تحاول الكتل العراقية استنساخ تجربة محافظ ميسان علي دواي القريب من الناس، لكن العراقيين يخافون من أن تأتي النتيجة قرارات عشوائية، همها الظهور الإعلامي لا أكثر، مطالبين بتكنوقراط في الحكومات المحلية.


بغداد: في محاولة لكسب تأييد الشارع، يسعى الكثير من القوى السياسية العراقية إلى استنساخ تجربة محافظ ميسان علي دواي، الذي استطاع التجديد لولايته بعدما اشتهر عنه ارتداء بدلة عمل زرقاء، وجولاته الميدانية بين الناس.

وعلى رغم من أن المحافظة التي يديرها دواي ليست مثالية في خدماتها، وما زال الناس فيها يشكون انقطاع الكهرباء وغياب الكثير من الخدمات في المدينة، إلا أن دواي استطاع، وبمساعدة التحشيد الاعلامي، التغطية على الكثير من النواقص، حيث اظهره الاعلام بطلًا مخلّصًا، بسبب اليأس الذي يخيم على الناس، من المسؤولين الحاليين الذين يوشمون بالفساد في الكثير من المناسبات.

هالة كبيرة

يفسّر الباحث الاجتماعي وليد الحلي أن الناس لا بد أن تخلق مثالها آجلًا أم عاجلًا، لأنها بحاجة إلى الرمز العادل، quot;وحالما وزع دواي صوره في وسائل الاعلام وفايسبوك حتى كبرت هالته وسط الناس، المحتاجة إلى المسؤول الذي ينزل من منصبه ويعيش معها ويتجاوب مع مشاعرهاquot;.

يضيف: quot;هذه ما فطنت اليه بعض القوى السياسية، مثل كتلتي الاحرار الصدرية والمواطن للمجلس الاعلى، اللتين ركزتا طوال قبل الانتخابات على الخطاب الذي يعالج القضايا الخدمية، على الرغم من أن البعض يعتبر ما يحدث دعاية سياسية وانتخابية قبل كل شيء، فإن ما فعلته هذه القوى السياسية لاقى ترحيًبا من المواطن العراقي، ما يفسر نجاحهم في حصد اكبر عدد من الاصوات في الانتخابات الاخيرةquot;.

و تكبد ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي خسائر انتخابية كبيرة في انتخابات مجالس المحافظات، لاسيما بعد أن نجح ائتلاف (من أجل بغداد)، الذي يضم التيارات السياسية المناهضة للمالكي، في السيطرة على مجلس العاصمة بغداد.

وثائق مهملة

وفي محاولة لتوثيق تقصير المسؤولين الحاليين، يحمل علاء الماجدي صورة لعشرات الوثائق المهملة في مبنى محافظة بغداد، ويظهر بجانبها المحافظ الجديد علي التميمي، باعتباره المخلص الذي سيحسم هذه الملفات التي اهملت في زمن دولة القانون. وقال علاء متحمسا: quot;هذه معاملات وطلبات وهموم الناس ترمى على الارض بلا اهمية ولا متابعة، فسأنشرها في فايسبوك ليطلع عليها الناسquot;.

وفي محافظة بابل، ينتقد رحيم الخالدي عدم التغيير في المحافظة بسبب الفشل الذريع للحكومة المحلية السابقة، معتبرًا ما حدث مؤامرة. وقال: quot;كنت امل أن ننسخ تجربة علي دواي، فعلى الاقل يمكن رؤية المسؤول في الشارع مع الناس لكي نستطيع التفاهم معهquot;.

لكن الناشط السياسي علي الزبيدي يؤكد أن يأس المواطن ومطالبه ستجعل من جميع المسؤولين على شاكلة على دواي، quot;فأغلب المسؤولين يفكرون في النزول إلى الشارع ويركزون على الخدمات بسبب شعورهم بالخطر، وبأن الشعب سيرفضهم إذا لم يغيّروا سلوكياتهم، لأنه سئم الخطابات السياسية والدعوات العاطفية والشعارات الدينية المرتبطة بالسياسة، ويريد فعلًا لا قولًاquot;.

خادم بغداد

إحدى اشارات التحوّل في خطابات الكتل السياسية واستجابتها لمطالب الشارع أن اغلبها بدأ يضغط على مسؤوليها في التقرب من المواطن والتعرف على مشاكله ومحاولة الاستجابة لمطاليبه. وفي خطوة مثيرة، أمر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر برفع صوره من الاماكن العامة، واطلاق لقب خادم بغداد على محافظ بغداد الجديد.

ورغم أن الباحث السياسي هادي مرعي يرجع اعلان الصدر ازالة صوره إلى فوز الاحرار بمنصب محافظ بغداد، إلا انه يعتبر مبادرة الصدر خطوة كبيرة على طريق زرع الثقة في نفس المواطن.

ويؤكد احمد عبيد، عضو مجلس بلدي سابق في بابل، ويُحسَب على تيار المواطن، أن قيادات كتلة المواطن اوعزت إلى ممثليها في البلديات بالنزول إلى الشارع وتبني الخطاب الذي يقترب من المواطن ويعزز ثقته به. وكانت كتلة الأحرار التابعة للتيار الصدري اعلنت صراحة عن عزمها نقل تجربة علي دواي إلى محافظ بغداد الجديد علي التميمي، ليطبقها في العاصمة بغية انجاز وتوفير الخدمات بأسرع ما يمكن.

زيرى الاكاديمي في الادارة والاقتصاد عصام المحمداوي أن التنظير بهذه الطريقة سيقود إلى فعاليات ارتجالية ودعائية، لأن بغداد ليست ميسان ولا يمكن لشخص واحد أن يُحِدث انقلابًا في القوانين والأنظمة والسياسات التي تحكمها من دون تعاون الجميع. ويقول: quot;حتى المسؤولين الجدد من الاحرار والمواطن والكتل الاخرى سارعوا إلى التشهير بالمحافظ القديم، من دون أن يدعوا الزمن والناس تحكم على ذلكquot;.

الحاجة إلى تكنوقراط

يقول الاعلامي سعد البهادلي إنه أكد على الدوام ضرورة أن يقود التكنوقراط الحكومات المحلية، quot;لكنني لا أرى في التغيرات الجديدة ذلك، بل جلهم من الاسلاميين الذين لهم باع طويل في شؤون العبادة والمذاهب وليس في المجال الخدميquot;.

يضيف: quot;سينزل هؤلاء إلى الشارع فعلًا، وهو ما اتوقعه، لكنهم سيقودون عمليات ترميم عشوائية من دون تخطيط علمي، وسيرتدون البدلات الزرقاء مثل علي دواي وستصورهم وسائل الاعلام وستعرضهم القنوات الخاصة بالكتل التي ينتمون اليها على انهم ابطال، لكنهم ليسوا افضل من المسؤولين السابقين، الذي تحولوا مع مرور الزمن إلى مسؤولين مكبلين بالروتين وبشبكات الفسادquot;.