لم يكن يتوقَّع نعيم وأنطوان وشبل أنّْ يؤدي نقدهم وإبداء رأيهم بجلالة رئيس الجمهوريَّة اللبنانيَّة، ميشال سليمان، من خلال مقالات على الفايس بوك إلى توقيفهم والتحقيق معهم، خصوصًا وأنَّ لبنان مشهودٌ له، ولو حبرًا على ورق، بأنَّه بلد الحريَّات وتعدد الآراء، الَّتي تكفلها المادة 13 من الدستور اللبناني، وشرعة حقوق الإنسان الملتزم بها.

ولكن يبدو أنَّ الفايس بوك أصبح يشكِّل مشكلة قوميَّة، وخطر يهدد لحمة الوطن، وناقوس يدق quot;التوافقquot; الذي أتى به سليمان، ونسينا قضايا شبكات التَّجسس الَّتي تتغلغل في العمق اللبناني، وتغاضينا عن مسألة ترسيم الحدود، وأهملنا ملف الكهرباء الَّتي إشتقنا لرؤيتها، وتجاهلنا مشكلة المعلمين والأساتذة وحقوقهم وتعليق تصحيح مسابقات الإمتحانات الرسميَّة، وأغفلنا عن الوضع الإقتصادي الصعب والديون الَّتي يزرح تحتها الشعب اللبناني، إضافة إلى العديد من القضايا الَّتي تهم المواطن اللبناني وتعكِّر عليه صفو حياته، بحكم أنَّ هذه القضايا تعتبر كماليات في ملفَّات الدولة الكريمة.

ولكن quot;القدح والذم والإساءةquot; الَّتي تعرَّض لها رئيس الجمهوريَّة، تمَّ حذفها ومنع التَّعليق عليها على صفحة الفايس بوك، فكيف يمكن التأكُّد من هكذا جرم؟ وما مدى مصداقيَّة التَّحقيقات الَّتي ستتم بهذه القضيَّة؟ وما أدرانا ما قالوا؟

علمًا أنَّ دعوى الحق العام تتحرَّك من دون شكوى المتضرِّر في حال تعرَّضت إحدى المطبوعات إلى الرئيس بما يعتبر مساسًا بهيبة الدولة، وذلك وفقًا للمادة 23 من التَّعديل الصادر في المرسوم الشتراعي رقم 104 تاريخ 30-6-1977، الَّتي تشير إلى ما يلي: quot;إذا تعرضت إحدى المطبوعات لشخص رئيس الدولة بما يعتبر مسًا بكرامته أو نشرت ما يتضمن ذمًّا أو قدحًا أو تحقيرًا بحقِّه أو بحق رئيس دولة أجنبيَّة، تحرَّكت دعوى الحق العام بدون شكوى المتضرر، ويحق للنائب العام الإستئنافي أنّْ يوقف المطبوعة لمدَّة لا تقل عن ثلاثة أيَّام ولا تتجاوز العشرة، وأنّْ يصادر أعدادها، وعليه أنّْ يحيل المطبوعة إلى القضاء الذي عليه أنّْ يقرر في غرفة المذاكرة استمرار توقيفها حتى انتهاء المحاكمة وأنّْ يقضي بالحبسquot;.

ولكن أهل الفايس بوك أصبح مطبوعة؟ وهل المنشورات الإلكترونيَّة تخضع لهذا القانون الهرم؟ وهل من قانون لبناني يحدِّد شروط النشر الإلكتروني ويضع له المعايير والضوابط؟
كما نسأل لماذا لم يهب المدعي العام التَّمييزي لنصرة الدستور والقانون، عندما تعرَّض إميل لحود للـquot;قدح والذمّْ والتَّحقير والتخوينquot;، وقت كان في منصب الرئاسة، طالما هذا الموقع مقدَّس؟

أهل السبب في توقيف أولئك الشبان هو ذمَّهم للرئيس؟ أمّْ أنَّ السياسة والحسابات فعلت فعلها؟ علمًا أن التحري يجري بحق شاب رابع وجَّه إنتقادات لفخامته بسبب الإنتخابات الإختياريَّة الأخيرة، وخصوصًا التَّي جرت في جبيل، مسقط رأس الرئيس.

أهل هو مدخل للحفاظ على التوافق الذي أصبح موضع شك بالنسبة للكثيرين، وإبقاء هالة التوافق محيطة بسليمان، والحفاظ عليها بعيدًا عن النقد والتساؤلات حول أدائه منذ إنتخابه وحتَّى اليوم؟

ما مصير الحريَّة في لبنان؟ أهل سنصبح نسخة طبق الأصل عن الأنظمة المحيطة بنا الَّتي تمنع إبداء الرأي والتَّعبير الَّتي تنحصر فقط في مدح أداء الرؤوساء، وتسليط الضوء على يوميَّاتهم، ونشاطاتهم الترفيهيَّة، والرسميَّة، ومناسباتهم العائليَّة؟

أهل عاد زمن الكبت والقمع أم أنَّه إرث الإحتلال السوري، الذي تشعَّب وتغلغل في أروقة المؤسسات، وضمائر وأذهان الحكَّام والمسؤولين؟
أهل ننعي الحريَّة ونتحسَّر على شبابنا وعلى ثقافتنا وحضارتنا؟

ماذا بقي للشباب اللبناني بعد أنّْ ضاق الفايس بوك بأعين المسؤولين، الذي يعاني من العديد من المشاكل كالهجرة والبطالة والرواتب المنخفضة، وبعد أنّْ أورثونا عقد أجيال مضت، وديون تخطَّت الأربعين مليار، ووطن بلا مواطنيَّة، وجعلونا عبيد تأمين لقمة العيش؟
فعفوًا يا فخامة الرئيس.. ولكن من حق الشباب أن يعيش.