فيما توشك السنة الإيرانية الجارية lsquo;التي وصفت بأنها من أسوء السنوات التي مرت على الشعوب والقوميات الإيرانية تحت حكم الملاليlsquo; على الانتهاء حيث لم يبقى منهم سوى اقل من أسبوعينlsquo; إلا ان سياسة القمع والإذلال التي تستهدف أبناء هذا البلد ماتزال جارية على ذات الوتيرة التي ابتدأ بها الملالي نهجهم القمعي الرافض لكل كلمة اعتراض تقال ضد أسلوب حكمهم الفاشي وممارساتهم التعسفية lsquo; من دون نهاية أو توقف، و رغم ما شهدته إيران في هذه السنة الشمسية من انتهاكات كبيرة ومتعددة لحقوق الإنسان lsquo; و إرهاصات وحوادث سياسية بالغة الأهمية lsquo; إلا ان موضوع الملف النووي الإيراني بقي هو الطاغي على السطح وقد اخذ حيزا كبيرا جدا من الاهتمام العالمي على حساب قضايا انتهاك حقوق الإنسان والقمع السياسي الآخذ بازدياد مضطرد في إيران عام بعد عام، فلو عددنا الاجتماعات التي عقدتها الدول الكبرى خاصة والدول الغربية عامة لمناقشة موضوع الملف النووي الإيراني وما صدر عن هذه الدول من بيانات وتصريحات و ما جرى اتخذه من قرارات في هذا الشأن قياسا بما صدر من هذه الدول حيال قضايا حقوق الإنسان في إيران لوجدنا ان الموضوع الأخير لم يأخذ من اهتمامات هذه الدول شيء يذكر رغم ان هذا الموضوع كان على رأس اهتمامات الولايات المتحدة الأمريكية و الدول الغربية أيام نظام الشاه محمد رضا بهلوي lsquo; و التي على أساسه ساندت الخميني والمعارضة الإيرانية آنذاك للإطاحة بالشاه، أما اليوم ورغم كل ما تشهده إيران من انتهاكات لحقوق الإنسان إلا ان أمريكا والدول الغربية تحاول تقديم الموضوع المؤجل (موضوع الملف النووي) على القضايا المعجّلة ( قضايا حقوق الإنسان ) lsquo; ونحن هنا طبعا لا نقلل من خطورة الملف النووي الإيراني ولكن كان من الاجدر بهذه الدول ان لا تتعامل مع قضايا الانتهاكات الإنسانية التي تشهدها إيران وكأنها موضوعا ثانويا lsquo;فقد تسبب إهمال هذا الملف في تمادي نظام الملالي في ممارسة المزيد القمع و الانتهاكات بحق الشعوب الإيرانية lsquo; فهذه الانتهاكات التي تم رصدها وتسجيلها رسميا من قبل منظمة الأمم المتحدة والكثير من المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان قد أكدت الوقائع انها اخطر بكثير من موضوع الملف النووي حيث أصبح هذا الملف وسيلة بيد نظام الملالي للتشويش على أذهان الرأي العام الداخلي والخارجي وحرف أنظار العالم عن المشكلة الحقيقية في إيران والمتمثلة في أسلوب الحكم الديكتاتوري و انتهاكات حقوق الإنسان.


وبهذا الصدد فقد سجل المقرر الخاص للأمم المتحدة حول أوضاع حقوق الإنسان في إيران النمساوي quot; مانفرد نوُواك quot; في صيف عام 2009م اكثر من ثلاثة مئة حالة تعذيب في السجون الايرانيةlsquo; و اعرب في تقريره انذاك عن قلقه من ان الاحكام الصادرة بحق المعتقلين والمبنية على الاعترافات الاجبارية المأخوذة منهم.


اما الامين العام لمنظمة مراسلون بلا حدود السيد quot; جان فرنسوا جوليارquot; فقد أكد في تقريره الخاص بإيران مؤخرا عن قيام السلطات الإيرانية باعتقال خمسة وستين صحفيا و كاتبا منذ اندلاع الأحداث التي تشهدها البلاد والتي جاءت اعتراضا على تزوير الانتخابات الرئاسية الأخيرة lsquo; مؤكدا ان هذا الرقم يعد سابقة ليس لها مثيل طوال الخمسة والعشرين عاما الماضية من عمر المنظمة، و بهذا تكون إيران قد سجلت الرقم القياسي في عدد الكتاب والصحفيين الرازحين في سجونها، أما بشأن حالات الإعدام التي تشهدها إيران فإنها بلغت حدود الكارثة حيث احتلت إيران في العام 2009م المرتبة الثانية بعد الصين من حيث عدد حالات الإعدام ، فقد جرى تنفيذ أكثر من 346 حالة حسب إحصائية منظمة العفو الدولية التي أكدت حصول 115حالة اعدام في غضون خمسين يوما فقط عقب تفجر الأحداث الجارية.


و لكن رغم كل هذه الانتهاكات المأساوية بقي الاهتمام الغربي الرسمي بقضايا حقوق الإنسان في إيران دون الحد الأدنى حيث لم تتجاوز مواقف هذه الدول أكثر من صدور بعض بيانات الإدانة العابرة والخالية من أي قرار عقابي وهذا ما شجع نظام الملالي على الاستمرار بسياسة انتهاك حقوق الإنسان بشتى الطرق والوسائل.


لذا نعتقد ان حل موضوع الملف النووي الإيراني من دون الأخذ بنظر الاعتبار ملف قضايا حقوق الإنسان في هذا البلد يبقى أمر مستحيل، فنحن على قناعة راسخة ان رعاية الحريات و الدفاع عن القيم الإنسانية و المطالب المشروعة للشعوب والقوميات الإيرانية المختلفة lsquo; و الاهتمام بقضايا حقوق الإنسان في إيران بشكل عام lsquo; سوف يكون لها تأثير بناء في التحول السياسي و الاجتماعي في هذا البلدlsquo; وأنها سوف تسهل بشكل كبير عملية حل أزمة الملف النووي وتبعد خطر نشوب أي حرب جديدة في المنطقة.