يتخوف الجزائريون من قيام نظام رئاسوي بالوكالة، نتاجًا للمراجعة الدستورية التي يُرتقب الكشف عنها الأسبوع القادم، في وقت يكتنف فيه الغموض ماهية هذه المراجعة. ويتوجس معارضون من تداعيات المخطط السلطوي الجديد.


الجزائر: خلافًا لما روجته مراجع محلية، يشدّد الأخضر بن خلاف، القيادي في جبهة العدالة والتنمية الإسلامي المعارض، على أنّ النظام الحاكم ليس بصدد استلهام النموذج الأميركي، وطريقة تيودور روزفلت، quot;بل يودّ تعديل الدستور لحل مشكلة آنية متعلقة بالانتخابات الرئاسية القادمةquot;.

وإذا كان قاسة عيسي، القيادي في جبهة التحرير - الحليف الأكبر للرئيس عبد العزيز بوتفليقة - لم يخرج بالقضية كلها عن نطاق التنويه باستكمال حلقة الإصلاحات، يتوقع بن خلاف أن تنسج السلطة في الأسابيع القادمة على منوال تعديلات 2002 و2008، وكلتاهما تعلقتا بالرئاسيات، لكن هذه المرة دخل وضع الرئيس الصحي معطى في المعادلة، وخلّف هذه الضبابية التي نراها اليوم.

احتمالات مفتوحة

يضيف بن خلاف: quot;الرئيس ومن هم حوله يريدون تعديلًا جزئيًا بسيطًا لحل مشكلة أملتها وضعية بوتفليقة الصحية، وحتمية إيجاد مخرج عبر استحداث منصب جديد هونائب رئيس الجمهورية الذي سيكون الرئيس الفعلي للبلاد، وسيتنازل له الرئيس عن كثير من السلطات، ما يعني نظام حكم بالوكالة سيتكرس في الجزائر خلال الأعوام القادمةquot;.

ويلفت بن خلاف نظر quot;إيلافquot; إلى احتمالية غلق عدد الفترات الرئاسية وتحديدها باثنتين، مع تغيير مدة الولاية الواحدة إلى 7 أو 4 سنوات، وهي كلها اعتبارات يفرضها وضع الرئيس الحالي، والحالة التي ظهر عليها في آخر اجتماع لمجلس الوزراء.

على النقيض، يستبعد المحلل السياسي سمير عودية ترسيم ولاية رئاسية من 7 سنوات، حتى وإن جرى بحث ذلك إثر بروز فكرة التمديد للرئيس بسنتين، quot;إلا أن تنفيذها غير ممكن على الأقل دستوريًا، فلا يمكن تمديد ولاية الرئيس بسنتين وتأجيل الانتخابات الرئاسية إلا في حالات استثنائية مثل وجود طارئ أمني، ما يجعل الحفاظ على مدة الولاية الرئاسية من 5 سنوات أقوىquot;.

توازنات قوى

يذهب عودية إلى أنّ بوتفليقة، ومنذ صعوده إلى سدة الحكم في ربيع العام 1999، أبدى رغبة في إجراء تعديل عميق على الدستور، وبدأ ذلك بتعديل طفيف كرّس الأمازيغية لغة وطنية، ثم أزال عقبة دستورية كانت ستحرمه من الترشح لولاية ثالثة.

بالنسبة للخطوة المرتقبة مطلع الشهر القادم، رجّح عودية لـquot;إيلافquot; أن يكون الدستور الجديد محصلة توازنات القوى، quot;والأكيد أنه سيكرس النظام الرئاسي باستحداث منصب نائب للرئيس، يتولى إدارة شؤون البلاد في حال مرض الرئيس أو وفاته، أو وجود مانع يحول دون ممارسته مهامه، وهنا من المؤكد أنّ من سيتولى هذا المنصب سيكون اليد اليمنى للرئيس، وهذا لا يعني سيطرة مجموعة بوتفليقة على أركان النظام، ولكن على الأقل ضمان نوع من الحماية لهاquot;.

شبه رئاسة

يلّح الخبير في القانون الدستوري بوجمعة صويلح على حاجة الجزائر إلى منظومة شبه رئاسية، وهي صيغة مناسبة برأيه ليحدث التوازن بين السلطات الثلاث. ويحذر صويلح من تصنيع نظام رئاسوي يبتلع السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، ويرافع لنظام رئاسي بسلطات محددة وبما يتيح للسلطة التشريعية القيام بدورها، قائلًا: quot;إنّ النظام الرئاسوي سيتحول مع الوقت إلى نمط ديكتاتوري، على غرار البرازيل وفنزويلا، وهي تجارب لا يقتدى بها تبعًا لانطوائها على انحرافاتquot;.

وإذ تحاشى صويلح الخوض في أي من تفاصيل الدستور الجديد لتحججه بالافتقاد إلى معطيات، هاجم دعاة النظام البرلماني، وجزم أنّ هذا النظام يفرز عدم استقرار وتصادمات، لا سيما مع كون البرلمان الحالي يمثل أغلبية نسبية. ولاحظ أستاذ القانون العام أنّ الدستور الحالي كيفما كانت نتيجته ينبغي أن يراعي الخصوصية الجزائرية، رافضًا أي اقتباس من النماذج الأخرى.

الدكتاتورية العددية

بمقابل تأكيده على وجود تسريبات للتضليل، يؤكد بن خلاف أنّ دستور بلاده يحتاج إلى تعديل جوهري وعميق وشامل، من الديباجة إلى الأحكام الانتقالية، على نحو يصلح ما أفسدته التعديلات السابقة عن طريق البرلمان.

ولأنّ المسألة تمس التوازنات الكبرى، يركّز بن خلاّف على أنّ تأمين مراجعة دستورية متكاملة لن يتسنى إلا عبر استفتاء شعبي، منتقدًا اقتصار ورشة الدستور على لجنة من خمسة أعضاء، أغلبهم من مجلس الأمة، علمًا أنّ هذه اللجنة عُيّنت من طرف الرئيس، والشخص رهينة لمن عيّنه، في وقت تفرض الأشياء إنضاج دستور توافقي يأتي بعد نقاش طويل موسّع إلى شخصيات حزبية ووطنية حتى يخرج في ثوب دستور يرضي عموم الشخصيات والأطراف.

ويرى عودية أنّ الإجابة على عرض الدستور الجديد على البرلمان أو الاستفتاء موجودة في الدستور، فالقرار مرتبط بنوعية التعديلات المقترحة إن كانت تمس بالتوازنات بين السلطات، ولا بد من استشارة الشعب.

ويبقى الاحتمال الأكبر طرح الدستور الجديد على البرلمان، وهو ما يعزوه بن خلاّف إلى كون البرلمان الحالي ينبني على أغلبية مريحة جاءت عن طريق التزوير، مستطردًا: quot;عدديًا ضمنوا التزوير، واللعبة السياسية في البرلمان مغلقة بالدكتاتورية العددية التي ضمنتها أحزاب السلطةquot;.

تكريس الاستمرارية

يقرأ بن خلاّف التعديل القادم مؤشرًا على إرادة عرّابيه باستمرارية النظام والسلطة القادمة، quot;وذاك واضح من خلال كل القرارات الجريئة التي حصلت في المدة الأخيرة، كحل معضلة جبهة التحرير، والتعديل الحكومي، وإعادة بناء المؤسسة العسكرية، والتحالفات المستحدثة بين قوى سياسية ومجموعات برلمانيةquot;.

ويدافع بن خلاّف عن قناعته بكون الجماعة الحاكمة تروم الاستمرار، quot;فوضع الأوفياء للرئيس بوتفليقة في أهم الأجهزة المفصلية كالداخلية والقضاء والاتصال والمجلس الدستوري يوحي بأنّ محيط الرئيس يريد استمرارية النظام، بالتزامن مع السكوت عن قضايا الفساد المفتوحة لأنها مست قاعدة (حاميها حراميها) بما يؤكد نية مواصلة الإمساك بالسلطةquot;.

وينتهي بن خلاّف إلى أنّ التغيير الهادئ الذي يتمناه الشعب الجزائري ما زال بعيدًا، يحتاج إلى نضال بالطرق السلمية والقانونية والرسمية، والمعادلة القائمة اليوم: إذا نجح النظام في إقناع الجماهير بأنّ شكلانية الربيع العربي مغلوطة، فالمشكلة الآن هي في إقناع الجزائريين أن لا رجال أكفاء عدا بوتفليقة.

وثيقة بديلة

أعدّت حركة العدالة والتنمية وثيقة بديلة للدستور، سمتها دستور جزائر بيان الفاتح من نوفمبر، وتتضمن تلك الوثيقة 297 مادة تكرّس الفصل بين السلطات، وتكفل التوازن الحقيقي في الصلاحيات، مع التداول السلمي للسلطة، وفتح المجالين السياسي والإعلامي وتداول الأحزاب على السلطة، فضلًا عن محاربة الفساد بشكل جذري يعالج طبيعة النظام الجزائري.

ويكشف بن خلاّف عن طرح هذا الدستور البديل على شكل كتاب في الأسواق قريبًا. وعن الحراك المضاد للمعارضة في حال ترسيم السلطة مراجعة لا تستجيب لتطلعات الشارع، يبرز بن خلاّف أنّ المعارضين تركوا الباب مفتوحًا أمام كل الاحتمالات، منتقدًا ما نعتها بمبادرات للمزاد الإعلامي.

حملة مسبقة

يصف بن خلاف الدفع بكل من أحمد أويحيى وعبد العزيز بلخادم بأنها تسريبات لم تتأكد، لكنه يعتبر أنّ تسويق الوزير الأول عبد المالك سلال يجد مؤداه، فالرجل يبقى بديلاً من البدائل سواء للترشح كرئيس أو نائب للرئيس.

وتعني الزيارات الماراثونية لسلال عبر المحافظات شيئًا واحدًا، طهي حملة انتخابية مسبقة تتجلى عبر توزيع المال العام بأغلفة مبالغ فيها، على نحو يفسّر نشوب مشكلة مع المدير المركزي لوزارة المال، كما يقحم بن خلاّف حرص الحكومة على تسريع توزيع السكنات في سياق تفعيل الحملة المسبقة على أهبة اقتراع نيسان (أبريل) 2014، وهو نشاط يذكّر بالزيارات التي كان يقوم بها الرئيس بوتفليقة للولايات في مواعيد سابقة.

من جانبه، يقول عودية أنّه باستثناء علي بن فليس الذي من المرجح أن يترشح للانتخابات الرئاسية، كل الأسماء الأخرى مجرد حديث إعلامي، وهذا لا يعني أنّ عبد العزيز بلخادم وأحمد أويحيى يرغبان في منصب الرئيس، بل يدركان جيدًا أنّ حظوظهما تكاد تكون معدومة.