آخر أمراء صاحبة الجلالة الصحافة العراقية ينشر ديوان شعره
ما زلنا الى اليوم نشعر بحبل السرة السحري يربطنا بالوطن الأم، وخوفا من انقطاعه، وحرصا على الحفاظ على حبل الذكريات ليهود العراق في ادبهم وقصائدهم باللغة العربية، أسـّس كاتب هذه السطور عام 1980، quot;رابطة الجامعيين اليهود النازحين من العراق في اسرائيلquot; بتشجيع من المحسن الكبير المرحوم داود سلمان ndash; سالا نزيل لندن الذي كان رئيسا للجنة المدارس في الطائفة الإسرائيلية (الموسوية لاحقا) في بغداد، فأرسلنا رسائل الى العديد من الادباء القادمين من العراق وأجرينا معهم المقابلات لنحثهم على تدوين ذكرياتهم ونشر اشعارهم وقصصهم، وذلك حفاظا عليها من الضياع ولنضع بين أيدي الباحثين والمثقفين وثائق ومؤلفات يستفيد منها المهتمون بتاريخ العراق والأدب والبحث العلمي، وذلك بعد المقاطعة العربية لاسرائيل وانقطاع الاتصالات مع العراق والعراقيين إنقطاعا باتا. فقد حاولنا أن نضع امام الباحثين والطلاب ما كتبه هؤلاء الادباء لدراستها والوقوف على أدب يهود العراق الذي كنا نخشى عليه من الضياع ولانعدام المصادر عنه. فأخذنا على عاتقنا مهمة نشر هذا الأدب ودراسته والكتابة عنه بلغات مختلفة، وذلك بالرغم من أن بعض قدماء الأدباء النازحين من العراق، مع الاسف الشديد، كانوا يستخفون بأدب يهود البلاد العربية، وحاول البعض إحباط نشاط الرابطة في هذا المضمار. غير أن القادمين الجدد من العراق في الهجرة الثانية بعد حرب الأيام الستة، رحبوا بهذا المشروع وساندوا أهداف الرابطة، وكان من أوائل من استجاب لدعوتنا هذه الصديق الوفي الشاعر أنور شاؤل في تدوين سيرته الذاتية quot;قصة حياتي في وادي الرافدينquot; (1980)، وخص الرابطة بديوانه الشعري quot;وبزغ فجر جديدquot; (1982)، وشجع الرابطة على مواصلة نشاطها واشار على صديقه الوفي صالح مصري دعم رابطتنا. ثم تلاه مشكورا الدكتور سلمان درويش، فنشرت الرابطة كتابه التاريخي ومذكراته quot;كل شيء هادئ في العيادةquot; (1981)، وفيه يكشف لنا صفحات مجهولة عن نشاطه الاجتماعي والصحفي وعن مكانة الاطباء اليهود وخدماتهم الجليلة في العراق وخدمته في الجيش العراقي أثناء حركة رشيد عالي الكيلاني وتحدث بإسهاب عن أثر الفرهود على يهود العراق، أما الأديب الشاعر والعالم الاقتصادي مير بصري الذي اخلص لمبادئه الوطنية العراقية ولأصدقائه فلم يشأ القدوم الى اسرائيل، وكان معجبا بنشاط الرابطة واهدافها واستجاب مشكورا لإلتماسنا منه تدوين تراجم quot;أعلام يهود العراقquot; في جزئين (1983 و 1993)، ثم مذكراته التي نشرتها الرابطة تحت عنوان quot;رحلة العمر من ضفاف دجلة الى وادي التيمسquot; (1992)، بعد أن نشرنا ديوانه الكبير quot;ديوان أغاني الحب والخلودquot; (1991)، ونالت كتبه نجاحا منقطع النظير، واصبحت منشورات الرابطة بسبب ذلك من افضل كتب التراجم التي أظهرت للباحثين مساهمة اليهود في بناء صرح العراق الحديث. ثم تلاهم الأديب والقصصي اسحق بار- موشيه الذي استطاع بفضل منصبه الصحفي المرموق العثور على مصادر لتمويل ونشر كتبه القصصية العديدة وذكرياته التي أرخ فيها لفترة من احرج الفترات التاريخية والسياسية في العراق الحديث وروى سيرته ونشاطه الأدبي والإجتماعي، فنشرت الرابطة بعض كتبه وذكرياته واهمها سيرته الذاتية quot;بيت في بغدادquot; (1983) وذكرياته quot;يومان في حزيرانquot; (2004) عن احداث فرهود بغداد عام 1941، وبعد الإنتهاء من كتابة هذا الكتاب الفريد، لم يستطع قلبه الكبير مواصلة الكتابة وهو في منفاه الاختياري في مانشستر مع الاديب سمير نقاش، فكف عن الخفقان ليضع نهاية مأساوية لحنينه الى زيارة العراق. أما الصديق الشاعر إبراهيم عوبديا فقد كان يربأ بنفسه، المشاركة في الجمعيات الأدبية الإسرائيلية في السنوات الأولى لقدومه الى اسرائيل وهو الشاعر العراقي الوطني المخلص الذي لم يقف عمود الشعر العربي حائلا دون تدفق شاعريته الفذة في نظم مشاعر الحب والحنين الى العراق، وكان لتمسكه بالوزن والقافية وتقسيم البيت الى شطرين من الأسباب الداعية الى امتناعه بل ترفعه عن المشاركة في نشاط الأدباء الشباب الذين آثروا كتابة الشعر المنثور والحر، ورأى ان الشعر العربي يجب نظمه بأوزان الشعر التقليدية وقوافيه الطنانة، وموسيقاه المنبرية الخطابية في تدفق عاطفي مرهف. وكان يرى أن من حق الشعر العاطفي الرومانسي أن ينظم للغناء بمصاحبة الموسيقى التي تبحّر في دراستها وفي أنغامها ومقاماتها، فكان بيته في حيفا مجمع الملحنين والموسيقيين والمغنين العراقيين في اسرائيل، يمدهم باشعاره الفصحى والعامية ليغنيها المطربون العراقيون في دار الاذاعة الإسرائيلية وفي غيرها من المنتديات، فانعقدت اواصر الصداقة بيننا لأخلاقه العراقية المحببة والتي تتميز بالإخلاص والصدق والكرم والعاطفية المفرطة في صداقته ومساعدته لأصدقائه، فنشرنا له بالمشاركة مع quot;دار المشرقquot; لصاحبها صديقنا الوفي الدكتور محمود عباسي كتبه quot;ورود شائكةquot; وquot;في ميدان الأدب العرييquot; وquot;في دنيا المقامات والغناء العراقيquot; بين عامي (1998-1999) وكان آخرها ديوانه quot;أنا والشعر 60 عاماquot; (2004) ومع الغناء العراقي ndash; مطربون ومطربات وأغان من التراثquot; (2005). ثم نشرنا للصديق الباحث والمؤرخ نسيم رجوان كتابيه التاريخيين quot;عرب ويهودquot; (1998) وquot;موجز تاريخ يهود العراقquot; (1998) بعد أن اذاع معظم فصولها من صوت إسرائيل. ثم شجعنا الأديب سمير نقاش على نشر رواياته وقصصه التي تعتمد على مخزونه العجيب من ذكريات بغداد المميزة باجوائها الشعبية العراقية بكل مللها ونحلها وخاصة الاجواء اليهودية وعلاقتها الحميمة بين المسلمين واليهود من نساء ورجال والتي نجح فيها بمزج الأجواء الاجتماعية بفلسفته الوجودية التي اعتنقها بحماس شديد وفهم عميق لها. كما تميزت بشوقه إلى أيام طفولته المدللة، وتأثره العميق بفلسفة كبار الأدباء الوجوديين وعشقه للتراث الشعبي العراقي، فتبنته الرابطة بالرغم من حرصه على أن تنفذ كل تعليماته وآرائه بحذافيرها لاعتداده المفرط بنفسه وبآرائه ورفضه قبول النصح والإرشاد في أية مرحلة من مراحل حياته. ثم نشرنا ديوان صديقه الشاعر العبري شلومو شبيرا quot;قوت الطيورquot; (2006)، ومجموعة قصص زوجته المرحومة سيجال شبيرا quot;البستانquot; (2007) الذي صدر باللغتين العبرية والعربية وقد ترجم الكتابين الى العربية المترجم والأديب الكبير سمير نقاش، لكي يستطيع الأبناء والأحفاد قراءتها باللغة العبرية أيضا. وهذا ما قمنا به عند نشرنا كتابي الأديب (يعقوب بلبول) ليب، فنشرنا quot;مختارات من الجمرة الأولى ومحنة العقلquot;، باللغة العربية وترجمتها العبرية في الصفحة المقابلة لها (2006). ومن شعراء المهجر الأسترالي باللغة العربية نشرنا لشاعر الحب والجمال جاد بن مئير المحامي في اشعاره الغنائية بالفصحى وباللهجة المصرية التي يهواها، فنشرنا له دواوينه quot;يا طيور الأنسquot; وquot;يا منال يا مناليquot; (2004) وquot;حوار القلوبquot; (2008). وفي هذه الأيام تعد السيدة راحيل خلاصجي للطبع كتاب والدها المرحوم نعيم طويق quot;تأثير المواطنين اليهود في العراقquot; ونأمل صدوره قريبا.
واليوم تشعر الرابطة، وخاصة بعد تقلص عدد قراء اللغة العربية وانتقال معظم الأدباء من البلاد العربية الى الكتابة باللغة العبرية في اسرائيل، بانها قامت بواجبها بانقاذ أدب يهود العراق في اللحظة الاخيرة، فخلدت آثارهم الهامة ومساهمتهم في الحياة الأدبية والاجتماعية والعلمية في البلاد التي عاشوا فيها 2500 سنة من العيش المتواصل كمواطنين مخلصين. وهكذا اضطرت الرابطة الى نشر مذكرات اصدقائها باللغة العبرية كمؤلفات الأديب سليم فتال عن الفرهود والدكتور نسيم قزاز عن كفاحه بعد مصرع والده في باب الشيخ في الساعات الأولى من اندلاع المذبحة وتسلقه الرتب العالية في جيش الدفاع الجامعات في اسرائيل، وذكريات ناتان ألوف (زلوف) اثناء خدمته العسكرية في الجيش العراقي كجندي لاسلكي، وغيرها من الكتب التاريخية ليهود العراق.
وأخيراً توفقنا في اقناع الأستاذ الصحفي والشاعر الأديب مراد العماري، بعد ان الح عليه كاتب هذه السطور خلال السنوات العشر الأخيرة بجمع ما تمكن العثور عليه من مؤلفاته الشعرية والنثرية. والأستاذ مراد العماري، حفظه الله، هو من أواخر الأدباء المخضرمين من القادمين من العراق الذين آثروا البقاء في مسقط رأسهم بعد الفترة الحرجة من حياتهم والمسماة بفترة التسقيط والهجرة الجماهيرية من العراق (1950-1951)، فلاحقتهم السلطات البعثية بالتضييق عليهم والتنكيل بهم بعد حرب الأيام الستة، إلى ان اضطروا الى مغادرة العراق الذي احبوه وتفانوا في خدمته، فآثروا الهجرة خارج العراق، والوحيد الذي آثر الهجرة الى انكلترة هو العلامة والشاعر الأديب مير بصري لإيمانه العميق بالوطنية العراقية. أما الآخرون فقد اختاروا الهجرة الى إسرائيل في بداية السبعينات من القرن الماضي، بعد ان سبقتهم عائلاتهم إليها، كالأديب الشاعر أنور شاؤل والصحفية ليندا عبد العزيز ndash; منوحين ومراد العماري وسليم البصون ونعيم طويق. وقد ساهم هؤلاء الثلاثة مساهمة كبرى في تحرير صحف الحزب الوطني الديموقراطي واخلصوا لزعيمه كامل الجادرجي، ولكنه مع الأسف الشديد، تغافل عن ذكر مساهمتهم الهامة للحزب ولصحفه في مذكراته التي نشرها قبل وفاته.
وبعد هجرة الصحفي الكبير مراد العماري الى إسرائيل، واصل الكتابة باللغة العربية وانضم الى أسرة صوت اسرائيل وشارك في النشاط الأدبي لأدباء موجة الهجرة الثانية وراسل الصحف العربية الحرة، وقد كتبت جريدة quot;العراق الحرquot; عن الشاعر الأستاذ مراد العماري مشيدة بمكانته في الصحافة العراقية ومنوهة بالمكانته السامية في قلوب العراقيين. (العراق الحر، لندن، العدد 154، في يوم الأربعاء الموافق 30 حزيران عام 1999)، وكتبت معلقة على قصيدته التي يتضامن فيها الشاعر مع شعب العراق المضطهد آنذاك باسم: صرخة من الأعماق - إلى شعب العراق:
quot;والعماري واحد من كبار صحافيي العراق وقد قضى سنوات طويلة من عمره في خدمة الكلمة الحرة، والرأي الشجاع والدفاع عن آدمية الإنسان في العراقquot;.
هذا، ومنذ ان تعرفت على هذا الصحفي الجريء الأبي الذي رفض الاستهانة بمبادئه واستقال بإباء من وظائف مرموقة حفاظا على كرامته، انعقدت بيننا أواصر الصداقة، وهو إلى اليوم لا يزال معتزا بآرائه ومواقفه من الأحداث السياسية متابعا لأخبار مسقط رأسه الذي يحبه ويحن اليه. ونحن نحاول اليوم بنشرنا قصائده وكتاباته رد الاعتبار لكاتب سياسي وصحفي جريء لم ينسَ العراق الذي نسيه، بالرغم من انه كان جزءا لا يتجزء من عالم الصحافة والإذاعة فيه. حفظه الله ومد من عمره.
وأخيرا، نشكر من صميم القلب الأستاذ مراد العماري على استجابته لكتابة سيرته الذاتية ونشكر ابنتيه منى ومنال، اللتين تعكفان في الآونة الاخيرة على جمع ديوانه وذكرياته وتعليقاته الصحفية ومقالاته المختلفة التي نشرها في الصحف العربية، تمهيدا لنشرها في سلسلة منشورات رابطة الجامعيين النازحين من العراق.
وفيما يلي نبذة قصيرة عن حياة الأديب والشاعر والصحفي الكبير مراد العماري كتبها بقلمه وتفضل بتدوينها نزولا عند طلب اصدقائه والمعجبين به، ننشرها هنا لكي يقف القراء على معاناة اليهود الذي تمسكوا بتربة العراق وموقف السلطات منهم بعد مصرع الزعيم عبد الكريم قاسم، وكيف كان عليهم أن يكونوا تحت حماية أحد المتنفذين لكي يستطيع التخلص من الاتهامات الباطلة لشل نشاطهم وأعمالهم. ونأمل أن مقاله هذا سيسد ثغرة كبيرة من تاريخ النشاط الأدبي والصحفي ليهود العراق، ليطلع قراء اللغة العربية على ما استطعنا انقاذه من براثن النسيان وإنكار الجميل والإهمال وتهميش الأقليات حسب الاهواء الدينية والسياسية والحزبية.
يتبع: سيرو حياتي بقلم مراد العماري
التعليقات