الرياض:في مكتبة كل مهتم بشؤون quot;الجهادquot;، ثمة كتاب بعنوان (من قصص الشهداء العرب في البوسنة والهرسك)، كتبه اثنان بأسماء مستعارة اسمهما حمد القطري وماجد المدني، وقدمه رجلا الدين الشهيرين سلمان العودة وعلي الخضير، العودة كتب في مقدمته quot;في ذلك حفظ لهذا التاريخ المجيد ، وبيان لأثر الأخوة الإسلامية بين الشعوب، وفي تآزرها وتناصرها لمواجهة كيد عدوهاquot;. وعدل بقلمه بعض مايراه يستحق التعديل في الكتاب.
أما علي الخضير فكتب quot;ولعل هذه القصص تكون نبراسا ودافعا لغيرهم في سلوك هذا السبيل لنصرة هذا الدين والدفاع عنه وعن الحرمة والبيضة ومن ثم إقامة حكم الله في الأرض ونشر دينه عز وجلquot;.
ربما يكون هذا مدخلاً يوضح المفارقة و كيف يتغير التاريخ، وتعيد بعض التجارب نفسها بصور مختلفة، كما هو الحال تماما بين مقدمي الكتاب، فالعودة نجم فضائي شهير الآن، أما الخضير فيقبع في السجون السعودية منذ اندلاع عمل القاعدة في السعودية العام 2003، وكان حينها الخضير أول ثلاثة أخذوا على عاتقهم quot;شرعنةquot; التفجيرات والاغتيالات في المملكة العربية السعودية.
ورغم أن الكتاب يتحدث عن تجربة البوسنة والهرسك التي حررها حلف الناتو من جرائم الصرب، إلا أن جل أولئك المؤبنين في الكتاب كانوا أصحاب تجربة في دهاليز الأفغان في الوجه الآخر للحرب الباردة.
الآن، سوريا من الممكن اعتبارها التجربة الأكثر أهمية بعد أفغانستان، رغم حالات العراق والصومال والبوسنة.
فما الفارق بين هذه التجربة وتلك؟ وبماذا تتشابه التجربة في بلاد الطوائف المتعددة مع أفغانستان، وبماذا تختلف عن العراق؟ وكيف يمكن التوفيق بين الموقف الرسمي لدول المقاتلين وبين اجراءاتها ضدهم؟.
على الأرض السورية تتشابه وجوه المقاتلين غالباً مع الصورة الذهنية التاريخية للقاعدة في أفغانستان، لحية طويلة وملابس نصف عسكرية ونصف عربية، وسلاح شخصي، وتجهيز قتالي محدود.
أما على الواقع فتتشابه الحالة أيضاً مع أيام الأفغان، فهم منخرطون في الحياة اليومية للمواطنين، في المخبز ومنابر الجمعة والمدرسة بل وحتى في المحاكم السريعة على الطريقة الإسلامية.
لكن كثيراً من أدبيات القاعدة المعروفة لم تظهر، وخصوصاً في تكفير الحكومات، وبيانات أحكام الردة وفتاوى القتل ضد هذا الخصم أو ذاك، وبالطبع خلت منتجاتهم المرئية من المنتج الرسمي الحصري للقاعدة (القتل نحراً).
يقول الباحث السعودي عبدالمنعم المشوح حول الحالة السورية أنها تكاد تكون نسخة مكررة من التجربة الأفغانية، وأن أطرافاً عديدة تستفيد من الحالة quot;الجهاديةquot; في سوريا بما في ذلك النظام نفسه.
المشوح وهو أحد قادة مكافحة الفكرة المتطرف في المملكة قال في حديث مع quot;إيلافquot; أن quot;هناك تقدم ملحوظ في خط القاعدة السياسي، فهي حتى الآن لا تعلن نفسها في سوريا بأي شكل سبق وأن فعلته في أماكن النشأة الأولى في أفغانستان أو غيرها من البلاد الإسلامية وخصوصا العراق والصومالquot;.
ويضيف quot;أما خطها الفكري فهو يثير التساؤلات، فهل هي لاتريد الدخول في جدل التأييد والرفض حال أعلنت نفسها؟، أم هي فعلا تتغير؟، أم لهم حسابات أخرى؟، وفي العموم وأياً كانت الإجابة فذلك يعني حتماً أنها تتغيرquot;.
التجربة الناجحة بالنسبة للمقاتلين العرب وحلمهم المفقود كانت في بلاد البشتون والأوزبك وبقية القوميات الأخرى في أرض كابل وقندهار وجانجي، وهي تجربة كانت بمثابة الحلم الذي صحوا منه على وقع خلاف تجار الحرب الأفغان، فتوقف العرب حيناً، ثم انخرطوا في نهاية المطاف مع بعضهم ضد الآخرين حتى انتهت التجربة بمرارة قاسية، حين أصبحوا لقمة سائغة للجميع تقريبا.
في سوريا، الأقرب ثقافيا وعرقيا للمقاتلين العرب، ربما يحاول كثير منهم إحياء التجربة مع استحضار لأدبياتها الأولى، فرغم حداثة أسنان الكثير من المقاتلين، إلا أن اللاعب الرئيس في توجيههم وتربيتهم قتاليا هم ذاتهم من تغنوا بأيام quot;السبع المثانيquot; على جبال جمشير وتورا بورا.
ولا يخلو الأمر من وجه آخر لمكتب (كفاح) الشهير للتجنيد في مسجد الفاروق ببروكلين في في تدريب وتطوير المجموعات المقاتلة في أفغانستان، إذ أنه لم يعد سرا الآن أن مكاتب وميادين تدريب تقام سرا لتدريب مقاتلين في الداخل السوري.
وتقول الأخبار من هناك في سوريا، أن بيوت quot;بيوت المجاهدينquot; و quot;مضافات الأنصارquot; قد بعثت مجدداً، وأن الكثير ممن لا يودون التكفير أو يتورعون عنه سيجدون لهم أيضا مكاناً واسعا.
أما طريق الذهاب إلى جنوب تركيا، فهو آمن ويشابه إلى حد كبير طريق quot;الهجرةquot; إلى بيشاور الباكستانية في الثمانينات الميلادية، بعكس الحالة في العراق، إذ راج حينها بيع الكثير من الشباب المقاتلين علناً أو ضمناً لعصابات واستخبارات عالمية أو مجاميع سياسية لصالح هذا الطرف أو ذاك.
من هناك من أرض quot;الرباطquot; كما يسمون الآن حلب ودمشق ودرعا وغيرها في منتجاتهم المرئية والصوتية، تبرز الصورة quot;الديجيتالquot; لقصص أفغانستان، ابتسامة الموت، والقتال بصف الملائكة، والكرامات التي تكاد تكون عاملاً مشتركاً في كل وفاة .
ولأن الطريق والقصة هناك ليست كل شيء، فلابد من سؤالٍ أولاً عن ما بعد الانتصار، وكيف سينتهي الحال بالمقاتلين الأجانب حين تضع الحرب أوزارها، وحين تتفاهم قوى المنطقة والعالم على شكل سوريا الجديد، وبالتأكيد وكالعادة فإن ذلك يعني أن دورهم انتهى وعليهم تقبل الفكرة الجديدة، إما مصير العرب بين فصائل الأفغان، أو استقرار واندماج وسط الخوف كما هو الحال في البوسنة والهرسك، أو العودة للديار حيث الاعتقال كما يؤكد ذلك المتحدث الرسمي لوزارة الداخلية السعودية اللواء منصور التركي حين صرح، بأن العائدين من القتال في سوريا سيتم اعتقالهم والتحقيق معهم.
التعليقات