يحذر محللون تحدّثوا إلى إيلاف من أنّ الاعتداء الانتحاري الذي هزّ تمنراست الجزائرية السبت، يعدّ مؤشراً على عودة تنظيم القاعدة إلى الواجهة بعدما كان إلى وقت قريب غارقاً في تراجعات، لكن آلاف قطع السلاح الليبية المتسربة عبر الحدود واشتعال فتيل الأزمة المالية، معطيان ساعدا في quot;تقويةquot; التنظيم.

اعتداء تمنراست يثير المخاوف من عودة القاعدة إلى واجهة الأحداث

الجزائر: في مقاربته لأبعاد الهجوم الانتحاري الأول من نوعه منذ الهجوم الذي استهدف ثكنة عسكرية شمالي الجزائر أواخر شهر أغسطس/آب الماضي، يذهب المحلل quot;عبد النور بوخمخمquot; إلى أنّ الاعتداء الذي خلّف 24 جريحاً ndash; بحسب حصيلة رسمية - ليس بسيطاً ويؤشر على نقلة كبيرة في نشاط مجموعات الارهاب في المنطقة، ويلفت محدثنا إلى أنّ هذا الاعتداء يعتبر الأبرز من نوعه في جنوب الجزائر، حيث لم تسفر عملية سابقة استهدفت مطار منطقة جانت (3200 كلم جنوب) أي ضحايا في خريف العام 2007.

بيد أنّ بوخمخم يوقن أنّه من الخطأ التهويل، أو الاعتقاد أنّ العملية مجرد quot;استعراض دعائيquot;، مثلما من المبكّر جداً ndash; بحسبه - القول أنّ العملية مؤشر على نشاط إرهابي متنامٍ في المنطقة، التي سبق أن شهدت تواجداً إرهابياً مكثفاً على مدار السنواتالخمس عشرة المنقضية لا سيما على مستوى الحدود الجزائرية مع دولتي مالي والنيجر.

رسائل مشفّرة أم حسابات جيواستراتيجية؟

يشير quot;فيصل ميطاويquot; إلى أنّ الهجوم يحيل على أنّ الوضع صار خطيراً جداً، لأنّ العنف لم يصب تمنراست حتى في أشد سنوات الارهاب ضراوة، ويبدو أنّ اختيار قلب تمنراست التي تحتضن مقر قيادة جيوش منطقة الساحل، لتنفيذ عملية موسومة بـquot;النوعيةquot;، مردّه رغبة فلول القاعدة من وراء الهجوم الذي تمّ بواسطة سيارة (جيب) إرسال خطاب فحواه: quot;نحن موجودون، وقادرون على ضرب تمنراست كأهم مركز عسكري متقدم في جنوب البلاد، وليست الاحتياطات الأمنية من ستمنعنا من فعل ذلكquot;.

في حين، يقدّر quot;هيثم ربانيquot; أنّ الهجوم انطوى إما على إبلاغ رسالة أو الانتقام أو هما معاً، ويفضّل رباني عدم استباق الأحداث والانسياق وراء الاعتقاد القائل بوجود تداعيات وخيمة على الوضع الأمني في الجنوب الجزائري، إذ يتصور بحتمية انتظار ما يمكن أن يكون مستقبلاً في المنطقة.

فربما يتعلق الأمر ndash; يضيف رباني - برسالة يُراد توجيهها إلى الحكومة الجزائرية، بشأن الصراع الدائر في مالي والصراعات الأخرى في غرب أفريقيا، لأنّ للجزائر مقاربة خاصة بها في هذه المنطقة، مبنية على تهدئة شاملة لا توافق عليها دول أوروبية وجماعات انفصالية وأخرى إسلامية، وهو الأمر الذي يدل على أنّ تفجير تمنراست، كما قد يكون رسالة بسيطة مفادها (أننا سئمنا من تدخل الجيش الجزائري ضد تجار المخدرات وتنظيم القاعدة وربما جماعات تهريب كثيرة، فهذا هو الرد).

أما الرد المعقد استناداً إلى مقاربة رباني، فهو إن تبين أنّ الأمر مرتبط بحسابات جيواستراتيجية لبلدان أوروبية أو تنظيم القاعدة، بشكل منفصل أو بشكل مشترك لا إرادي، وهنا يصبح من الواجب على الدولة الجزائرية، أن تغيّر مقاربتها لأن quot;شياطين الظلامquot; كما يصفهم رباني، قد يستهدفون وحدة البلاد من الأساس، فالقبائل العربية التي تريد الانفصال عن شمال مالي، لا تنظر بعين الرضا إلى تصميم الدولة الجزائرية على وحدة مالي الترابية، وقد يلجأ هؤلاء إلى تسهيلات لوجيستية لجماعات مسلحة جزائرية وأفريقية إسلامية أو مخدراتية أو تهريبية.

قلاقل مالي وفوضى السلاح توفران غطاء لأيادي التعفين

يلاحظ محللو الشأن الأمني أنّهلغاية ماحصل في ليبيا، كانت القاعدة عملياً فقدت بالمعنى اللوجيستي والبشري، الكثير من عناصر قوتها، وتضاءل هامش التحرك لديها إلى 80 في المئة مقارنة بالبطش الذي مارسته قبل سنوات، ويربط محدثونا تراجعات القاعدة خلال الفترة الماضية بتضييق الخناق على مقاتليها إثر تفعيل التنسيق الأمني بين دول منطقة الساحل، إلى جانب حالة العداء التي اتسعت بين القاعدة وقبائل الطوارق، بدليل الاشتباكات الدموية التي حصلت في العام 2007.

يعزو بوخمخم ما حصل وسط مدينة تمنراست إلى استفادة ما يسمى بـ(القاعدة) من التسرب الكبير للسلاح الليبي على الحدود، إلى جانب تدهور الأوضاع شمال دولة مالي، وهو ما أعطى التنظيم الدموي غطاء كبيراً للتحرك، ما يؤشر على تحول كبير في الأعمال الإرهابية في المنطقة التي ظلت في منأى عن أعمال العنف، هذا الأخير كان يتوقف عند صحراء الاغواط بمرتفعات جبل بوكحيل الذي كان يشكل عصباً حقيقياً للمسلحين.

يلفت بوخمخم أنّه في مقابل التركيبة البشرية الحالية للقاعدة التي لا تضمّ الكثير من الجزائريين، خلافاً لما كان واقعاً في السابق، فإنّ الأزمة المتفاقمة شمال مالي وفرّت الغطاء لتحرك التنظيم الارهابي، ومعها صارت مهمة مكافحة الارهاب معقدة، لأنّ الجزائر كما جيرانها وحتى الأوروبيين يجدون أنفسهم اليوم أمام تداخلات أزمة إثنية عرقية متشابكة بين قبائل الطوارق والأزواد والأغلبية الزنجية الحاكمة في بماكو، ويخشى كل طرف الانجراف في تلك الأزمة غير واضحة المعالم، خصوصاً وأنّه لا يمكن بمنظور الخبراء، التفريق بين الارهابيين والمتمردين الطوارق، وهذا أهم quot;مكسبquot; لجماعات الارهاب، لا سيما مع خطر نشوء تحالفات جديدة للقاعدة مع جماعات مختلفة في مالي وامتدادها الى النسيج الحضري لمنطقة استراتيجية في جنوب الجزائر بوزن تمنراست.

يرى ميطاوي اعتداء تمنراست دلالة على قصور أمني، فكيف لم يتمكن التنسيق الأمني الذي تتباهى به الجزائر وجاراتها من إحباط الهجوم في منطقة مشتهرة بالتواجد العسكري الكثيف، وأين العمل الاستخباراتي وسط كل هذا، ويوقن ميطاوي أنّ القاعدة اتخذت الجزائر هدفاً لها، لأنّ الأخيرة دأبت على قيادة حملات واسعة ضدّ مجموعات الإرهاب والجريمة المنظمة، كما أنّها هي من ظلت تنادي بتجريم الفدية.

لا تتردد فعاليات جزائرية عن إبداء توجسها من الآثار المحسوسة لآفة تهريب الأسلحة، وما يترتب عن ذلك من آثار غير مأمونة قد تلغّم منطقة الساحل أكثر، بعدما جرى اتخاذ الجزائر كقبلة لمهرّبي الأسلحة، بهذا الشأن، يبرز هيثم رباني أنّ أطناناً من الأسلحة بينها مضادات جوية وصلت الى الجزائر عبر جهاتها الجنوبية الشرقية المحاذية لليبيا، بفعل الفوضى الموجودة على مستوى الشريط الحدودي حالياً خاصة من الجهة الليبية.

يشير الخبير الأمني quot;إلياس بوكراعquot; إلى أنّ ما يحدث هو نتاج لما وقع في ليبيا وما أفرزه من زلزال أمني بالنسبة إلى العمق الاستراتيجي والأمن الداخلي للجزائر، خصوصاً مع اتساع حركة التسلح على الحدود وتزايد نشاط ما يسمى quot;قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلاميquot;، وما تردّد عن تسريب اتصالات هاتفية بين ما يسمى بـquot;قيادات في القاعدةquot; وأفراد ليبيين.

ويخشى الجانب الجزائري من تعفين تغذية أطراف غربية وإقليمية، وما يمكن أن ينشأ عن تأسيس قبائل الطوارق لدولة في عمق الصحراء الليبية، إلى جانب إمكانية إنشاء قاعدة عسكرية أميركية تحت غطاء مكافحة الإرهاب.
ويشكّل تواجد حقول النفط على أطراف الصحراء الكبرى عاملاً إضافياً يفرض على صنّاع القرار في الجزائر حراكاً أكبر، لأنّ تحوّل حدودها مع ليبيا ودول الساحل إلى معترك أمني مهزوز، سيلقي بظلاله غير المأمونة على الشريان النابض للاقتصاد الجزائري الذي يقوم ب ـ98 في المئة على ما تدرّه المحروقات.