يرى غالبية السوريين أن الضربة الأميركية المتوقعة لبلادهم ستغذي الحرب الأهلية ولن تنهيها. ومنهم من يعارضون النظام الحاكم لكنه يرفضون أن تخطف الصواريخ الأميركية نضالهم ودماء شهدائهم.


لندن: في زقاق ضيق في دمشق القديمة، أمضى صاحب متجر يعارض نظام الرئيس بشار الأسد يوم الخميس كالعادة يحتسي القهوة مع تجار آخرين يبقونه مشغولًا، بعدما كان السياح يقومون بهذه المهمة قبل أن يختفوا منذ زمن طويل. لكنه قال إن الهدوء الذي يسود الشارع الحجري في المدينة القديمة لا يخفي خوف المواطنين ومشاعرهم المختلطة تجاه الضربة العسكرية الاميركية المنتظرة. وقال التاجر الدمشقي إن الفوضى والثارات واعمال العنف الطائفي هي اسوأ ما يمكن أن تسفر عنه الضربات الصاروخية، التي يهدد بها المسؤولون الاميركيون، متهمين نظام الأسد بالمسؤولية عن هجوم الغوطة الكيميائي. في هذه الأثناء، يحاول سكان العاصمة السورية تخزين ما بوسعهم من المواد الغذائية والماء، فيما أغلقت السلطات شوارع رئيسة ونشرت قوات ومعدات في مناطق سكنية ومدارس. ويُلاحظ في هذه الأجواء انه حتى مناصرون للانتفاضة المشتعلة منذ اكثر من عامين ضد نظام الأسد منقسمون بشأن الضربة الوشيكة على ما يُفترض.

تخطف نضالهم
يشعر كثيرون في دمشق أن الضربة، حتى وإن كانت محدودة، تهدد بضخ ديناميكية مجهولة العواقب في حرب أهلية وفرت مدينتهم العريقة حتى الآن. ويقف بعض معارضي النظام بقوة ضد التدخل العسكري الاميركي المباشر، خشية أن يخطف مثل هذا التدخل نضالهم ويلوث انتفاضتهم. ورغم أن بعض المعارضين دعوا في بداية الانتفاضة إلى تدخل حلف الأطلسي فإن آخرين قالوا انهم يريدون دعمًا وتسليحًا من واشنطن، وليس هجومًا تنفذه قوات الجيش الاميركي. وأكد فهد درويش (33 عامًا) الذي يعمل في سوق تجارية في دمشق لصحيفة نيويورك تايمز: quot;نحن لا نحتاج إلى الاميركيين للقيام بذلك نيابة عنا، وسننتصر في هذه الحرب بقوة الجيش السوري الحرquot;. وفيما تستعر الحرب في ريف دمشق، فإن وسط العاصمة ما زال بمنأى عن الدمار الذي لحق بالضواحي. وقال التاجر الدمشقي المعارض إن الناس في دمشق ما زالوا متعايشين. لكن هذا التعايش معرض للخطر إذا وقع الهجوم الاميركي. وقال الروائي خالد الخليفة عن موقف الغرب: quot;كان بمقدورهم أن يدافعوا عن القيم من اليوم الأول للثورة، وكان باستطاعتهم مساعدتنا ولكنهم انتظروا إلى أن دُمر البلدquot;. واعلن الخليفة معارضته للتدخل الاميركي متسائلًا: quot;قولوا لي متى جلب الغزاة معهم الحرية؟ سقوط النظام سيرضيني، لكني لا أُريد أن تكون ثورتنا ناقصة بعد كل هذا الدمquot;.

على مضض
ورغم تأكيد المسؤولين الاميركيين أن الضربة لا تهدف إلى اسقاط النظام أو تغيير ميزان القوى على الأرض، فإن السوريين يخشون أن توقع الضربة خسائر في الأرواح بين المدنيين، وتطلق قوى لا يمكن السيطرة عليها. ونقلت نيويورك تايمز عن مقاتلين في قوات المعارضة أملهم باستغلال الفوضى بعد الضربات لشن هجمات والتوغل أعمق في دمشق، التي تؤوي اعدادًا كبيرة من السوريين النازحين. ويتوقع آخرون أن تثير الضربة قوات النظام وشبيحتها فيخرجون باحثين عن الانتقام بعد الضربة. واشار معارضون للنظام بمرارة إلى أن التدخل الاميركي يأتي، إذا أتى، بعد مقتل أكثر من 100 الف سوري، وانهم يشكُّون في أن يساعدهم التدخل الاميركي بعد الثمن الباهظ الذي دفعته الانتفاضة جراء التدخلات الخارجية، سواء كانت تدخل جماعات جهادية أو روسيا او ايران او حزب الله أو مقاتلين شيعة من العراق. لكن سوريين آخرين رحبوا بالضربة على مضض. ونقلت نيويورك تايمز عن المعارض السوري رامي جراح، الذي يدير شبكة اخبار الناشطين في القاهرة، قوله: quot;ان الكرامة والحرص على سيادة البلد لم يعودا شيئًا نستطيع أن نتشبث به حين يُقتل شعبنا بهذه الطريقة التي لا كرامة فيهاquot;. واضاف: quot;انا لستُ سعيدا ولكن ليس هناك حل آخر، وأعرف إذا لم نفعل شيئا سنخسرquot;.

المعارضة ستتحرك
أعد السوريون أنفسهم لأسوأ الاحتمالات، متوجهين إلى مكاتب جوازات السفر والمصارف والبقاليات. وهم يعتزمون التغيب عن العمل والمدرسة وأخذوا يوجهون نداءات على مواقع التواصل الاجتماعي إن كانت هناك مقاعد شاغرة في السيارات المتوجهة إلى الحدود اللبنانية. وقالت شابة سورية (22 عامًا)، قدمت نفسها باسم نور، مازحة: quot;اشتريتُ ما يكفي من الطعام والكحول ولذلك سأموت سعيدةquot;. وفي حي المزة الذي تسكنه عائلات الكثير من المسؤولين، شوهد اشخاص يحزمون امتعتهم ويغادرون المدينة. وأكد سمير، وهو موظف في هيئة الاسكان العسكري، أنه ارسل زوجته وابنتهما ذات الثلاث سنوات إلى اهلهم في طرطوس على البحر المتوسط، وبقي في دمشق للمشاركة في أي رد عسكري على الضربة الاميركية. وقال سمير، الذي لم يعط اكثر من اسمه الأول لصحيفة نيويورك تايمز: quot;أنا مستعد للدفاع عن بلدي، فليس لدينا خيار آخر: النصر أو الموتquot;، مستعيرًا أحد شعارات المعارضة المسلحة. وقال معلم دمشقي، مكتفيًا بتقديم نفسه باسم حازم، إن وزارة التربية سلمت عددًا من المدارس في احياء وسط المدينة إلى الأجهزة الأمنية، quot;لأن المدارس محمية دوليًا فان الأجهزة الأمنية احتلت العديد منها وانتقلت اليها بكامل عدتها وترسانتهاquot;. وبدأت قوات المعارضة تتحرك ساعية إلى تفادي الاصابة بالضربات المتوقعة أو التعرض إلى هجمات انتقامية من قوات النظام. كما تستعد تشكيلات من قوات المعارضة لاقتحام القواعد التي تُقصف والاستيلاء على ما فيها من اسلحة. وقال الناشط باسل درويش في وسط سوريا: quot;إذا قرر الاميركيون توجيه ضربة فاننا نتوقع مزيدًا من الوحشية والمجازر من النظامquot;. واعرب عن قلقه من ضرب معسكرات الجيش السوري الحر وهجوم قوات النظام على القرى وقتل المدنيين. وأعدت فصائل اخرى في المعارضة خططا لاستغلال انشغال النظام بالضربة. وقال مقاتل قرب دمشق، قدم نفسه باسم ابو تمام: quot;إذا تحرك المجتمع الدولي سنتحرك نحن ايضًاquot;.

ستهاجمنا أميركا
هذا ما يخشاه التاجر السوري في دمشق القديمة، الذي قال إنه رغم تأييده للثوار سيتصدى لهم شخصيًا إذا حاولوا دخول المدينة القديمة، لأن النظام لن يتردد في قصفها، كما حدث عندما قصف أسواق حلب التاريخية.
وتعبيرًا عن الانقسام العميق في صفوف المعارضة لنظام الأسد، قال مقاتل كويتي من جبهة النصرة التي ترتبط بتنظيم القاعدة، إن الضربات الاميركية شر لا بد منه، ويمكن أن يستهدف الجبهة ايضًا. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن المقاتل الذي قدم نفسه باسم ابو ذر المطيري: quot;أتوقع أن تهاجم الولايات المتحدة قواعدنا او تحاول مهاجمتهاquot;، مؤكدًا أن جبهة النصرة نقلت مقاتليها إلى مواقع أخرى. واضاف المطيري: quot;ستستهدفنا الولايات المتحدة عاجلًا أو آجلًاquot;. لكن غالبية السوريين يرون مهمتهم توفير أقصى ما يمكن من الحماية لعائلاتهم وانتظار ما سيحدث. وقال ابو ماهر (50 عامًا) الذي جاء من الضواحي الجنوبية إلى دمشق لشراء أطعمة تكفي ثلاثة اسابيع، إن بيته يقع قرب قاعدة عسكرية وإن العديد من وحداتها انتقلت إلى مناطق مدنية قريبة للاحتماء بها. واضاف: quot;سأغلق باب بيتي وانتظر ما سيحدثquot;.