عندما عرف جاري في المقعد على الطائرة المغادرة الى احدى بلدان المغرب العربي بأني من العراق سألني قبل ان يعرف اسمي وعنواني او شغلي لا بل حتى من غير تمهيد بسيط لتعارفنا هل بقي أمل في العراق ؟.. لم استغرب مع نفسي سؤال مباغت من جارلي ومحب لبلدي سيتركني عند أول محطة قادمة و يعرف ان العراق كبلد صار أكبر مخزن بشري للايتام وهو يتخبط منذ سنوات في مسلسل مأساوي وأن أمواله وثروته القومية وطريقة التصرف بها صارت مثلا حيا يضرب في قابلية السلطة على الفساد والأفساد وألا كيف يمكن ان نفسر لغز تحول مسؤول خلال فترة وجيزة كان قبل سنوات يعتاش على الاعانة الاجتماعية التي تمنح له في بلد اللجوء الى شخص من اصحاب المليارات والاستثمارات وكيف ان البلد الذي اهدى العالم الكتابة يقف الان على حافة الانهيار في كل شئ فلا خدمات تقدم والناس على الاغلب يشربون مياه غير نقية وبلا كهرباء ولا تعليم ولا صحة والاهم من هذا كله ان البلد فقد الأمن الذي يشكل أس التنمية والاعمار والحياة بكل عناوينها. دستورضعيف يتمسك به الكثير من السياسين بحجة ان وجوده افضل من ضياعه رغم ان هذا الدستور صار الان مغيبا وكل السياسيون يقولون بان البلاد تمر بحالة اختفاء قسري للمظلة الدستورية بعد ان تم تجاوز التوقيتات الدستورية لتشكيل واعلان الحكومة العراقية الجديدة على ضوء نتائج الانتخابات البرلمانية الاخيرة كما ان البرلمان لا يفعل شيئا ورئيس الجمهورية يسأل المحكمة العلياعن مدى شرعية استمرار رئاسته وحكومة تصر على انها كاملة الصلاحية وترفض أن تدعى بحكومة تصريف اعمال لان هذا الوصف ربما ينتقص من قدرها وكتل برلمانية تتصارع على كعكة الحكم وشعب تطحنه دوامة الفقر والرعب والبطالة والاخطر هو انسداد افق الأمل.. والشعوب الحية كلها وعبر التأريخ استطاعت أن تفجر طاقاتها وانجزت اهدافها عندما يكون أمامها فسحة من الامل حتى تتجه الى العمل الخلاق لا ان تبق تتغنى بالاوهام الزائفة والشعارات التي لا تحمل في جوفها سوى الخداع.. من يستطيع الان في مثل وضع العراق الحالي ان يتحدث عن ديمقراطية وعملية سياسية وليدة لم تحمل للناس سوى المزيد من المفخخات والموت المستمر والهروب من الجحيم الى بلدان الاغتراب وفساد مالي غير مسبوق في تأريخ البلدان وصل حجمه الى حد ان لكل وظيفة تسعيرة تتناسب ومقدار معاشها والفوائد المتوقعة.شوارع العاصمة بغداد تخنقها وتلوثها ادخنة واصوات مئات الالاف من مولدات الكهرباء وطرقات لاتصل نهاياتها تضج بها وتصطخب اصوات منبعثة من مواكب سيارات وحمايات المسؤولين. كل شئ في العراق الذي كانت فيه بغداد يوما عاصمة تباهي الدنيا بأمانها وجمالها ونظافتها قد انقلب رأسا على عقب.أكوام من القمامة وقطعان من الكلاب الضالة وفوضى في كل شئ. مليارات تختفي وحرائق تشتعل في ادارات حكومية سرعان ما يتبين لاحقا انها نشبت في الارشيف او في الاقسام المالية والحسابية في تلك الدوائر والوزارات..عراقيون يفرون داخل وطنهم وخارجه. ما الذي يجري في العراق ؟؟ سؤال منطقي او قل غير منطقي بسبب ان مجريات الاحداث في العراق ربما تجري وفقا لسياقات غير منطقية اصلا.هل هو نهاية دولة وبلد يتجه نحو التشضي والضياع ام انه مخاض عسير يتولد من رحمه مشروعا وطنيا جامعا لامال وطموحات الشعب. فهل بقي لنا ان نتفاؤل او نحلم بأن نستيقظ و يوما ونرى صورة للعراق تحمل لنا بصيص أمل. ربما يحدث مثل هذا لأن المؤمن بطبعه متفائل والعراق على ثراه نشأت اولى حضارات الكون وعلى أديمه ولد ابو الانبياء سيدنا ابراهيم (ع) وعلى ضفاف رافديه الخالين ترعرت بواكير المدنية وكتبت اول مدونة للقانون في الكون وبغداد الرشيد والمأمون الذي انشأ اول دارا للترجمة وغير هذا الكثير. فهل يفعلها الشعب العراقي بصورة سلمية ويتحرك كتلة واحدة ويقول للمتسلطين والعابثين بمستقبله وحياته كفى ؟؟ وعندها سوف استطيع ان أجيب عن تساؤل جاري العربي في الطائرة المتجهة الى المغرب العربي نعم لا زال هناك أمل في العراق ؟؟

كاتب وباحث عراقي