وجه ناشطون مصريون سيلًا من الانتقادات للجنة الخمسين بعدما تبين أن الدستور الجديد يتيح محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وأن مواد العدالة الانتقالية غائبة عنه.
القاهرة: أوشكت لجنة الخمسين، المكلفة تعديل الدستور المصري، على الإنتهاء من عملها، وبدأت في التصويت على مسودة المواد الأولى، إلا أن إنتقادات عديدة وجهت للجنة والمسودة أيضًا، وينتاب نشطاء حقوق الإنسان وشباب الثورة قلق بالغ في ما يخص الحريات والحقوق، لاسيما المادة التي تسمح بمحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وغياب مواد للعدالة الإنتقالية.
محاكمة المدنيين عسكريًا
أكثر المواد إثارة للجدل ورفضًا من نشطاء الثورة وحقوق الإنسان تلك التي تسمح بمحاكمة المدنيين عسكريًا. وبحسب نص المادة، يجوز محاكمة المدنيين عسكريًا في القضايا التي تمس بالقوات المسلحة، ويختص بها القضاء العسكري. والأخطر أن المادة 48 من قانون الأحكام العسكرية تنص على أن السلطات القضائية العسكرية هي وحدها التي تقرر ما إذا كان الجرم في اختصاصها أم لا.
ويصر ممثلو الجيش في لجنة الخمسين على ضرورة إستمرار المادة التي تسمح بمحاكمة المدنيين عسكريًا، بينما يحاول اعضاء اللجنة من المدنيين إلغاءَها، ووضع نص يحظر محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري، إلا أن الإتجاه السائد يؤكد أن النص سيظل كما هو.
غياب العدالة الإنتقالية
المسودة الأولى للدستور الجديد لا تتضمن مواد للعدالة الإنتقالية، بالرغم من قيام المصريين بإسقاط نظامي حكم بسبب ذلك، الأول نظام حكم حسني مبارك، والآخر نظام حكم جماعة الإخوان المسلمين، وتصر اللجنة على عدم تضمينه أية مواد في هذا الشأن.
وقال تامر أبو عرب، المنسق لحملة عدالة، لـquot;إيلافquot; إن الدستور الجديد يضم الكثير من المواد السيئة، التي تجعله أسوأ من دستور الإخوان، مشيرًا إلى أن طريقة إعداده تتم بسرية تشي بأنه سيكون دستورًا مشينًا. وأوضح أبو عرب أن الدستور الجديد يقر محاكمة المدنيين عسكريًا بشكل يجعل غالبية المصريين عرضة للوقوف أمام القضاء العسكري، لاسيما في ظل سيطرة الجيش على مقاليد الأمور في البلاد.
وأضاف أنه وزملاءَه في حركة عدالة التقوا برئيس اللجنة عمرو موسى، ورئيس لجنة الحوار المجتمعي، ووعدا بأن ينص الدستور الجديد على مواد للعدالة الإنتقالية. ولفت إلى أنه عندما إطلع على المسودة الأولى فوجئ بأنها لا تتضمن أية مواد في هذا الشأن، رغم أن رئيس لجنة الخمسين وعدهم بأن يكون هناك نص في الديباجة، ونص مستقل في متن الدستور.
جهة ترفض العدالة
أفاد أبو عرب بأنه إلتقى قبل عيد الأضحى بمستشار الرئيس للشؤون السياسية الدكتور مصطفى حجازي، ووزير العدالة الإنتقالية المستشار أمين المهدي، بمقر رئاسة الجمهورية، وتناقشوا في تلك القضية. وأخبره وزير العدالة الإنتقالية أنه أرسل أربع صياغات إلى رئيس لجنة الخمسين لتضمين أي منها في الدستور، إلا أن اللجنة لم تفعل.
وذكر أبو عرب أن هناك جهة تقف ضد إقرار العدالة الإنتقالية في الدستور من أجل حماية نفسها ورموزها وأنصارها من المحاسبة، مشيرًا إلى أن العدالة الإنتقالية ستطال أربعة أنظمة برموزها، وهي نظام حكم حسني مبارك، ونظام المجلس العسكري الذي أدار المرحلة الإنتقالية، ونظام حكم الإخوان إضافة إلى النظام الذي يدير المرحلة الراهنة. وأبدى إعتقاده بأن هؤلاء، لاسيما رموز نظام حكم مبارك الذين إستعادوا قوتهم بعد ثورة 30 حزيران (يونيو)، والنظام الراهن، هم من يقفون ضد إقرار العدالة الإنتقالية، حتى لا تطالهم المحاسبة.
التصدي بالرفض
وأشار إلى أن الصياغة للمسودة الأولى للدستور مطاطة وركيكة، مضيفًا أنها تحظر التعذيب لكنها تضع له ثغرات تمكن الجناة من الإفلات من العقاب.
ونبّه أبو عرب من أن طريقة إعداد الدستور التي تتسم بالسرية والتكتم الشديدين تشير إلى عمل مشين يجري الإعداد له، quot;ولن يكون دستورًا يرقى إلى طموحات الشعب المصري، وسوف نتصدى له، سواء في عملية الإستفتاء عليه أو قبل ذلك، ولن ترهبنا الدعوات التي سوف تخرج وتطالب بضرورة الموافقة عليه من أجل الإستقرار، كما حدث في عهد الإخوانquot;.
تقدم كبير في الحقوق والحريات
أما الناشط الحقوقي بهي الدين حسن، رئيس مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، فيرى أن ثمة تقدماً كبيراً في صياغة باب الحقوق والحريات، وإذا صدر الدستور على هذه الحالة، فربما يكون الدستور الأفضل في تاريخ الدساتير المصرية.
وقال حسن لـquot;إيلافquot; إن الدستور الذي يجري إعداده أقر إعتماد المواثيق والعهود الدولية كمرجعية لحقوق الإنسان في مصر، معتبرًا أن ذلك تقدم كبير لم يكن موجودًا في الدساتير السابقة.
ولفت إلى أن الهيئة الدستورية الحالية تجتهد بشكل واضح في إقرار الحقوق والحريات بشكل مثالي.
قلق من المحاكمات العسكرية
غير أن حسن أبدى قلقه من محاولة الإبقاء على المادة التي تسمح بمحاكمة المدنيين عسكريًا، مشيرًا إلى أن جماعة الإخوان المسلمين هي التي أقرت تلك المادة للمرة الأولى في تاريخ الدساتير المصرية، عندما وضعت دستور العام 2012، في إطار صفقات مع الجيش. وأضاف أن الهيئة الدستورية تحاول جاهدة حظر محاكمة المدنيين عسكريًا، واصفًا ذلك المسعى بأنه إيجابي وتطور كبير.
ولفت إلى أن هناك بعض المواد في أبواب الحكم وهوية الدولة لها إنعكاسات سيئة على الحقوق والحريات، ومنها المادة 219، التي يحاول الإسلاميون ولاسيما السلفيين الإبقاء عليها، quot;وهي المادة المعروفة بالمادة المفسرة للشريعة الإسلامية، فهي تجعل من مصر دولة طائفيةquot;، متوقعًا ألا يتم الإبقاء عليها، وحذفها عند خروج النسخة النهائية من الدستور.
التعليقات