لا يتطلب الأمر عبقرية ما لملاحظة المقاربات الأميركية والعربية المختلفة والمتناقضة لانتفاضة الشعبين البحريني والإيراني.وعلى الرغم من أن الإنتفاضات تحصل في دول عربية أخرى، إلا أن للبحرين وإيران خصوصية تستدعي الحديث عنهما دون سواهما من الدول.
لطالما إتهمت الحكومة البحرينية الشيعة بالوقوف وراء أي تحرك معارض، كما وأنها لطالما ربطت شيعة البحرين بإيران، وفي كل مناسبة يخرج من هذه الطائفة شخص ما أو مجموعة ما للإعتراض، تحولّه الحكومة مباشرة إلى إرهابي أو إلى جاسوس.هذه هي الحال في البحرين.أما في إيران، فإن الحكومة تعيد الكرّة الكارثية نفسها، القمع نفسه والتنكيل نفسه الذي اعتمده النظام لمواجهة التظاهرات السابقة للمعارضة الإيرانية.
وبين البحرين وإيران، مقاربات متناقضة عربية ودولية بشكل عام، وأميركية بشكل خاص.
خلال ثورتي مصر وتونس، إعتمدت أميركا الجمل المبهمة حيال أحداث البلدين، لم تدعم ولم تشجب، بقيت في المنطقة الرمادية بإنتظار ما ستؤول إليه الأمور.فالأنظمة الحليفة، وفق أميركا، ديموقراطية حتى تسقط، حينها تتحول إلى ديكتاتورية.في الأيام الأولى لثورة مصر، كانت التحركات تجري في المدن المصرية، والكلام يخرج من واشنطن.وعليه كان الضيف اليومي على شاشات التلفزة الناطق باسم البيت الأبيض روبرت غيبس.وفي مؤتمر صحافي من تلك المؤتمرات اليومية، سأل أحد الصحافيين غيبس سؤالاً مباشرًا وهو quot;هل حسني مبارك ديكتاتور؟quot;، وبطبيعة الحال بدأ غيبس جملته بـquot;دعني اخبرك شيئًاquot;، وكأنه سيكشف عن المستور الذي لا يعرفه أحد، لينطلق بعدها في صفّ جمل تخلط الحابل بالنابل، ولا علاقة لها من قريب أو من بعيد بالسؤال.
أما الرئيس الأميركي باراك أوباما، وفي مؤتمره الصحافي الأخير، اتّهم الحكومة الإيرانيةquot; بالنفاقquot; لكونها شجّعت ثورة مصر، وفي الوقت عينه تمنع المعارضة في بلادها من التعبير عن رأيها، ثم توجّه أوباما بحديثه إلى المعارضة الإيرانية داعيًا إياها إلى الصمود من أجل تحقيق مطالبها، ومشجعًا على المضي بالتظاهرات.وحين تحولّت دفة الحديث إلى الدول العربية الأخرى، ومن بينها البحرين، توجّه أوباما بحديثه إلى الحكومة البحرينية، لا إلى المتظاهرين، متمنيًا على أهل الحكم القيام بتعديلات وتغيرات تتماشى مع تطلعات الشباب.ولعل الأكثر quot;ظرافة quot; في حديث أوباما هو دعوته الأطراف البحرينية كافّة إلى quot;ضبط النفسquot;.
تناقض يمكن لمسه بسهولة أيضًا في الإعلام العربي، من خلال القنوات العربية المحسوبة على quot;ما تبقى من محور الإعتدالquot;.بعض هذه القنوات تجاهل ثورة مصر قدر المستطاع، في حين تحوّل البعض الآخر إلى بوق للنظام المصري المخلوع.أما البقية فحاولت التحايل على المشاهدين من خلال القفز هنا وهناك بلا هدف محدد سوى عدم دعم الثوار بشكل مباشر.حاليًا وجدت هذه القنوات ما يشغلها، فالشريط الإخباري الذي يمرّ في أسفل الشاشة مخصص لإيران، والتقارير عن إيران، والضيوف يتحدثون عن إيران.بينما أحداث البحرين تُهمّش، وإن حكي عنها، فإن الصوت الأقوى المسموع لهذه القنوات هو صوت الحكومة، لا الشعب.
حاليًا هاجس واحد ينتاب أميركا، ويتثمل في إسقاط النظام الإيراني، فسقوط مبارك خسارة كبرى يجب تعويضها.وإن نجحت المعارضة الإيرانية بإسقاط النظام الإيراني، فإن أميركا لن ستستعيد نفوذها في المنطقة وحسب، بل ستكون في موقع أقوى مما كانت عليه يومًا.
إن التوجّس من النيات الأميركية المبيتة للمنطقة، والتي ظهرت في أكثر من مناسبة خلال السنوات الماضية، يضع المعارضة الإيرانية المدعومة بشكل علني من أميركا في موقف quot;مريبquot;.فللمعارضة الإيرانية الحق بالمطالبة بالتغيير، ولديها كامل الحق بأن تكون ممثلة في الحكومة، كما لديها كامل الحرية بأن تتكلم وترفضquot; التدخلquot; الأميركي بشؤونها، وبذلك تخرج نفسها من هذه quot;الدائرةquot; المشبوهة التي تربطها بأميركا، التي أثبتت أنها لا تريد خير شعوب المنطقة، وإنما تريد quot;خيرquot; الحلفاء من أهل الحكم وأنظمتهم التي تحرص على مصالحها ومصالح إسرائيل في المنطقة.
قيل الكثير عن الدعم الأميركي للمعارضة الإيرانية، وخرجت تقارير صحافية عدة تتحدث عن ملايين الدولارات التي دفعت لدعم هذه الحركة.أخبار قد تكون صحيحة و قد لا تكون كذلك.من هنا فإن للمعارضة الإيرانية الحرية حاليًا بأن تنأى بنفسها عن أميركا، وتثبت فعليًا أنها حركة شعبية مستقلة، تقاتل من أجل خير بلادها، حينها قد تجد المعارضة الايرانية دعما عربيا شعبيا كما حدث مع ثورتي تونس ومصر.
في المقلب الآخر البحريني، فإن سقوط الحكم نتيجة غير مقبولة في المحيط الخليجي.وعليه فإن الجيران وغير الجيران سيحشدون دعمًا غير مسبوق لمنع سقوط الحكم، وربما سيستخلصون العبر من آلية التعاطي مع نظام مبارك المخلوع، التي لم تؤد إلى النتيجة المنشودة.وربما سنشهد خلال الأيام المقبلة quot;تدخلاتquot; من نوع جديد، مختلفة عن تلك التي اعتمدت خلال ثورة مصر دعمًا للحكومة البحرينية.
باختصار، فإن الحال الذي تعرضه وسائل الاعلام علينا هو الآتي: نظام إيراني مكروه من عدد من الدول العربية وأميركا ودول أوروبية، يقابله معارضة لم تفك quot;الربط quot; الأميركي بها، إضافة إلى موالاة إيرانية تدعم النظام.
في البحرين، معارضة تصنّف بـquot;الشيعيةquot; المرتبطة بإيران، تحمل شعارات المطالبة بالإصلاح، يقابلها دعم من دول خليجية وعربية وأجنبية للنظام، إضافة إلى بحرينيين ومجنسين مصنفين بانهم من اهل quot;السنةquot; الموالين.
لمن ستكون الغلبة أولاً..وأي عرش سيهتزّ، وفي أي خانة سيصنف الحدث ويهاجم أو يمدح ويدعم؟.
جواب قد نشهد تفاصيله خلال الأسابيع المقبلة، وقد لا نشهدها.لكن الواقع يبقى أن الأنطمة العربية، أُسقطت أو لم تسقط، باتت تعرف أن كلمة الفصل لم تعد لديها، بل أصبحت بيد الشعوب.