تزامناً مع استعدادات البرازيل للمونديال الكروي 2014، ينشط المسلمون في هذا البلد الأميركي اللاتيني للاندماج مع المجتمع والمشاركة في مختلف فعالياته للحدث العالمي الأبرز.


وعلى وقع تجهيزات بطولة كأس العالم، تحدث الشيخ خالد رزق تقي الدين، رئيس المجلس الأعلى للأئمة والشؤون الإسلامية في البرازيل، مبعوث وزارة الأوقاف الكويتية لـ(إيلاف) عبر البريد الالكتروني حول الجالية الإسلامية ونشاطاتها بمناسبة هذه التظاهرة العالمية.
وركز الشيخ تقي الدين في حديثه على أهم المؤسسات الإسلامية العاملة على الساحة البرازيلية، ومقترحات مستقبلية للنهوض بالدعوة الإسلامية في البرازيل.
وتعد البرازيل أكبر دول أميركا اللاتينية مساحة حيث تبلغ (8.500.000) ثمانية ملايين وخمسمائة ألف كيلومتر مربع، وأكثرها سكانًا، حيث يقدر عددهم بـ 200 مليون نسمة، ويدين 98% من الشعب بالديانة المسيحية وأغلبهم من الكاثوليك .
طبائع الشعب البرازيلي
ويقول رئيس المجلس الأعلى للأئمة إن الشعب البرازيلي يتميز ببساطته وتواضعه، ويتربى في بيته ومدرسته على حسن المعاملة وعدم التعصب.
وينقل الشيخ تقي الدين عن الشيخ محمد بن ناصر العبودي الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي الذي كان زار البرازيل أكثر من مرة وألف حولها 12 كتابًا تعد سلسلة مهمة في أدب الرحلات، قوله: quot;وحسن المعاملة أمر عرفناه من البرازيليين سواء في الطائرات أو خارجها، وهم في هذا الأمر ليسوا من المجاملين المنافقين الذين يجاملون الناس من أطراف ألسنتهم، أو من نواحي شفاههم، بل إنهم يفعلون ذلك بصدق وإخلاص، عرفنا ذلك منهم، وعرفه عنهم من عاشروهم من بني قومنا المقيمين بين أظهرهمquot;، من كتاب على أرض القهوة البرازيلية للشيخ العبودي صفحة 10quot;.
ويضيف الشيخ محمد العبودي في كتاب آخر عن البرازيل quot;رأيت فيها شعبًا ودودًا واضح التفكير، حسن المعاملة، يشعر بالمساواة الإنسانية ويمقت التفرقة العنصرية بين السكانquot;، (كتاب في غرب البرازيل).
وقال إن الكثير من الباحثين تعرضوا لهذا الأمر وبينوه، ومن بين ذلك الدراسة التي قامت بها الأستاذة شيماء حطب حيث قالت حول إيجابيات العمل الدعوي في بلاد أميركا اللاتينية: quot;ما تتميز به شعوب أميركا اللاتينية من التسامح والانفتاح على ثقافات الآخرين، وهذا لايوجد في بعض الدول التي تتميز بالعنصرية والكراهية ...... عدم وجود أي إرهاصات أو نعرات قديمة مع شعوب أميركا اللاتينية بعكس الدول الأوروبية التي تنظر إلى المسلمين بعين وتنظر إلى الحروب الصليبية بعين أخرى quot;، (كتاب أمتي في العالم صفحة 771).
السياسة البرازيلية والجالية الإسلامية
وعن السياسة البرازيلية للتضامن مع قضايا العالمين العربي والإسلامي، يقول الشيخ تقي الدين إنها درجت على تفعيل قيام تحالف اقتصادي وسياسي بين الحكومات العربية واللاتينية وتمثل ذلك في عقد مؤتمري البرازيل 2005 والدوحة 2009، وقد تمثلت هذه السياسة في الانفتاح الاقتصادي الفعال على الحكومات العربية والإسلامية مما رفع حجم التبادل التجاري إلى 18 مليار دولار، وتدعم الدولة البرازيلية القضية الفلسطينية وتم افتتاح مكتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في برازيليا، وكذلك مكتب للحكومة البرازيلية في مدينة رام الله، والبرازيليون داعمون لمشروع السلام في الشرق الأوسط، والذي يتضمن إعادة حقوق الشعب الفلسطيني كاملة.
وحسب رئيس المجلس الأعلى للأئمة والشؤون الإسلامية، فإن البرازيل تعد نموذجًا حقيقيًا للتعايش السلمي والاحترام المتبادل بين الأديان المختلفة، وتكفل الحكومة البرازيلية حرية الأديان وممارستها والدعوة إليها ونشرها، وتساعد الحكومة المؤسسات الإسلامية التي تريد بناء مساجد أو مدارس بمنحها أرضاً مجانية لإقامة مشاريعها عليه، وقد صدر قرار جمهوري باعتبار يوم 25 مارس من كل عام يوماً لتكريم الجالية العربية، وقرار آخرمن برلمان ولاية quot; ساو باولوquot; باعتبار يوم 12 مايو من كل عام يوماً للإسلام، وقرار ثالثمن برلمان البرازيل باعتبار يوم 29 نوفمبر من كل عام يوماً للتضامن مع الشعب الفلسطيني ، والدستور البرازيلي يكفل للمرأة المسلمة استخراج الأوراق الرسمية الهوية وجواز السفر بالحجاب.
المسلمون في البرازيل أكبر جالية
وتعد الجالية المسلمة أكبر جالية من حيث العدد في أميركا اللاتينة إذ تقدر بـ مليون ونصف مسلم، وهم منحدرون من أصول شامية وبعض الجنسيات الأخرى وممن اعتنق الإسلام من أبناء البرازيل، وسنعرض لأهم المحطات التاريخية لتواجد المسلمين في البرازيل .
ويقول الشيخ تقي الدين إن أكثر الروايات تؤكد أن مكتشفي أميركا والبرازيل إصطحبوا معهم بعض المرشدين المسلمين المتمرسين في علوم البحار، توجد بعض الروايات التي تتحدث عن هروب بعض المسلمين quot;المورسكيينquot; من محاكم التفتيش في إسبانيا إلى البرازيل، أقيمت لهم محاكم تفتيش من قبل البرتغاليين في مدينة باهية 1594م، وتم تحديد بعض المواصفات التي تبين من هو مسلم سراً ونصراني جهرًا quot; الاغتسال ndash; الاستيقاظ المبكر ndash; الصيام ndash; نظافة الملابسquot;.
استقدام العبيد من أفريقيا
ويضيف رئيس المجلس الأعلى للأئمة والشؤون الإسلامية في البرازيل أن ملايين من العبيد تم استقدامهم من أفريقيا، كانوا يجيدون الكتابة والقراءة، وكانوا أصحاب حضارة وثقافة عالية، كان quot;الماليزquot; يتمتعون بمستوى ثقافي عالٍ إذا ما قورن بمستوى البرازيليين، وكانوا قادرين على القراءة والكتابة باللغة العربيةquot;، لقد أقر البرتغاليون أنفسهم بأنه quot;لولا العبيد الأفارقة ما استطاعوا أن يجنوا ثمرة واحدة من البرازيل وما استطاعوا أن يفعلوا ما فعلوهquot;.
وقال الأستاذ أحمد شاكر: quot;الزنجي هو الذي صنع البرازيل هذه هي الحقيقة الكبيرة لم يكن ممكناً أن تتحول هذه القارة إلى أرض مأهولة زراعية ومدن ومناجم وطرق دون الزنجي الذي أعطاها جسمه وروحه معًا وحضارته الإسلاميةquot;.
ويقول الشيخ تقي الدين إن الإسلام ليس غريًبا على البرازيل فقد وصلها مع العبيد الأفارقة الذين حافظوا على إسلامهم، وكادت أن تقوم لهم دولة بعد حركة جهادية مستمرة كان آخرها quot;ثورة العبيدquot; عام 1835م ولكنها أخمدت، وبدأ صوت الإسلام يخفت في هذه البلاد.
المرحلة الثالثة للهجرة الحديثة
ويتحدث رئيس المجلس الأعلى عن المرحلة الثالثة للهجرة الحديثة للعرب، وقال انها بدأت إلى البرازيل عام 1867، بعد زيارة قام بها إمبراطور البرازيل لكل من لبنان وسوريا ومصر، بدأت هجرة المسلمين عام 1914 وازدادت بعد عام 1936، وظلت هذه الهجرة في الازدياد، وخصوصاً بعد النكسات والنكبات والحروب التي كانت تشهدها بلاد المسلمين .
واضاف انه منذ ذلك الحين بدأ المسلمون يهتمون بشؤونهم الإسلامية نتيجة حتمية لاستقرارهم في البرازيل، وكان أغلب الذين هاجروا من أصحاب الحرف والمزارعين البسطاء، وقد انصب اهتمامهم في المحافظة على أداء بعض الشعائر الدينية، وتعليم دروس اللغة العربية لأبنائهم، ولذلك لم تنتقل الدعوة الإسلامية خطوات إلى الأمام، وظلت أسيره داخل بعض المساجد أو ممارسة بعض العادات والتقاليد .
وقال إن غالبية هؤلاء المهاجرين وصلوا من لبنان ثم فلسطين فسوريا وبقية البلدان الإسلامية الأخرى، وتتراوح التقديرات لأعداد المسلمينحوالي مليون ونصف، ويتمركزون في ولاية ساوباولو حيث يوجد فيها 70%من المسلمين، ثم ولاية بارانا، ثم بقية الولايات quot;ريو جراندي دوسول ndash; باهيا ndash; ريو دي جانيروquot;.
بدايات العمل الإسلامي
وأشار الشيخ تقي الدين إلى أنه كان لوصول الشيخ الدكتور عبد الله عبد الشكور كامل مبعوثًا لوزارة الأوقاف المصرية لمسجد البرازيل عام 1956م أثر عظيم في التأسيس للدعوة الإسلامية الحديثة، حيث استطاع أن يؤسس المدرسة الإسلامية البرازيلية بضاحية quot;فيلا كارون quot;، والمقبرة الإسلامية في ضاحية quot;غواروليوسquot;، وناديًا اجتماعيًا في ضاحية quot;سانتو أماروquot; للقاء العائلات المسلمة.
وقال إنه تتلمذ على يدي الشيخ عبدالشكور الكثير من قيادات العمل الإسلامي في البرازيل منهم الحاج حسين الزغبي رحمه الله مؤسس اتحاد المؤسسات الإسلامية في البرازيل، والأستاذ سمير الحايك صاحب أول ترجمة لمعاني القرآن الكريم باللغة البرتغالية، والدكتور حلمي نصر صاحب ترجمة معاني القرآن باللغة البرتغالية المعتمدة من مطبعة الملك فهد، والأستاذ عز الدين البعلبكي مؤسس مجلة الرسالة وله الكثير من الكتب حول الإسلام في البرازيل، والأستاذ محمد سعيد صالح من قيادات العمل الإسلامي في لبنان.
واضاف أنه يعود للدكتور عبد الله عبد الشكور كامل الفضل في انعقاد أول مؤتمر إسلامي بأميركا اللاتينية عام 1970م والذي حضره وزير الأوقاف وشؤون الأزهر الدكتور عبد العزيز كامل وفضيلة الشيخ محمد بن ناصر العبودي نائب الأمين العام السابق لرابطة العالم الإسلامي.
ويعتبر هذا المؤتمر علامة تحول كبيرة في تاريخ الدعوة الإسلامية داخل البرازيل، حيث قامت المملكة العربية السعودية بإرسال الدعاة، وكان أول من تم ابتعاثه الشيخ أحمد صالح محايري عميد دعاة البرازيل أطال الله عمره، حيث قام بمجهود طيب وزيارات متتالية لكثير من تجمعات المسلمين أسفرت عن تبني المملكة بمساعدة الجالية المسلمة في البرازيل في بناء الكثير من المساجد والمراكز الإسلامية.
الواقع الدعوي في البرازيل
وقال إن أرض البرازيل واسعة، وكذلك أعداد المسلمين الذين يتوزعون على الولايات البرازيلية المختلفة، ونستطيع تشبيه العمل الدعوي فيها مثل المطر الخفيف الذي ينزل على الأرض القاحلة، فمهما قدمت من أعمال دعوية فالبرازيل تحتاج إلى المزيد.
ونوّه الشيخ تقي الدين إلى أنه لا يوجد إحصاء دقيق لعدد المؤسسات الإسلامية، ولكنها تقدر بـ 80 مؤسسة، وكذلك يقدر عدد المساجد والمصليات بحوالي 110 مساجد، فيما يبلغ عدد الدعاة والمشايخ 65 شيخاً وداعية، ويعجز هذا العدد عن القيام بشؤون المسلمين المختلفة ويحتاج لمزيد من الترتيب والتنسيق والتعاون وتوزيع الأدوار حتى يقوم بهذه المسؤولية العظيمة.
* الحلقة التالية: المسلمون البرازيليون الجدد