من الممكن ان نختار العقل العربي نموذجاً لدراسة اسباب الواقع المتردي في الشرق الاوسط لان العرب هم الشريك الاكبر في صياغة آلية التفكير هناك على الرغم من اختلاف القوميات والاعراق وحتى الاديان في الشرق..

العرب تفاعلوا مع قضية الاسلام منذ الضوء الاول لظهور فكرة الدين الجديد في جزيرتهم القاحلة التي هي ليست بذي زرع ولا ذي ماء. و كانت الفكرة مهمة لديهم خصوصاً بعد وفاة النبي محمد (ص)، اذ تحولت الى اجندة سياسية واقتصادية للتمدد خارج تلك الارض المقفرة. ومن هناك بدأ الصراع بين العائلات القوية للسيطرة على ذلك الدين الذي يحتوي على المواد الاساسية لاجندات التمدد بالنظر لقدرة ذلك الدين على الاقناع واستخدام المقدس ومرونة التفسير.

ومنذ ذلك التاريخ الى الوقت الحاضر استُخدم الدين الاسلامي لاغراض ومصالح دنيوية ادت به في ظاهره على الاقل الى الانحراف التام عن فكرة النبي والقرآن الكريم الذي اريد للاسلام ان يكون دين محبة وتسامح وتربية وتعليم... تحول الى دين سياسة وتصادم مع الاخرين كأي حزب سياسي يناضل من اجل مصالح وافكار وسياسات باسلوب ميكافيلي (من تشريع القتل والاغتيال الى زراعة وتجارة الافيون والتفجير والقتل الجماعي) واتباع سياسة الارض المحروقة والغاية تبرر الوسيلة حتى اصبح هذا الفكر والتوجه الجديد يهدد الامن والسلم العالميين..!! وقد توضح ذلك جلياً هنا في ساحة الغرب على الرغم من ان هذا الكلام مرفوض من قبل المسلمين المعتدلين الا ان الصورة هنا مع الاسف هي ما رسمناها مترجمة من الصحف الغربية حيث مهما حاول الخيرون توضيح فكرة الاسلام الحقيقية وازالة اللبس عنها الا ان الخلط قد استفحل وصار التمييز من الامور الشائكة.
تاريخياً هناك اسقاطات منحرفة ومترجمة الى الغرب تظهر الصورة كما نسوقها بان الدين الجديد الذي ظهر في جزيرة العرب لم يكمل مهمته بالنظر لوقوعه في ايدي اصحاب الاجندات السياسية منذ وفاة مؤسسه.

وبالعكس صار سبباً في بناء اعتى الدكتاتوريات في العالم القديم والحديث مثل الدولة الاموية الاولى والثانية والدولة العباسية والسلطنة العثمانية وانتهاءأ بدكتاتوريات مصر وسوريا والعراق وايران وغيرها، انتهكت تلك الدكتاتوريات حرمة الانسان ولم تحسن حياة البشر وتجاوزت على نظم الاصلاح الانساني ومارست القتل والفساد انى طالت يدها.

الوصاية على الاخرين.

تتجلى هذه الالية الخطرة بوضوح في الشرق العربي التي تأكل بالمجتمع منذ الاف السنين، فالذي اغتال الخليفة الثاني عمر والخليفة الثالث عثمان والخليفة الرابع علي كان يعتقد بانه انطلق من النص القائل: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده... ولكون الفاعل شخّص المنكر فقد بادر الى تغييره لاصلاح امور الامة وهكذا فرض مشروع اصلاح الامة قتل الحسين ابن بنت النبي ومحمد باقر الصدر ومحمد باقر الحكيم وبائعي الخضرة وطلاب المدارس والمترجمين والاطباء في العراق من اجل تغيير المنكر وارجاع الجيش الامريكي الى بلاده!!!!

ان الغرابة في الاغتيال السياسي في صدر الرسالة الاسلامية تكمن في كونه مورس بتخطيط وترصد من قبل اصحاب اجندة سياسية ومصلحية وباستغلال النظرية الدينية الجديدة ورؤيتها للدين والاصلاح وحماية تلك النظرية ذاتها- كما اعتقدوا- من الانحراف. او على الاقل ذلك ماكان يعلن عنه في حينه. نفس هذا الانحراف مورس في الوقت الحاضر وبنفس الرؤى واستخدام المقدس، اذن هي ذاتها الادوات العقلية في الذهن العربي التي فرضت قانون النهي عن المنكر وخططت ونفذت للاغتيال السياسي في صدر الرسالة كانت تدعم مشروع الاجندة السياسية، وقد توضحت الصورة فيما بعد سياسياً في بناء المملكات وليس دينياً في اصلاح الناس كما اعلنت الرسالة عن نفسها وتلك هي جذور الازمة.

فريقان اشتركا في الازمة

الفريق الاول: وهو فريق تعرض الى غسل دماغ و يرى الدين نصوص ومسلّمات يمكن تطبيقها بدون الرجوع الى الحاكم القانوني في البلد او المسؤول عن فرض القانون وهي قوى تنظم سرياً في الظلام حتى ولو كانت الامور تستدعي الانتحار وقتل الناس لانها تكتسب الشرعية من اصحاب الشأن والحل والعقد في الفريق الثاني الذي تتطلب اهدافه تأسيس قوى ضاربة متدينة ومسلحة بافكار تبريرية ومنحرفة مأخوذة من الدين الجديد منذ تأسيسه الى الان.
الفريق الثاني: هو الاذكى وصاحب اجندة السيطرة المصلحية التي تستدعي ايجاد ادوات مؤمنة وموقنة بانها تنفذ (ارادة الهية) وستدخل الجنة، وبذلك تمت المقايضة بصفقة كبيرة بين الفريق الثاني الذي سيحكم الارض ويفرض دين الله على عباده ndash; شعارات ترفع للمحافظة على المصالح - وبين الفريق الاول الذي سيذهب الى الجنة ويعيش خالداً مع الحور العين!!

الا ان مبدأ الوصاية ينبعث ويتجدد باستمراربدفع وتشجيع من الفريق الثاني الذي يقوم باحياء الفكر التحريضي والتبريري عن طريق تضخيم النص الديني ولويه واستخدامه مثل صمامات صاعقة جاهزة يستخدمها وقت اللزوم، مستغلاً الدعم اللوجستي والاموال التي ترصد لهذا الغرض وتستغل الادوات المتوفرة كتكفير بعض الطوائف الدينية وهدر دم المعتقدين بالاديان الاخرى كالنصارى واليهود وهكذا في كل زمان من ازمنة العرب الذي ما انفك ان يفارقه هذان الفريقان وادواتهما الخالدة
احياء الوصاية عن طريق استخدام الاعلام المعاصر جعل الامور ميسرة امام الفريق الثاني الذي صار يضرب باي مكان يراه( منكراً) واجب التغيير باليد والمتفجرات وتفخيخ السيارات وتلغيم الاجساد الادمية للتنعم بالخلود مع الحسان وتناول الطعام على مائدة الرسول.

استغلال المسلمات
في حين وجد الفريق الثاني (الاكثر خبثاً واستراتيجية ) ان الدعم اللوجستي للمعركة الدائرة هو ليس الاموال فحسب بل هي المسلّمات الموجودة بداخل كل مسلم والية العقل العربي للتعامل معها مستغلاً ضروف الواقع العربي السيءففلسفة الموت في الاسلام مثلاً تتحول الى حياة سعيدة اذا كان الموت بسبب الجهاد في سبيل الله، ولكن من يحدد فكرة الجهاد؟ ومن هو العدو؟؟ هنا جاء دور الفريق الاستراتيجي الثاني ليشخص العدو و يسيطر على زمام الامور والعمل على استخدام تلك المسلّمات وتحويلها الى مادة متفجرة بوجه العدو المفترض!! والعدو الذي يحدده الفريق الثاني:-

هو كل من يقف بوجه التوسع للاجندة المصلحية المؤمل استثمارها. كما هو الحال في استخدام تلك السياسة في تنفيذ الاغتيال السياسي لخلفاء المسلمين ومن ثم سيطرة اصحاب الفريق الثاني على مقاليد الامور بعد تقاسم السلطة بين عوائل النفوذ والقوة في الجزيرة العربية انذاك.

لكن بقيت تلك الالية المنحرفة في الذهنية العربية تشكل احدى اليات العقل العربي التي تتحكم بمصير الملايين من المسلمين، وانتشرت تلك الالية المنحرفة في ذهنية الملايين منهم في الوقت الحاضر كإحدى آليات الانحراف في العقيدة والفكروالعقل العربي والإسلامي والذي لا يمكن التخلص منها طالما يوجد فريق الاستراتيجية الذكية الذي يغذي التطرف وينفخ بالمسلّمات العقيدية كالجهاد ومفهوم الشهادة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وفريق التدين المتطرف الذي لا يستند الى العقل والمنطق.

[email protected]
MSUM جامعة منيسوتا