أقنعني أهلي بضرورة الزواج quot;لأنني أرملة، مؤكدين أن الرجل سيكون بمثابة خيمة تضللني في مجتمع تبدو فيه المرأة، لا سيما الأرملة، ضعيفةومحط أنظار الرجالquot;.