quot;الديمقراطية كلمة مرة، ولكن الأمّر منها هو عدم وجودها..quot; (علي عبدالله صالح)

بعد سبع متتاليات من الحرب والموت والأمل والانتظار، وبعد ثلاث تجارب انتخابية و استفتاء تخللها الكثيرمن الصراخ والقليل من العمل، لم تجد حليمة ما أستجد ليعيقها عن العودة لعادتها القديمة، وها نحن ذا مرة أخرى متسمرين أمام الشاشات بانتظار نوري المالكي أو أياد علاوي، أو كليهما أو غيرهما، وها هم بسطاء العراق بانتظار الماء والكهرباء والشارع المعبد والخدمات الصحية والمدارس اللائقة، بينما يلملمون أشلاء قتلاهم بين الحين والآخر أثر مفخخة هنا أو ناسفة هناك.
اليوم تبدو انتخابات آذار وكأنها قد جرت في القرن الماضي، فلم يعد يذكرها أحد بعد العصف الدماغي السياسي والإعلامي الذي مارسته أطراف المعادلة السياسية القائمة، فبات الجمهور غارقا في مصطلحات تلد أخرى يوميا، فمن الهيئة التمييزية إلى الهيئة القضائية والبرلمانية والسباعية، إلى المحكمة الدستورية أو ربما كانت الاتحادية، وإلى المساءلة والعدالة والاجتثاث والتدويل والتعريب والسعودة والأيرنة، وبالنتيجة، وكما حدث قبل أربع سنوات بل وقبل خمسة وثلاثين عاما، سيرضى العراقيون أخيرا بما تيسر كما هو قدرهم دائما.
ليس من المهم أن يحكم نوري المالكي أو أياد علاوي، بل ولا أهمية لكل تصريحات الفائزين في العراقية ودولة القانون، بل وحتى الخاسرين الذين منح صراع الديكة لهم الفرصة للمساومة والابتزاز، فأخيرا هي المحاصصة مرة أخرى بمسمياتها الملطفة مثل دولة الشراكة أو الوحدة الوطنية وأهمية تمثيل الجميع إلى آخر تلك التحويرات العراقية للديمقراطية التي يجب أن يكون فيها الجميع في السلطة ومع السلطة وكأن الحزب أو الحركة لن تكون ما لم تجلس على كرسي ما في وزارة ما، فنحن في مجتمع لا تزال تحكمه قيم السيد والعبد، والتابع والمتبوع، والحاكم والمحكوم. فمن يجلس على الكرسي ليس موظفا لدى الشعب يعمل على تحقيق الرفاهية والعدالة والكرامة المفترضة كما هو الحال في ديمقراطيات العالم، بل على العكس تماما، فالشعب بمجمله موظفون لدى ذلك الجالس على الكرسي يسبحون بحمده ويحزنون لحزنه ويفرحون لفرحه، فقد جاء ليبقى، كما قالها الراحلون السابقون، والقاعدون الظاعنون، وسيقولها القادمون اللاحقون.
قبل أن تسقط القائمتان الفائزتان، إن جاز التعبير، في فخ هوس الصراع اللاديمقراطي على السلطة في بلد لا يزال يئن من تركة قرون من ثقافة الاستبداد والسياط والملك الإله، فقد سقطتا أولا من أعين جمهور الناخبين الحالم بالتغيير عندما هددتا بلساني رئيسيهما بعودة العنف في حال حصول كذا أو عدم حصول كذلك. قالها رئيسا الكتلتين بالحرف تاركين للإتباع والإعلام مهمة الترقيع والتبرير بعدهما، وتوالت السقطات في متتالية مخيفة وصلت إلى التسقيط المتبادل والتشويه الشخصي والأخلاقي، بل لم تغب عنها حتى حيل الفوتوشوب. ولكن إن كان كل ذلك واردا في ديمقراطيات العالم في مواسم الانتخابات، إلا أننا لم نشأ إلا أن نبزهم جميعا بالتهديد بالعنف الذي بات هو الآخر جزءا من اللعبة.
ثقيلة علينا هذه الديمقراطية، تلك البدعة الغربية التي أحضرها الأميركيون معهم من وراء البحار، بعد قرون من الخدر اللذيذ في أحضان الأب القائد خليفة الله على الأرض، فالحياة كانت أسهل واللقمة أرخص ما دام الأب راضيا عنا وعن صمتنا، وما كان أجمل الوقت نقضيه في النرد والدومينو ورش الحدائق بعد الظهر بدل كل هذا السيل من فضائيات الأخبار والمشائخ والعمائم والفاتنات، وهذا الانترنت الشيطاني العجيب الذي اقتحم حياتنا بعد أن كان الخليفة يفكر لنا وعنا. فلنجعلها قناعا نضحك به على ذقون جيوشهم ووزاراتهم ومخططيهم، وغدا سيرحلون ويبقى بيتنا لنا نعبث به كما نشاء ولتذهب الانتخابات وتكاليفها الخيالية إلى الجحيم، ولنعد إلى ما اعتدنا عليه، بأن يفوز الحاكم وإن خسر، ولنعزي نفسنا بمشاهدة الانتخابات البريطانية على الشاشات التي قد لن تبقى لنا طويلا هي الأخرى إذا ما عاد quot;المؤمنونquot; كما يدعون أنفسهم بسلاحهم إلى الشوارع كما يبدو في الأفق.
الخاسر الوحيد في العراق الانتخابي اليوم هو التجربة التي لم نقو على تحمل تبعاتها، ولا عزاء لمن سقطت على رؤوسهم قذائف الهاون يوم السابع من آذار وهم في طريقهم إلى صناديق الاقتراع.