أعتقد أن خلافات الأتحاد الوطني الكُردستاني بزعامة الرئيس العراقي جلال الطالباني، مع حركة التغيير بقيادة نوشيروان مصطفى، لها أبعاد عديدة و هي معقدة الى حد كبير، بل تثير القلق لحد الخشية أحياناً من تحولها الى صراع مسلح، فالإتحاد ينظر أساساً الى هذه الحركة و كأنها نتيجة لمؤآمرة عدد من قياديه السابقين الذين يعتبر الأتحاد بأنهم أنشقوا عنه بمحض إرادتهم ليس لأنهم، كما يرى الإتحاد، يحملون برنامجاً إصلاحياً، و أنما لمصالح سلطوية و سياسية، أو شخصية و مناطقية مُخادعة، أو لتشتيت وحدة صفوف الأتحاد الوطني، أما حركة التغيير فهي من جانبها غاضبة جداً من مواقف الإتحاد تجاهها و خاصة محاولات الأتحاد المتواصلة لإضعاف نفوذ الحركة و ضرب قاعدتها الجماهيرية من خلال العمل على إعادة كوادر الإتحاد المنشقة عن الحزب الى صفوف الحزب ثانيةً..
بعبارة أخرى، الأتحاد يعتبر حركة التغيير حركة غير موضوعية أصلاً و لاتُعَبر، في نظره، عن إرادة حركة إجتماعية أو سياسية مستقلة، لأنها، في رأيه، تكونت، في المقام الأول، تحت عنوان جناح الإصلاح للأتحاد و بذريعة هذا الشعار و الإتجاه بالذات، بينما سرعان ما تحول هذا الجناح، فيما بعد - مستغلاً الرأسمال الرمزي و المعنوي و المادي للإتحاد - الى كتلة سياسية ومن ثم، شيئاً فشيئاً، الى قائمة إنتخابية مستقلة و لكن على حساب الإتحاد و من خلال إقناع الناس و جزء من قاعدة الأتحاد الجماهيرية، معتبراً هذا الجناح، على الأقل في خطابه المستور و في سُبُل تنظيم كوادر و أعضاء الأتحاد، أن قائمتهم هي جزء من الإتحاد الوطني. و فعلاً لم تعلن قيادات قائمة التغيير أستقلاليتهم عن الإتحاد إلا بعد أن تأكدوا من أن الإتحاد سيغلق ملف قياديه المنشقين/ المستقيلين، أضافة الى حقيقة أخرى هي أن أغلب الوجوه الذين قادوا هذه القائمة و الحركة في الإنتخابات المحلية التي أجريت في 25 /7/2009 و لايزال هم فعلاً من قيادي الأتحاد السابقين، بل رئيس الحركة نفسها، السيد نوشيروان مصطفى، كان نائباً للطالباني منذ تأسيس الحزب 1975 لغاية 2006.
أما قائمة التغيير فهي الأخرى ينطلق موقفها المتشنج من الأتحاد من خشية صارت أمراً واقعاً بفعل الأحداث و المستجدات على الساحة الكرُدية، وهي إستغلال الإتحاد لعدم وصول الحركة الى السلطة و عدم إمكانية هذه الأخيرة لتنفيذ وعودها لقواعدها، و هذا ما حصل حصراً و مايزال على أرض الواقع، سيما إذا ما عَلِمنا أن المؤتمر المصغر للإتحاد ( plenum) الذي أجري في 29-30 من أكتوبر 2009 قد تبنى قراراً يقضي بإبقاء الباب مفتوحاً أمام الكوادر المنشقة عن الحزب بأستثناء القياديين الذين يعتبرهم الأتحاد بأنهم خرجوا عن برامج و منهاج الحزب و ضللوا الكثير من جماهير الإتحاد لجرهم الى صفوفهم.
بمعنى آخر، يمكننا القول أن الأزمة في علاقة الأتحاد بحركة التغيير هي أساساً أزمة معقدة للغاية، بل ربما غير قابلة للإنفراج و الحل في المدى المنظور طالما أنحصر صراع الحركة مع الأتحاد و أستهدافه فقط و طالما أعتبر الأتحاد من جانبه أن هذه الحركة هي حركة غير موضوعية و أنما هي نتيجة لخلافات الأتحاد الداخلية أستغلتها مجموعة من القيادات السابقين لتصفية الحساب مع الإتحاد و إضعافه على ما يعتقد الأتحاد.. أما رأيي فهو أنه طالما ينظر الأتحاد الوطني و كأنه أسد جريح يتألم وسط غابة الصراع بسبب فخ ذراع له لأذرعته الأخرى، أي ( خيانة بعض من قياديه للحزب ) على حد تعبير بعض من القياديين الحاليين في الأتحاد و عدم رؤيته للأفخاخ الأخرى السياسية التي ربما ستضعها له القوى الأخرى داخل الأقليم أو خارجه نتيجة إنشغال الأتحاد المفرط في الصراع على هذه الجبهة، فلا يمكن توقع أي أنفراج مرتقب في الأزمة، سيما مع ملاحظة الحملات الأعلامية المتهورة التي يشنانها الطرفان على بعضهما البعض و التي وصلت اليوم لحد الشتائم و الإتهامات الخطيرة و الإفتقار الى الحد الأدنى من العقلانية و الموضوعية. أما الوجه الآخر للأزمة، فهو، للأسف، خطورة توظيف الذاكرة السياسية لدى رموز الأتحاد و القادة المنشقين عنه لأهداف سياسية و مرام دعائية ضد بعضهم البعض و لكن بخطاب سرد الحقائق طبعاً !، فكل من طالع، مثلاً، الصحف و المواقع الألكترونية الكردية في الفترة الأخيرة، سرعان ما أتضح له بأن هذا اللعب بالذاكرة السياسية خرج عن دائرة كتابة المذكرات أو الشهادة على العصر، أي البيان الموضوعي و العقلاني و الحضاري للأحداث السياسية للحركة الكردية أو أحداث مابعد الإنتفاضة، أو لإعلان الحقائق و خفايا الأمور، و أنما تحول الى سجالات عنيفة بل مُسببة في تفاقم الأزمة أكثر وتأجيج الصراعات السياسية و الشخصية منها بين الجانين، بحيث نقرأ الآن في هذه المواقف، للأسف، أن تاريخ هذا الحزب، الذي لاريب في أنه فيه الكثير من الأمجاد للحركة الكردية و الشعب الكردي بل العراق عموماً، بات يتعرض اليوم لحملة قاسية من الأساءات بل أبشع الأسقاطات و لكن هذه المرة ليس على يد الأعداء أو الغرباء كما كُنا نقول في الماضي وأنما على يد قياديه بالذات، إن كانوا داخل صفوف الإتحاد أم خارجه، و الحال هو أن هذه الأزمة، في النهاية، لن يستفيد منها أحد إلا الأعداء أو المستغلين داخل الطرفين، و لاننسى هنا أن في كل طرف ثمة عناصر راديكالية و غير عقلانية تروم المزيد من السجالات السياسية والإعلامية المتهورة تأجيجاً منها للأزمة دون أخذ نتائج هذه الأزمات بالحسبان، و الأسوأ هو أن هذه العناصر- للأسف - أعجز بكثير من أن تُقدّر عواقب هذه السجالات الخطيرة على الوضع الدقيق لحركة التغيير، أو سمعة الأتحاد و تحلافاته أو صراعاته و مسؤولياته من جانب، و من جانب آخر على وحدة صفوف الكُرد في هذه اللحظة التاريخية الحرجة و الحساسة التي يمر بها أقليم كردستان، لاسيما و نحن على أبواب إنتخابات العراق المقبلة. و لا أشاطر شخصياً نشر الأتحاد الوطني، قبل أيام، لكافة الفقرات الواردة في التقرير العام الذي قدمه الرئيس الطالباني في المؤتمر المصغر للحزب حتى و إن دعت الضرورة بيانه داخل المؤتمر، خاصة أن حركة التغيير، حسب المعطيات الجديدة على الساحة السياسية، لم تعد تشكل تهديداً ملحوظاً للإتحاد كما كان في الماضي، بل هي، في أحسن الأحوال، بدأت تتخذ موقفاً دفاعياً في ظل تشرذم قاعدتها الجماهيرية التي تمحورت حولها في الإنتخابات الأخيرة، هذا فضلاً عن حقيقة أخرى، ربما تجاهلها الأتحاد الى حد ما، و هي أن نهضته مجدداً، كحزب جماهيري، لاتقوم على الصراع مع الآخر فقط أو ألقاء مسؤولية أوضاع الإتحاد كلها على كاهل الآخر المُصارع له دون غيره، و أنما النهضة هذه تقوم على الإصلاح الذاتي الحقيقي للحزب و تنظيم صفوفه و ترسيخ مباديء تداول السلطة و تجديد القيادة و القبول بالنقد و النقد الذاتي و كذلك مواصلة التغييرات التي يجريها حالياً، إضافة الى إجتثاث ظاهرة الولاءآت الشخصية و التكتلات الداخلية الخبيثة. وأقول بجملة: هذا هو الرهان الأساس و السبيل القويم لإعادة هذا الحزب الكردي الى سابق عهده المزدهر و لا خيار من دونه.
* رئيس تحرير مجلة ( والابريس ) كُردستان العراق
التعليقات