حوار مع الأكاديمي العراقي الدكتور حسن السوداني:
-الفنان والمثقف العراقي بمختلف تخصصاته ما زال محاصرا عربيا ولا تتاح له الفرصة لإظهار إبداعه
-ليس الناقد وحده من يواجه موجة التكفير بل كل المثقفين والأدباء والفنانين الذين يجاهرون بقول الحقيقة
-تلوث الفضاء العربي الإعلامي بسبب التابوهات التي حملها الإسلام السياسي

حاوره / حميد عقبي من باريس: لي ذكريات جميلة وتربطني صداقة وثيقة مع الدكتور حسن السوداني منذ كنت طالبًا في كلية الفنون الجميلة في بغداد، أحب صحبة هذا الرجل والاستماع إلى نصائحه والتجول معه في عدد من المراكز الثقافية في بغداد وكانت للرجل أحلامه ويشغل نفسه في البحث خصوصا في علوم الاتصال والتقنيات التربوية الحديثة وكان شغوفا بالمسرح والسينما واليوم أصبح الرجل نائب رئيس الاكاديمية العربية في الدنمارك وعميد كلية التربية ورئيس قسم الإعلام والاتصال لديه عدد من الكتب والأبحاث المنشورة آخرها عدة كتب بعنوان قراءة في البصريات.. نلتقي الدكتور السوداني لنقاش بعض المواضيع المهمة حول السينما العراقية ومشاكل وهموم وتطلعات الفنان العراقي في الداخل والمهجر.

لقطة من فيلم بابل

* خلال مشاركتي في مهرجان الخليج السينمائي الثالث وخلال الجلسات والامسيات حدث نقاش وجدل حول السينما العراقية والبعض يرى من المبكر القول بوجود سينما عراقية رغم ان العراق كان سباقًا في مجال السينما... ما رأيكم بهذه النقطة؟.
- لابد من التميز بين السينما بمعناها الانتاجي وبين السينمائيين باعتبارهم احدى ادوات هذه الصناعة وليس كلها ومن هذا المفهوم يمكن القول ان العراق يملك سينمائيين ولا يمتلك صناعة سينمائية حتى الان ولا اتوقع ان تصبح هناك سينما عراقية الان او في المستقبل المنظور.

* هناك نظرة غير ايجابية للسينمائيين العراقيين الذين يتلقون دعمًا خارجيا لانتاج افلامهم والبعض يرى ان الدعم يخصص لتمرير رسائل تفيد الاحتلال فهل تتفقون مع هذه النقطة؟

- الفنان والمثقف العراقي بمختلف تخصصاته ما زال محاصرا عربيا ولا تتاح له الفرصة لإظهار ابداعه بسبب ان هذه الدول تسيرها المنظومة القومية او الاتجاهات الدينية المتطرفة التي باتت تسيطر على القرار السياسي، فتارة يصنف الفنان العراقي على اساس مذهبي وتارة على اساس قومي والغريب جدا، ان هذه الاسباب هي ذاتها التي كانت تحاصر الفنان العراقي قبل زوال النظام السابق والعرب أنفسهم من كان يحمل لواء الحصار وما زالوا يتفننون في التلويح به بتلذذ غريب!! وما يحدث في اتحاد الادباء العرب خير دليل على ما اقول، اما حين يلجأ الفنان العراقي للحصول على دعم خارجي فهو الخيار الوحيد المتاح امامه بعد ان زادت الاسوار المحاصرة علوا.

* كثرة القنوات الفضائية العراقية هل هو ناتج من وجود مناخ حر حسب رايكم؟
كما هو معروف تاريخا ان العراق امتلك اول قناة تلفزيونية عربية واول مركز لبحوث المستمعين والمشاهدين لكنه لم يتملك قناة فضائية لاكثر من عقدين وما هو ظاهر اليوم من ازدياد انتشار القنوات الفضائية العراقية ستكون له آثار ايجابية كبيرة لما تحتاج اليه من كوادر عاملة وفنيين في مختلف التخصصات فضلا عن جانب المنافسة الذي يصعد من أعمال الجودة لهذه القنوات.

* الفضاء العربي الاعلامي يقال إنه ملوث فكيف من الممكن القضاء على هذا التلوث؟.
التلوث سببه التابوات الكثيرة التي ظهرت لنا مع انتشار الاسلام السياسي ووجود فقهاء جهلة لا يجيدون سوى إطالة اللحى ووسم جباههم بدراهم السلطان وبات الاعلام العربي الحكومي محاصرا من هؤلاء فضلا عن ان هذا الفضاء اصلا مملوك من قبل اثرياء وهم من يتحكم بالمشهد الصوري والخبري لهذه القنوات، اما القضاء عليه فهو أمر يعد في غاية الصعوبة.

* المبدع الفنان العراقي في الداخل يلاقي الكثير من الإحباطات والعزلة وقلة الدعم إضافة الى العنصر الأمني غير المتوفر فكيف من الممكن الخروج من هذا المأزق؟
المبدع العراقي مثل نخيل العراق ما زال شاهقا يواجه العواصف بثبات شديد وان ما يعانيه من احباط بسبب الظروف التي يمر بها يعد جزئيا بالقياس ما يعانيه من عزلة من محيطه العربي، لكن المدهش أن النشاط الثقافي في العراق يتصاعد رغم كل تلك المأساة وتجد القاعات التي تنظم الفعاليات الثقافية زاخرة بالمتابعين وهو امر يبعث على الحيرة والدهشة في آن واحد.

* افلام كثيرة أميركية تناولت الوضع في العراق الجديد فهل أنصفت هذه الافلام الواقع وما هو أفضل فيلم تناول الواقع بشكل حيادي؟
باتت الموضوعة العراقية خلفية لكثير من الاعمال السينمائية العالمية والاميركية منها على وجه الخصوص، لكن معظمها يتناول زاوية واحدة فقط وبشكل سطحي على حساب البطل المنقذ الذي يمثله بالضرورة الجندي الاميركي لكننا يمكن ان نؤشر افلام مميزة تناولت الموضوعة العراقية مثل فيلم laquo;لعبة عادلةraquo; والذي قام باداء الادوار الرئيسة فيه شون بين وناعومى واتس، وهما من كبار نجوم هوليود، وكذلك فيلم laquo;مملكة الجنةraquo;، إخراج ريدلي سكوت، وتمثيل خالد النبوي رغم اختلاط الحقائق فيه، لكني شخصيا اميل لفيلم أوليفر ستون في فيلمه laquo;طريق أيرلندىraquo; الذي يتناول الحرب من زاوية لم يتم تناولها من قبل، ويعبر عن موقفه الانساني لمناصرة الابرياء العراقيين ضد تجار الحرب ومحترفي القتل.

* هل شاهدتم فيلم ابن بابل ما رأيكم بهذا الفيلم؟.
فليم محمد الدراجي quot;ابن بابلquot; يعد خطوة مهمة في قيام سينما عراقية خارج حدود البلد المكانية رغم صعوبة تحقق هذه الخطوة لكنها على الاقل البديل الوحيد المتاح امام السينمائي العراقي ورغم ان الفيلم يحمل الكثير من النبل لكنه اتسم بطبيعة ميلودرامية تستدر الكثير من الحزن والشجن وتعزف على نغم المشاهد العربي الذي يريد هذه الصورة من الافلام عن الوضع العراقي، وهو ما يفسر الاهتمام الذي لاقاه في المهرجانات العربية.

* رسالة تودون تمريرها الى الفنان العراقي في الخارج؟.
الفنان العراقي في الخارج يجب ان يعي انه بات ممثلا عن العراق اينما اتجه واينما عمل وهو ما يضاعف همته لتمثيل هذا البلد العملاق في هذه المرحلة من الزمن.

* حدثنا عن قسم الاعلام والاتصال في الاكاديمية العربية في الدنمارك وكيفية الانتساب له والدور الذي يلعبه؟.
منذ ست سنوات ونحن نعمل على تأسيس قاعدة اعلامية متماشية ومتطلبات عالم الاعلام والاتصال المتسارع والمتطور محاولين الاستفادة القصوى من وجودنا في بلاد المهجر وما تتيحه لنا من تقنيات ممتازة، وقسم الاعلام في الاكاديمية العربية في الدنمارك استقطب العديد من الاسماء الاعلامية المهمة في الفضاء الاعلامي العربي وخرج دفعات من طلبة الدكتوراه والماجستير والبكلوريوس وله موقع نشيط على الفيس بوك وينتج سنويا عددا من الافلام والبرامج التلفزيونية والاذاعية على شكل مشاريع تخرج لطلبته ويمكن الانتساب إلى القسم بمجرد الدخول وقراءة التعليمات الخاصة بالقبول على موقع الاكاديمية في الشبكة العنكبوتية.

* كنتم اخرجتم فيلما قصيرا بعنوان حلم المياه حدثنا عن هذا الفيلم وهل من تجارب اخرى سينمائية تم انتاجها او تفكرون بخوضها؟
فيلم حلم المياه كان بداية لتوثيق الابداع العراقي في الخارج فهناك اعداد كبيرة من هؤلاء المبدعين لابد من تسليط الاضواء على تجاربهم بطريقة راقية تأخذ طابع سلسلة الأحلام فبعد إنجاز حلم المياه عن تجربة الفنان التشكيلي علي النجار اوشكنا على الانتهاء من تجربة الفليم الثاني وهو يحمل عنوان حلم الضوء وسيكون عن الفنان المسرحي حميد الجمالي، وستستمر هذه السلسلة ان شاء الله تعالى.


* في الوضع الراهن أصبح الناقد ايضا في العالم العربي معرضا للتكفير بسبب موجة العنف الفكري ضد الفن في العالم العربي فما هو الحل لتجاوز هذا الطوق؟.
ليس الناقد وحده من يواجه موجة التكفير بل كل المثقفين والادباء والفنانين الذين يجاهرون بقول الحقيقة والغريب ان معظم من يكفرهم لايستطيع النظر ابعد من ارنبة انفه وهم مجموعة من المتخلفين عقليا والمأزومين والمكبوتين الذين يحاولون تعويض نقوصاتهم بحجب الجمال عن الاخر والحل في رأيي هو عدم السكوت لهؤلاء وانتاج المزيد من الابداع الذي لايستطيعون الحد منه حتى لو جندوا كل شياطينهم.

* كلمة اخيرة تودون طرحها؟
مقولة جورج يونغ quot;أدر ظهرك للرياح، وضع الشمس أمام وجهك... دع رياح القدر ترفعك إلى السماء... وارقص مع النجومquot;.
[email protected]