فرقة دار الاذاعة العراقية عام 1936، من اليمن الى اليسار: ابراهيم طقو- تشلو، داود الكويتي ndash; عود، يعقوب العماري ndash; ناي، محمد القبنجي ndash; قارئ المقام، صالح الكويني ndash; كمان، يوسف زعرور ndash; قانون، وحسين عبد الله ndash; دنبك

إلى ذكرى الصديق الراحل نعيم حلبي

عندما نفى جيش نبوخدنصر اليهود الى بابل بعد ان خرّب الهيكل الأول واحرقه عام 586 ق.م.، سمح لهم الغزاة المنتصرون بمصاحبة آلاتهم الموسيقية التي كانوا يعزفون عليها في تراتيل صلواتهم ومزاميرهم في الهيكل الذي بناه الملك سليمان النبي. وهناك جلس اسرى السبي البابلي الغاشم على ضفاف انهار بابل باكين نائحين، متذكرين ايامهم الزاهرة في صهيون-اورشليم، فعلقوا على أغصان صفصافها الغض اعوادهم وكنانيرهم، ليلتقطوا انفاسهم على ضفافها بعد عناء النفي سيرا على الاقدام خلال اسابيع طويلة وسياط الغزاة تلهب ظهورهم. وهنالك طلب منهم جنود مملكة بابل القساة بعنجهية المنتصر ونشوته، ان يترنموا بترانيم صهيون ليطربوهم. صدمهم هذا الطلب الباغي، وأبوا بأنفة وكبرياء الاستجابة لأعدائهم وأعولوا باكين، quot;كيف نرنـّم ترنيمة الرب في أرض غريبة؟quot;. وعملوا بنصيحة النبي إرْمـِيا، quot;واطلبوا سلام المدينة التي سبيتكم إليها وصلوا لأجلها الى الرب لأنه بسلامها يكون لكم سلامٌquot;. وهكذا الفلحوا في الصمود أمام الاندماج والذوبان في المجتمع الجديد والبقاء طوال هذه القرون الطويلة محافظين على دينهم ودنياهم.
وبعد 2500 عام من العيش على ضفاف انهار بابل الثرة ومائها الفرات النمير، وبعد أن كانوا قد ساعدوا العرب الفاتحين في احتلال فارس واسقاط عرش كسرى الساساني في العراق، وهو الامر الذي لم ينسه الفرس ابدا، وما زالوا يعيرون به يهود العراق الى يومنا هذا، حتى كانت حرب فلسطين عام 1948، وصمد اليهود هذه المرة، فانتقمت الحكومة العراقية من اليهود، بقوانين لم يحلم بها لا فرعون ولا هامان ولا نمرود، قوانين اطارت صواب كل من ابتلع صنارة قانون التسقيط ، ثم تلاها في عام 1950 قانون أمرّ من سابقيه، وهو قانون تجميد اموالهم المنقولة وغير المنقولة، وطردتهم على متن الطائرات التي استأجرها صباح نوري السعيد لحمل اليهود العراقيين المسلوبي الصبر والقلب والمال من هذه الداهية التي دهاهم بها داهية العراق نوري السعيد، سعيدا بتقاسمه أجور السفر مع ابنه ومع وزراء أخرين، ثم فرهدوا مع العامة، بيوت اليهود وقصورهم التي تركوها عام 1951 بما فيها من الأثاث والمفروشات. ولكنهم لم يدركوا بأن ذلك اليوم كان اليوم الذي تحققت فيه نبوء كليم الله بحمل بني اسرائيل على أجنحة النسور. وطلب الموسيقيون والمغنون اليهود من وزارة الداخلية حمل آلاتهم الموسيقية معهم آملين أن يأخذوها معهم كما فعل آجدادهم في سبي بابل ايام نبوخدنصر، حين حملوا أعوادهم وعلقوها على صفصاف انهار بابل حزنا ويأسا. أما موسيقيو العراق الحديث فقد حاولوا أصطحاب آلاتهم الموسيقية العزيزة عليهم كفلذات اكبادهم، آلات العود والكمان والسنطور والقانون والمزمار والجوزة والدف والنقارات، فإذا بقلوب جلاوزة التسقيط أقسى من الصخر الجلمود ومن قلوب جنود نبوخدنصر، فلم يحنوا عليهم ورفضوا طلبهم باخراج آلاتهم الموسيقية من العراق بدعوى انها أصبحت، بعد قانون تسقيط الجنسية العراقية وتجميد أموال اليهود المنقولة وغير المنقولة، ملكا للحكومة العراقية، ولا يمكنهم التصرف بها والرحيل معها الى فلسطين المحتلة.
وأمام ضباط الكمارك قساة القلوب كعشاري الجليل بل كجنود فرعون الذين طاردوا بني اسرائيل بين لجج بحر القلزم (البحر الأحمر) الذي فـَرَقـَه موسى الكليم بعصاه في سلسلة من المعجزات التي عجز عنها من جاء بعده. وفي مطار بغداد وقف الموسيقيون وعلى رأسهم صالح وداود الكويتي بوجوه وجلة، واجسة، مكفهرة quot;وقد تهدم منهم ثلثين الحيلquot;، وquot;روحهم ترف وتغيبquot; بعد أن أنكروا فضلهم على المقام العراقي والأغاني العراقية الشجية، متحسرين على الماضي ومتذكرين ايام عزهم عندما كانوا يحيون الليالي الملاح في قصور زعماء العرب في افراحهم واعيادهم. فتح الجلاوزة بعنف وبكراهية مسعورة حقائب الصفيح فعثروا على نوتات أغاني الاخوين الباكيين، فصادروها شامتين بملكي الطرب العراقي العربي الاصيل، ومقاماته التي أغنوها بالحانهم الشجية، وشيعوهم بقهقهات الشماتة والاستهزاء quot;ولك حسقيل، قلنالك سلـّم!quot;. ثم جاء دور ملك النافخين في المزمار السحري، البير الياس، ومعه علبة فيها ثلاثة مزامير من قصب أهوار العراق الرطيب. فلما فتح العلبة هال رجل الكمارك ما يرى، ويا لهول، ثلاثة انابيب وفيها خزوق مستديرة على ظهرها، وتبدوا مريبة، لعلها آلة تجسس من اختراع زعماء صهاينة quot;التنوعةquot; وهي الحركة الصهيونية السرية العراقية التي ادارت فيما بعد، حركة الهجرة من كنيس مسعودة شمطوب مع موظفي وزارة الداخلية، فسأل بغضب، وقد انتفخت أوداجه:
- quot;ولك هاي شنو؟ هاي تريد تضرب بها دربين وتتجسس بيها على العراقيين، يا صهيوني يا خائن؟quot;.
اجاب البير الياس وقد امتقع وجهه وشعر بأن عليه ان يتخلى عن فلذات كبده quot;المرضرضquot;،
- والله يا عمي هاي مزمار يعني مطبجquot;،
- ولك يا مطبج، هذا لازم يكون سبطانة بندقية لو دربين للتجسس، لا هذا طويل ما تكدر تاخذه وياكquot;،
- زين عمي انطيني الثاني الاقصر منه.quot;
- لا هذا هم طويل شوية وهم ينضرب بي دربين وتكدر تتجسس بيهquot;،
- زين، خاطر الله، انطيني الثالث الصغير، ميطلع طوله شبر، بعده زغيرون وما يعرف يتجسس!
ضحك الموظف ضحكة بلهاء وكشر عن انيابه فبدا كأنه ليث يبتسم، وسمح لصاحبنا بأخذه معه إكراما منه وهو يشعر بأريحية العفو عند المقدرة.
أما الوحيدة التي يقال انها افلحت في اخراج كمجتها ومصاحبتها لها في الطائرة الى مطار تل أبيب فقد كانت اخت فيوليت زوجة الشاعر شلومو شبيرو، التى عشقت العزف على الكمان وصحبته معها مستميتة، ومصممة على اخراجه معها بكل ثمن، قال الكمركجي:
- إي ولله خوش بسته، تريدين اتهربي اموال الحكومة؟
قالت له باصرار وأدب:
-لا ولله عمي، هاي ورقة وزارة الداخلية ، quot;لا مانع من الاخراحquot;،
-آني ما اعرف ورقة شمرقة، آني اعرف انت تريدين اتهربيها وتبيعي املاك الحكومة العراقية باسرائيل المزعومة، واي واي، لا لزم اصادرها،
سمع احد الضباط كلامهما فتقدم اليهما وقال لها بشفقة، وليش تريدين تاخذيها وياج يا أختي؟
-آني احب الموسيقى وما اكدر اعيش بلا هل الكمنجة!
-زين اذا هيج، اشو دكي عليها، واذا ما عرفتي ادكين عليها نصادرها،
فتحت بيت الكمنجة الفاخر المبطن بالقماش الحريري الوردي، ودهنت القوس، وصارت تعزف على كمانها وقد اطبقت جفونها في سكرة عاطفية حالمة، لحنا ما ان سمعه اليهود الذين اطارت هذه الاحداث صوابهم، حتى جمدت دماؤهم في عروقهم متوقعين الويل والثبور. ثم سكن روعهم عندما علت ابتسامة الدهشة والاعجاب شفاه الكمركجية ورجال الشرطة لهذا اللحن الجديد، ولم يفهموا لماذا بدا الخوف والقلق واصفرت وجوه المطرودين لهذا اللحن الحنون، والذي اقنع موظفي المطار بموهبتها الموسيقية، quot;وإذ خمد الصوت الأخير بمسمع رجال الشرطة عادوا الى رباطة جأشهم وكبريائهم المتناثرة شظايا صارخين بصوت عال : quot;يلله، يلله! ولي من هنا يا يهوديةquot; (من كتاب البستان، لسيجال شبيرا، ترجمة سمير نقاش).
تنفس المطرودون الصعداء إذ لم يدرك المسؤولون ان هذا اللحن الذي عزفته الفاتنة الصغيرة كان quot;نشيد الأملquot; (هتقوا أو باللهجة الاشكنازية : هتكفا)، وهو النشيد الوطني الصهيوني لدولة اسرائيل الفتية. وعندما صعدت الفتاة سلم الطائرة، علت على شفتيها ابتسامة انتصار وتشف، لقد عزفت النشيد الوطني الصهيوني الاسرائيلي، وهو خير ختام لمرحلة العذاب الطويل من الاهانات والتحقير والطرد النهائي فقد أبْدَلَ الاضطهاد والظلم، النشيد الوطني العراقي بالنشيد الوطني الاسرائيلي، عند هؤلاء الذين أخلصوا للعراق العربي وفرحوا عندما كان العراق أول من ابدل أسماء الرتب العسكرية العثمانية الى اللغة العربية الفصحى، ورفعوا وطنهم الى مصاف الدول الحديثة، كانها تقول لهم، مع مجنون ليلي:
دعوني فأرض الله واسعة غدا أبدل أحبابا وأوطانا
وحين وصل القادمون الجدد إلى أرض الميعاد وسكنوا في خيام معسكراتهم المظلمة، كاد هؤلاء المطربون والموسيقيون يموتون جوعا وكمدا في أيام الفقر والعوز والبحث عن عمل يكسبون به لقمة العيش لهم ولأولادهم. وبدل اقواس الكمان وريشة النسور للعزف على العود، اعطتهم السلطات مساحي العمال وفؤوسهم في عمل موقت، أدمت اكفهم التي لم تتعود على الأعمال الشاقة، وعندها تذكروا انهار العراق وليالي الجزرة المقمرة، بكوا وشكوا، فلم يكن لهم حتى اعواد يعلقونها على أغصان أشجار الزيتون والبرتقال التي كان عليهم نكش الاعشاب من حولها تفاديا لشبوب الحريق فيها ايام الصيف المحرقة. بكوا شاتمين نوري السعيد وبن غريون والطائرة التي اقلتهم. أما من ابتسم له الحظ من اصحاب المبادرة منهم، مثل صالح وداود الكويتي فقد قتحا لهما دكانا في سوق quot;شخونات هتكفاquot; لبيع ادوات منزلية، ثم اصبح دكانهما مجمعا للموسيقيين والمغنين يزوره كل من يرغب في عقد حفل عائلي. وسافر آخرون الى اورشليم القدس ودقوا باب مبنى إذاعة صوت اسرائيل ليقفوا في طابور طويل أمام باب مديرها البغدادي الذي تعلم عزف العود على خريجي مدرسة مواساة العميان اليهودية في بغداد. وابتسم الحظ لصالح وداود الكويتي ولألبير الياس، وداود اكرم الكمنجاتي، ويوسف زعرور عازف القانون، وحسقيل شبث قارئ المقام، وغيرهم، إذ تعرف عليهم مديرها السيد شاؤول بار- حاييم، واحتضنهم وأصرّ على مساواة اجورهم بأجور عازفي السمفونيات في أوركيسترا الموسيقى الأوروبية في إسرائيل. وفي حيفا ثابر الشاعر ابراهيم عوبديا على احياء الغناء العراقي والمساهمة في تأليف اغنياته العراقية باللهجة الاسلامية وكتبه عن المقام والغناء العراقي عامة.
ورويدا رويدا انتقل المهاجرون من الخيام الى الصرائف ثم الى بيوت من حجر صخور جبال يهودا، بعد ان أصر القادمون من العراق على سكنى المدن القريبة من تل ابيب ورفضوا توطينهم في مستوطنات على الحدود بعيدين عن المراكز التجارية والاقتصادية والعلمية والمدارس العالية، وسرعان ما امتلأت بهم البنوك ودوائر ضريبة الدخل والكمارك والمكوس وإدارة الحسابات وتدقيقها وفتحوا المتاجر والمطاعم ومقاهي الطاولي والدومنة وحوانيت البهارات والعنبة الهندية والطرشي، وتنانير الخبز والكورك العراقي، والتي أطلقوا عليها اسماء عراقية بحتة، فأنشأوا عراقهم الجديد وبغدادهم الجديدة واقتنوا الآلات الموسيقية الشرقية من ايران وتركيا، وأجبروا المشرفين على الثقافة في اسرائيل على التخلي عن سياسة صهرهم في بوتقة الثقافة الشرق - أوروبية التي كانت سائدة في السنوات الأولى لهجرتهم.
وعندما طردوا شبح الجوع والفاقة، ظهر أمامهم شبح الظمأ الى تراثهم المهمل يتلوى كالعربيد في صدورهم شوقا إلى احياء أدبهم وموسيقاهم وغنائهم العراقي، وأصروا على الكتابة باللغة العربية والتكلم فيما بينهم باللهجة العراقية اليهودية، وأنشأوا الجمعيات الثقافية التي شجعت الموسيقى والغناء العراقي، هذه الجمعيات التي انتشرت في مهجرهم الجديد كانتشار المآذن في أوروبا وأمريكا. ولعل اعظم انجازاتهم في هذا المضمار هو انشاء صندوق تشجيع التعليم في اسرائيل لدعم الطلبة من يهود العراق وغيرهم بمبادرة مدقق الحسابات السيد عزرا كباي والاستاذ عوبيد بن-عوزير، ومركز ومتحف تراث يهود العراق بمبادرة الوزير السابق مردخاي بن فورات، وجمعية تشجيع الثقافة والفنون من تأسيس نخبة من المثقفين العراقيين الحريصين على تراثهم الثقافي تولاها المحامي مردخاي بيبي ثم عضو الكنيست السابقة نزهت قصاب، ونادي الرافدين في رمات كان من تأسيس أسرائيل شهرباني وحسقيل يوجيب، ورابطة الجامعيين اليهود النازحين من العراق ومعهد ابحاث الحركة الصهيونية في العراق، من تأسيس ابراهام كحيلة ويوئيل زلخة، هذا بالاضافة الى جمعيات اتحاد يهود كردستان ويهود المدن العراقية المختلفة كالموصل واربيل والعمارة والبصرة وتأسيسهم للمكتبات والمجلات والمتاحف للحفاظ على تراثهم. وهذه المؤسسات تهتم بالابحاث العلمية والمحافظة على الفلكلور والغناء العراقي.

شولي ndash; أمسيات عراقية - فرقة موسيقية عراقية تحيي حفلات الحنين الى ليالي العراق المقمرة. من اليمين الى اليسار: الراوي والمؤرخ نسيم دنكور في امسية عن تاريخ يهود العراق وتقاليدهم وعاداتهم، والى يمينه هرصل ساجي- ضابط ايقاع، البير إلياس ndash; مزمار، أ.د. شموئيل (سامي) موريه، المطرب عزيز جلال، فيكتور عيدا ndash; عازف قانون، روني دلال- عازف عود ، شولي كباي، منظم أمسيات الذكريات العراقية، يهودا معلم ndash; دف بالصنوج، إلياس زبيده-عازف الكمان، في قاعة بيت شموئيل في أورشليم القدس، كانون 2، 2011

وفي الآونة الأخيرة تأسست جمعية quot;شولي الثقافية العراقيةquot; الفريدة من نوعها، وشولي كباي هو من مواليد البلاد من ابوين غادرا العراق في اوائل الخمسينات وأن لم يكن من قراء العربية الفصحى فهو من المتبحرين في العادات والتقاليد الدينية والاجتماعية ليهود العراق. وقد جذبت اليها هذه الجمعية التي لم يمض على تأسيسها سوى ثلاث سنوات، المئات من المعجبين الذين يتراوح عددهم بين 400 الى 800 زائر في كل أمسية من جيمع الاعمار. والجديد فيها انها تعتمد على طريقة الراوي الذي يروي تاريخ يهود العراق السياسي والديني والثقاليد والعادات وفنون غناء الأغاني الدينية والفولكلورية العراقية بمصاحبة جوق موسيقى من كبار الموسيقيين. وفي كل حفل يدعى أحد كبار المغنين ليغني الأغاني المتعلقة بموضوع المحاضرة. أما كلمات الاغاني والمقامات العراقية فتعرض بحروف عبرية وبترجمة عبرية لها تظهر على شاشة كبيرة من وراء الجوق الموسيقي. ويصاحب الاغاني عرض لصور الأماكن والمحلات والمدن والجسور والشخصيات العراقية حسب موضوع البحث، وتعقد هذه الجمعية حفلاتها في كبريات القاعات الرئيسية في المدن الاسرائيلية المختلفة تحت عنوان quot;دورة الحياة في طوائف يهود العراق... أمسية دموع وعواطف واعتزازquot;، بإدارة شولي كباي وهو المسؤول عن إدارة الصوت والانارة والاعلانات.
يبدأ الراوي نسيم دنكور، (وهو مدرس ومربي هاجرمن العراق في سن السادسة ونشأ في مخيم القادمين الجدد، ثم عمل موظفا في احد البنوك وهو اليوم يشغل وظيفة مرتل ترانيم دينية ورجل دين ورئيس جالية quot;ابناء دجلة والفراتquot; في الخضيرة) حديثه عن تاريخ الموضوع الرئيسي الذي يتحدث عنه، ثم يدعو الى المنصة المغني الذي يحيي الحفل كالمطرب ميلو حمامة وعزيز جلال، (وهما من الذين جابوا الجاليات العراقية المختلفة في اوربا وكندا والولايات المتحدة واستراليا)، بصاحبة فرقة العازفين الذين يظهرون في الصورة أعلاه. ولم يبق من المطربين والموسيقيين من الذين قدموا من العراق سوى القليل من المخضرمين الذين عزفوا في دار الاذاعة العراقية في بغداد. وهكذا أفلح منظمو هذا البرنامج المتنقل في مدن اسرائيل في اجتذاب اكبر عدد من المعجبين واحياء التراث والذكريات الحلوة والليالي الملاح الحنين الى الماضي.
وفي عرض السيد دنكور للأغاني العراقية المتعلقة بمدن وادي الرافدين من الجنوب الى الشمال، يبدأها بأهل البصرة ويصف اخلاقهم وعداتهم، ثم يغني المطرب عزيز جلال بمشاركة الجمهور:
أحيا وأموت عل بصرة، خلت باكليبي حسرة، أحيا واموت عل لبصرة،
ثم يختمها بأهل الموصل الذين يلعنون القطار وابو حركاتو، وينهونها بالبيت الغامض السياق: quot;سُعادتي الماتت، دلال أوي أوي دلالquot;. ثم يروي قصة تأليف أغنية: quot;ظلام ما عندكم رحم يا اللي ظلمتونيquot;، فيقول بان ناظمها هو يهودي من مساجين سجن ابي غريب اتهم بتهمة الصهيونية ظلما وعدوانا، ثم هربها مع احد السجناء الذين قضوا مدة محكوميتهم وارسلها الى المغنين اليهود العراقيين في بغداد، فاصبحت اغنية الاحتجاج على الاحكام الاعتباطية فيها، بقوله:
ظلام ما عندكم رحم يا اللي ظلمتوني بالـفـرح تـقـضون العـمر وآنـي نسيتونـي
جنت ماشي بالدرب صهيوني تهمونيوحكمت عليّ المحكمة وللأبو غريب ودوني
والله لأهجر العراق وما أشوفه بعيوني ما أرضى أنـا بهل حكـم، حكـم فـرعـونـي
ومن حين الى آخر يسألني الأعلاميون في برامج الاذاعة والتلفزيون في مقابلاتهم المختلفة معي، سؤالهم الحائر المتكرر: quot;كيف تحن الى العراق، حتى بعد سـتين عاما من الفراق؟quot; فاقول لنفسي وقد تفجرت في قرارة روحي المعذبة ألف ذكرى والف عاطفة: quot;والله سؤال غريب لا استطيع الإجابة عليه، فالعبرات تغصّ بجميع الكلمات، فاعذروني!quot;