بارعٌ في لفت الانظار والأضواء إليه!. وأكثر براعةً في إطلاق المفقرعات السياسيَّة، في دافوس، وفي عواصم شرق أوسطيَّة وإسلاميَّة!. خطيبٌ كليم، وممثِّل وفنَّان، ولاعب كرة قدم، بامتياز!. يقاتل من إجل تركمان العراق، ويخاتل ويناور ويراوغ من أجل أكراد تركيا!. يعتبر الصهر القومي الذي يتعرّض له الأتراك في ألمانيا، quot;جريمة ضدّ الإنسانيّةquot;، ويتنكّر للمذابح التي ارتكبت بحقّ الأرمن والأكراد، وبحقّ لغاتهم وثقافتهم ومثقفيهم وسياسييهم من قبل الدولة التركيَّة!. يقول: quot;لا أحد فوق القانونquot;، ويقلق، إنْ قارب القانون حزبه، وأرصدته الشخصيَّة، ويخت نجله، وأرصدة صهره!. يتدخّل في الإعلام، والأحلام والكلام، الذي يجب أن يُقال في تركيا، والذي يجب ألاّ يُقال!. أحكمَ حصاره على الدولة. بحوزته البرلمان، الحكومة، رئاسة الجمهوريّة، البوليس، الاستخبارات المدنيَّة quot;MİTquot;، وقطاع واسع، يزداد اتساعاً من الإعلام المرئي والمسموع والمقروء. ويُشاع أن قسماً من مؤسسة القضاء أيضاً صارت في جيبه. ويُشاعُ أيضاً، أنّه اخترق حصن العسكر، وصار له أعين وآذان هناك!. شعاره الآن: quot;لا أحد فوق القانونquot;، وأيّ قانون؟!، الذي يمكنه أن يستخدمه في ليّ ذارع خصومه. طموح جدّاً، وطمّاع جدّاً، يريد أن تغدو تركيا بلون واحد، وخاتماً في أصبعه، يديرها كيفما، ومتى يشاء!. إنَّه رئيس الوزراء التركي، وزعيم حزب العدالة والتنمية رجب طيّب أردوغان.
يوم 26/2/2010، طالب أردوغان، أصحاب الصحف التركيَّة ورؤساء تحريرها، بالتدخُّل في ما يكتبه كتَّاب الزوايا والأعمدة لديهم. وأشار إلى أن أصحاب الصحف، لا يمكنهم نفي مسؤوليّتهم عمّا يكتبه كتّاب الزوايا لديهم، ولا يمكنهم نفي عجزهم عن التدخُّل في كتاباتهم. ووجّه كلامه لأصحاب الصحف، بما معناه: quot;هم من يدفعون رواتب هؤلاء الكتّاب. لذا عليهم منع نشر المقالات التخريبيَّة الكاذبة التي تخلق عدم استقرار في اقتصاد البلدquot;. إنّه يكيل الكلام بالمال، والمال بالسلطة!. وشبَّه أردوغان الصحف بـquot;الدكاكينquot;، وطالب أن يلتفت أصحابها إليها، بغية الحفاظ على البضاعة، المناسبة لقوانين العرض والطلب لديه!. وذهب أردوغان إلى ان سبب quot;انخفاض مؤشر البورصة التركية 6 بالمئة، كان بعض المقالات التي تنشرها بعض الصحف، والتي تضخِّم الأمور، وتزعم أن ثمّة اشتباك بين أجهة الدولة، حسب قوله!. ووجّه كلامه لأصحاب الصحف: إن تلك المقالات، تسهم في ارباك الاقتصاد، ثمّ تتهمون الحكومة بسوء السياسة الاقتصاديّة!.
تصريحات أردوغان تلك، أثارت عاصفة من الرفض والاستنكار في الكثير من الأوساط الصحفيّة والسياسيّة، واتّهمه بعض الصحفيين، باللاديمقراطيَّة، والعجز عن فهم حقّ حريّة التعبير عن الرأي. وبل ذهبت الكاتبة والصحفيّة في صحيفة quot;بوغونquot;، غولآي غوكتورك، إلى جمع تواقيع كتّاب الأعمدة والزوايا على بيان استنكار لتصريحات أردوغان، وتدخّله في الشأن الصحفي.
أردوغان يقاضي جنرالات متقاعدين، وضبّاط كبار، وبعضهم على رأس عملهم، بخصوص مخطط انقلاب عسكري، كان سينفّذ سنة 2003 ضدّ حكومته. إلاّ أنّه لم يُنفّذ!. ولا يمكن، في أيّ حال من الأحوال، تبرئة ذمّة الجيش، ليس من أيّة مخططات انقلابيّة، سابقة أو لاحقة وحسب، وبل من جرائم كثيرة ارتكبت بحقّ تركيا باسم الدفاع عنها وعن وحدتها وعلمانيّتها وديمقراطيّتها!. لكن، لم يتمّ تنفيذ الانقلاب، إذن، يبقى طيّ النيّة والافتراض!. ولئن اردوغان بلغ من القوّة والغطرسة، مبلغ من يحاكم الناس على نواياهم، فالأجدى به أن يفتح ملفّات جرائم العسكر، في انقلاب 1980، وليس مخطط أو نيّة انقلاب على حكومته سنة 2003، إذا كان فعلاً جادّاً في قوله: ألاّ أحد فوق القانون؟!. وإذا كان أردوغان بهذه الشجاعة والجسارة الوطنيّة، فليفتح ملفّات دائرة الحرب الخاصّة، وأذرع الدولة الخفيّة، وجرائمها ضدّ الأكراد!. ولنترك كل هذا جانباً، إذا كان لا أحد فوق القانون في تركيا، فلجيب أردوغان عن سؤال: لماذا لم يحاكم قتلة الكاتب الارمني هرانت دينك، الذي اغتيل في 19/1/2007 أمام صحيفته quot;آغوسquot; في اسطنبول، حتّى الآن؟!. لماذا دعوى دنيك لا زالت مفتوحة أمام المحاكم التركيّة، ولم يبتّ في الأمر؟!.
مآل الكلام: الجيش يقول؛ أن الحكومة تتدخّل في شؤون القضاء. والحكومة تقول: ألاّ أحد فوق القانون. وكلٌّ يجرُّ القانون صوبه سلاحاً، وقناعاً. وبين هذا وذاك، ثمّة ما هو مفتعل من المعارك الخلّبيّة، وثمّة ما هو حقيقيّ. وربما يظنّ رئيس وزراء تركيا، أن العدالة والتنمية لن تستقيم في هذا البلد، إلاّ بعد أن يصبح الإعلام التركي كلّه في جيب سترته!. نعم، إنّه قناع الاعتدال، الذي هو أخطر من التطرّف المُجاهر والبائن للعلن.
كاتب كردي سوري
[email protected]
التعليقات