مقالات أخرى لـ فيليكس ماركارد*: |
سؤل مارك زوكربيرغ خلال منتدى الثماني الإلكتروني (e-G8) في باريس عن الدور الذي يضطلع به موقع quot;فيسبوكquot; في الحركة الثورية التي تعصف حاليًّا بالعالم العربي والتي أدّت حتّى الآن إلى الإطاحة بثلاثة أنظمة ديكتاتورية في المغرب والمشرق العربيين، فقلّل زوكربيرغ من أهمّية هذا الدور، قائلاً: quot;من الوقاحة أن نعتقد أنّنا نستطيع أن نلعب دورًا هامًّا في ما بات يُعرف بالربيع العربي. إنّ الشعوب، وليست الشبكات الاجتماعية، هي التي تطلق الثوراتquot;.
في الحقيقية، وبحسب عدد كبير من التقارير، لعبت الشبكات الاجتماعية دورًا حاسمًا في حركة التحرّر هذه، بحيث كان هذا الدور أهمّ بكثير بوصفها قوى موجّهة فعلية للديمقراطية في العالم العربي مقارنةً بما هي عليه في الدول الغربية. بالفعل، حين يكون الولوج إلى محتوى غير خاضع للرقابة عبر التلفزيون أو الراديو أو المطبوعات محدودًا، لا يُستخدم موقعا quot;فيسبوكquot; وquot;تويترquot; لأغراض اجتماعية فحسب، بل يتحوّلان إلى سبل أساسية تسمح بتجنيد الناس وتشاطر المعلومات الأساسية بشأن الدول ذات الأنظمة الديكتاتورية.
صحيح أن البائع الجوّال محمّد بوعزيزي الذي أضرم النار في نفسه كان السبب في نشوب ثورة الياسمين، وهو الاسم المتعارف عليه للإشارة إلى إزاحة بن علي عن الحكم، لكن ينبغي النظر في مكان آخر لفهم أصل عملية الإطاحة به.
يشير عدد لا يحصى من المدوّنين والمنشقّين الناشطين خلال الأيّام الأخيرة من حياة النظام إلى بلوغ عتبة نفسية إثر نشر موقع quot;ويكيليكسquot; لسلسلة من البرقيات الديبلوماسية الصادرة عن السفارة الأميركية في تونس والموجّهة لوزارة الخارجية الأميركية، وقد انتشرت هذه الوثائق بسرعة كبرى داخل تونس وخارجها. كان الشعب التونسي يحتمل التعسّف المنهجي والمتكرّر لجماعة بن علي/طرابلسي التي يحتقرها الشعب منذ فترة طويلة طالما أنّ هذا التعسّف يبقى quot;خاصًّا ومحصورًا بالتونسيينquot;. لكنّ الشعب التونسي لم يستطع ببساطة التأقلم مع تردّد صدى معاناته في العالم أجمع عبر الإنترنت. بعبارة أخرى، وفي بلد حيث لم تكن الصحافة الدولية متوفرة بمجرّد احتوائها أصغر الإشارات quot;السلبيةquot; للنظام، أيقظ هذا الإفشاء على المستوى العالمي حسًّا بالفخر سرعان ما انتشر في أنحاء البلاد عبر الشبكات الاجتماعية وأدّى في النهاية إلى سقوط النظام.
في هذا الإطار، حصلت على إحصاءات من موقع Bit.ly الذي يعمل على تقصير الوصلات التي يرسلها المستخدمون عبر الشبكات الاجتماعية، أمثال quot;فيسبوكquot; وquot;تويترquot;. وتشير هذه الإحصاءات إلى أنّ حركة استخدام هذه الشبكات في ما يتعلّق بالبرقيات المذكورة شهدت ارتفاعًا مفاجئًا في أوائل كانون الأوّل (ديسمبر) 2010، أي بعيد نشر البرقيات عبر موقع quot;ويكيليكسquot; وانتشارها محلّيًّا عبر الموقع التونسي الرافد quot;تونيليكسquot;. وكان ذلك قبل شهر كامل من إقدام محمّد بوعزيزي على إضرام النار في نفسه ...
من الصعب ألاّ يستشفّ المرء من الكلام المتواضع المذكور آنفًا لمؤسّس quot;فيسبوكquot; رغبة في تفادي التورّط في quot;الشؤون الداخليةquot; لدول أجنبية وإزعاج زعماء هذه الدول. غير أنّ الشعب التونسي لا يوافق بالتأكيد على ما قاله زوكربيرغ. فمنذ الإطاحة ببن علي، لا تزال لافتة كتب عليها Thank you Facebook (شكرًا quot;فيسبوكquot;) معلّقة في وسط العاصمة تونس. في المقابل، يعترف quot;تويترquot; بانفتاح أكبر عبر موقعه الإلكتروني بما يسمّيه دوره كمسهّل متواضع للربيع العربي. ومن الصعب، لا بل من غير المجدي، أن يحاول المرء إثبات العكس. فعلامة #sididbouzid، وهي مسقط رأس بوعزيزي، أرسلت مرارًا وتكرارًا عبر quot;تويترquot; ليس فقط في تونس، بل أيضًا في مصر ودول شرق أوسطية أخرى في مرحلة لاحقة. وبات quot;تويترquot; الآن منصّة لنقاشات كانت لتكون مستحيلة قبل فترة وجيزة من الزمن، كالنقاش الحالي بشأن مصير سوريا والذي يشارك فيه الممثّلان آشتون كوتشر وميا فارو وعدد من المتظاهرين والمدوّنين من أنحاء سوريا والعالم العربي كافّة. هذا النقاش مبني على إحصاءات كتلك التي يوفّرها موقع bit.ly تدفعنا إلى تقويم العلاقة بين المعلومات التي يتمّ تشاطرها عبر الشبكات الاجتماعية والأحداث التي شهدتها شوارع تونس والقاهرة.
هل سيبقى جوليان أسانج، وهو مؤسّس quot;ويكيليكسquot; الموضوع حاليًّا قيد الإقامة الجبرية في المملكة المتّحدة، في الذاكرة على أنّه فاعل بارز في ربيع الياسمين وفي الربيع العربي بطريقة غير مباشرة وعلى نطاق أوسع؟ وحده التاريخ يكشف ذلك. غير أنّ دور وسائل الإعلام الاجتماعية في حركة التحرّر التاريخية هذه بات منذ الآن حقيقة علمية.
*فيليكس ماركارد هو مؤسّس Atlantic Dinners.
يذكر أنّ العاصمة الفرنسية باريس استضافت ليل أمس النسخة الأولى من #Atlantech، وهي سلسلة خاصّة من حفلات العشاء التي تحمل الإسم نفسه والتي تعنى بالابتكار والتقنيات الجديدة.
التعليقات