من اليمن الى اليسار: سامي موريه، شاؤل حداد، الشاعرة اسنات ابراهامي ويحزقيل فتال (2009)

بقلم شموئيل (سامي) موريه: شيع يوم الجمعة 3 سبتمبر 2010 جثمان الاديب والمربي والصحافي الكبير الاستاذ شاؤول حداد (بغداد 1910- رمات غان 2010) إلى مثواه الأخير، في موكب حافل، قام بتأبينه ابنته الشاعرة اسنات ابراهامي، والمحامي يحزقيل فتال وكاتب هذه السطور عن رابطة الجامعيين اليهود النازحين من العراق، عددوا فيه مناقب الفقيد الذي كان من كبار المربين في العراق، ومدير مدرسة مسعودة شمطوب الابتدائية في محلة قرب باب الشرقي في بغداد. وكانت لغة التدريس فيها هي اللغة العربية، واضاف اليها في السنة السادسة اللغة الافرنسية ليتسنى للطلاب الراغبين في الالتحاق بمدرسة quot;الاليانسquot; التي كانت تدرس العلوم باللغة الافرنسية. وكان المرحوم من اوائل مدرسي الالعاب الرياضية الذين ادخلوا الالعاب الاوروبية الى المدارس اليهودية، ككرة الطائرة والقدم والملاكمة والجنباز التي حلت فيما بعد محل الرياضة التقليدية المعروفة quot;بالزيورخانةquot; التي كانت شائعة عند عامة الناس، يتصارع فيها الرجال ويقومون بالتمارين في حفرة على ايقاع نقر الدنابك أو اللعب باثقال خشبية على شكل القثاء كانت تعرف بالميل (جمع اميال)، وبعد أن توقفت مجلة المصباح (1928) لمؤسسها المحامي سلمان شينة ومحررها أنور شاؤل، عن الصدور، تولى الفقيد مواصلة نشر وتحرير جريدة quot;البرهانquot;، الجريدة الأدبية الانتقادية الأسبوعية في 17 اكتوبر 1929-1930، وذلك بعد سنة من تحريرها من قبل الاستاذ سلمان كوهين، الذي اشرف على تحرير 13 عددا سابقا منها. وقد اعلن المحرر الشاب انه فخور بخدمة الصحافة العراقية وناشد الشعب العراقي مساعدته على خدمته عن طريق الصحافة، عالج فيها المشكلات الأجتماعية والحضارية، وشجب اضاعة وقت الشباب في العادات التقليدية القديمة كالخمر والميسر، والزواج طمعا في المال والانغماس بالملذات بدل المطالعة والاهتمام بالعلوم الحديثة، وابدى انفتاحا كبيرا على الافكار التقدمية في الشرق والغرب، ودافع عن تعميم العلوم والثقافة الحديثة في العراق ودعا الى الاصلاح اقتداء بتركيا الحديثة وغيرها من الامم، والى وحدة الشعب العراقي بكل طوائفه واديانه، وطالب بالاستقلال السياسي للعراق ليقف على قدم المساواة مع باقي الامم الراقية، وساهم مساهمة جليلة في كتابة المقالات وترجمة القصص عن الافرنسية والانكليزية في مجلة quot;الحاصدquot; لصديقه الشاعر انور شاؤل، والعجيب انه ذهب الى دار الخلود بعد اكثر من ثمانين عاما على كتابته افتتاحيات جريدته هذه وما اشبه اليوم بالماضي إذ لم يزل العراق بحاجة الى اتباع نصائحه ونصائح غيره من الوطنيين العراقيين الاخيار في الاصلاح والوحدة والاستقلال، وكأنه يتحدث اليوم الى الشعب العراقي الذي احبه وكرس زهرة عمره في التعليم والثقافة والصحافة، وكان من بين طلابه الكثير من الذين نبغوا واصبحوا من اعلام الثقافة والعلوم فيما بعد، نذكر على سبيل المثال لا الحصر الاديب الكبير سامي ميخائل والبروفيسور ريموند موريه استاذ الفيزياء في جامعة النقب وكاتب هذه السطور. وكان يدعو في كل مناسبة الى استقلال العراق ونهضته العلمية الحديثة مهيبا بالشباب العراقي للقيام بنهضة علمية واجتماعية وثقافية والالتزام بها لبناء صرح العراق الحديث ومجده التليد. ومن مبادراته القيمة أن احد القراء نشر مقالا باسم مستعار شكر فيه المحرر على موقفه الشجاع وألقى اسباب التخلف في الشرق على بعض رجال الدين الجامدين من شيوخ وقسيسين وحاخامين. وفي اعقابها اعلن المحرر عن جائزة مالية تمنح لكل اديب يكتب قصة تؤكد هذا الجانب من الجمود الديني في العراق المؤدي الى التخلف الحضاري.
واصل المرحوم واجبه التعليمي والثقافي، بعد قيام دولة اسرائيل وهروب الآلاف من الشباب اليهودي الى خارج العراق هربا من الاعتقالات والتعذيب، حتى اعلان تسقيط الجنسية العراقية عن الراغبين في التخلص من الاضطهاد، فوضع الاستاذ حداد مدرسته وكنيس المدرسة تحت تصرف وزارة الداخلية العراقية وهيمنت الحركة الصهيونية على ادارة الهجرة الجماهيرية الى اسرائيل عامي 1950-1951 من داخل المدرسةٍ.
وفي عام 1951 وجد نفسه بعد الهجرة في خيام معسكرات اللاجئين اليهود من البلاد العربية، فانضم الى دورة معلمين لمدة ثمانية اشهر لتأهيلهم للتدريس في المدارس الاسرائيلية ولإتقان اللغة العبرية التي كان يجيدها اثناء دراسته في مدرسة الاليانس، فبادر الى تأسيس مدرسة موقتة من خيام لم تستطع الصمود أمام الرياح والامطار في معابر القادمين الجدد مثل معبرتي قرية أونو وسكيّة الى ان منحته وزارة المعارف بعض الصرايف ليواصل عمله التطوعي فيها فجهزها بالكتب والمقاعد (الرحلات) لكي يستطيع تلاميذه الاربعمائة مواصلة دراستهم فيها، وواصل وظيفته التعليمية الى ان احيل على التقاعد عام 1973.
فاجأ الاستاذ حداد عام 2008 الاوساط الأدبية بصدور مجموعة قصصه القصيرة quot;وردة الحبquot; باللغة العبرية التي تعد باسلوبها السلس ومواضيعها الواقعية وطريقة السرد من روائع الادب العبري الحديث تحدث فيها عن ذكرياته عن العراق منذ بداية القرن العشرين والعلاقات الاجتماعية بين العرب واليهود فيها، وموقف المجتمع العراقي من المرأة ومآسي الزواج بين القاصرات والشيوخ وعلاقات الحب بين الطبقات الاجتماعية المختلفة ليهود بغداد وقرية سندور في شمال العراق والمصاعب العسيرة التي واجهت القادمين الجدد في الفترة الاولى من تأقلمهم في اسرائيل والعلاقات الاجتماعية التي كانت سائدة بين القادمين الجدد من يهود البلاد العربية والمواطنين القدماء بالاضافة الى قصتين تناولتا ضحايا المحرقة النازية في اوروبا.
وفي شهر (يوليو/حزيران) من هذه السنة، استبشرنا بصدور روايته القصيرة quot;الفلك الدوارquot; على الرغم من بلوغه من العمر عتيا وهو 101 سنة من حياته الحافلة بالانجازات، تحدث فيها عن معاناة يهود كردستان من معاملة الأكراد المسلمين ومعاملة يهود بغداد الفظة لهم (أنظر مقالتنا في ايلاف والاخبار في 19/07/2010) وكنا قبل وفاته، على اهبة الاحتفال بصدور الكتاب في مركز تراث يهود العراق، ولكنه اضطر الى دخول المستشفى لضعف اعتراه فجأة، وهناك حدثني عن كتابه الثالث وهو مجموعة ذكريات عن حياته في العراق، فسررت للخبر ووعدته بالقيام بنشره حال انتهائه من كتابته، ولما خرج من المستشفى واصل العمل في تأليف كتابه على الحاسوب، وعندما زرته في بيته اخبرني بانه يكاد ينهي كتابه ولم يبق سوى قصة واحدة سينجزها قريبا، تمنيت له الصحة وانجاز كتابة قصته الاخيرة. وفي اليوم التالي هاتفتني ابنته اسنات قائلة إنه بقي البارحة عاكفا على كتابة القصة الأخيرة من كتابه حتى انجزها في منتصف الليل وآوى الى فراشه. وفي صباح اليوم التالي عثروا عليه فاقد الوعي بسبب جلطة دماغية نقل على اثرها الى المستشفى، لم يمكث سوى خمسة ايام ثم جاءني نعيه الباكي بصوت ابنته المخلصة التي لم تتركه لحظة واحدة دون رعايته وتشجيعه على مواصلة الكتابة. وهكذا سقط كاتبنا سقوط الابطال في ساحة الادب، رحمه الله برحمته الواسعة واسكنه فسيح جناته،
ولسان حالنا اليوم يردد مع السموأل بن عادياء:

تـعـيّـرنـا إنـّا قـليـلٌ عَـدِيـدُنافـقـلتُ لها إنّ الكرامَ قـليلُ
وما قلّ من كانت بقاياه مثلناشباب تسامى للعلى وكهول