تتجه مصر quot; أم الدنيا quot; مصر العروبة، إلى طريق يقصي دورها الرائد، على الصعيد العربي، الإقليمي، والدولي، وتجعل منها لاعب من درجة رابعة أو خامسة، أو حتى تضعها خارج اللعبة، بعد أن كانت في ريادة القرار في المنطقة، والطرف الذي كان له دور فعال وأساسي في اتخاذ اي قرار بخصوص الدول العربية والغير عربية في الشرق الأوسط وأفريقية.

بدأت هذه اللعبة المركبة، في تهميش الدور المصري وإخراجها من إطارها المصري والعربي، إبان الثورة المصرية، فبعد نجاح الثورة، وضِعوا الإخوان في الخط الأول، بوصاية تركية ودعم أمريكي، وتمويل قطري، وركبت quot;الجماعة quot; المركب، متسلقين على اكتاف شباب مصر البواسل، الذين صنعوا هذه الثورة، بمعارك سلمية ( بدون اللجوء إلى العمل العسكري )، معارك خاضوها للوصول إلى دولة مدنية، ترفع من شأن المواطن المصري.. إلى دولة تحفظ حقوق المصريين، وتوفر لهم الحياة الكريمة، وتخرجهم من نظام الحكم الشمولي، كما تضمن المساواة بين جميع افراد ومكونات المجتمع المصري، الاجتماعي، السياسي والديني، في دائرة الحرية والديمقراطية حيث يمتثل الشعب في مصر، ومصر في الشعب... ولكن هل هذا حصل؟

بيتروس بيتروسيان
لن أخوض في تفاصيل كيفية وصول quot; الإخوان المسلمين quot; لسدة الحكم، ومن هم الاطراف التي دعمتهم، أو أوصلتهم، لما هم عليه اليوم، بات كل مصري وحتى العربي، يعرف تفاصيل هذه اللعبة... اصبحت الأمور اكثر وضوحاً، بعد تسلمهم زمام الأمور.

ولن أتكلم عن ضخ الأموال والوعود بالاستثمارات، اثناء الثورة، اليوم، والخطط المستقبلية، من المثلث التركي، القطري والامريكي، ما سيجعل مصر، مرتبطة بهم، وما يعني سيطرتهم على قرار الحكم فيها... وكما قلت في مقالات سابقة، ان السيطرة على أشخاص، او دول، اقتصادياً، يعني السيطرة على كيانهم، عقلهم، قرارتهم، بالتالي، السيطرة على الجسد أي الدولة.

إن اقحام مصر من البوابة التركية، هي لعبة سياسية تسعى لتحجيم، والأصح، إلغاء الدور المصري في اتخاذ القرارات المفصلية لرسم سياسة المنطقة، استراتيجياً، سياسياً، وعسكرياً، إلى ما هنالك من أدوار من الممكن أن تقوم بها، لتحديد مستقبل بلادها، والمنطقة.. إن السياسة التركية العثمانية واضحة لمن يعرف التاريخ التركي، وسعيهم بعد سقوط العثمانيين، لإقامة امبراطورية جديدة، بداية من العالم العربي.. حلم تركي لم ولن يموت، إلا بتحقيق هذا الحلم، أو بتقسيم تركيا.

إن دخول الرئيس محمد مرسي تحت جناح اردوغان، سيجر مصر إلى هاوية تغيير الهوية العربية، وهذا ما تسعى إليها تركيا، وتعمل وتصرف المليارات مع شركائها، لتحقيق هذا الهدف، بدءً من مسرحية اردوغان الرخيصة المصطنعة في دافوس 2009، والوصول إلى فيلم قافلة الحرية، لكسب الرأي العام للشارع العربي والسياسي ايضاً، فالشعب العربي كما نعرف، يتعامل بالعواطف وبالأخص فيما يخص القضية الفلسطينية..

اما الساسة العرب؟؟!! السياسيون العرب فهم بعيدون عن المفهوم السياسي تماماً، فمن السهل ( اقناعهم ) بجدية تركيا بتعاملها مع العرب، أو الخوف على مصالحهم يجعلهم ينغمسون في هذه اللعبة... كما اتخذت تركيا من الدين الإسلامي، دافعاً، توصلها لغاياتها، فهم ابناء الدين الواحد!! وهذا كاف لوضع العرب تحت مظلة الأتراك.. فنسي العرب وبسرعة، الظلم العثماني وما فعلوه معهم عبر قرون.

بعد زيارة الرئيس المصري محمد مرسي، تركيا، في ظل ما يحدث اليوم في المنطقة العربية، من اقتتال وتدمير لدول عربية كانت شريكة مع مصر في اتخاذ القرارات الهامة في الشرق الأوسط، سياسة تعمل على خلق أزمات عربية عربية، وهذا يأخذ الإخوان إلى ما هو ابعد من حل الصراع، وكان واضحاً أن دعوة الرئيس مرسي إلى مؤتمر حزب العدالة والتنمية، هو إظهار لقوة اردوغان، وضمان وضع الإخوان و مرسي تحت الجناح التركي، وتحويل مصر من دولة قرار إلى دولة ذو تبعية، والتبعية السياسية ترافقها تبعية اقتصادية ومالية وبالتالي تبعية اجتماعية، وإن كان الإخوان على غير دراية بالمخطط التركي على مصر والمنطقة العربية، فهذه مصيبة، وإن كانوا على دراية بكل ما هو مخطط فإنهم يجرون مصر إلى كارثة حتمية، مصيرها التقسيم، وهذه مصيبة أكبر بكثير.

وهناك هدف آخر من تبعية الإخوان لهذا المثلث، الوصاية التركية، الدعم الأمريكي، والتمويل القطري، ألا وهو إيقاف المد الشيعي الإيراني في مصر، من دون اللجوء(على الأقل حالياً) أو الخوض في صراعات سياسية أو دينية داخلية ما بين الإخوان، والشيعة، من خلال توسيع المد التركي، وبحسابات الجماعة، أن هذا كفيل على الحد من انتشار الشيعة في مصر، وضرب المخطط الإيراني.

هناك عملية تتريك ممنهجة تحصل، بدأت منذ سنوات، قبل ما سمي (بالربيع العربي)، من المسلسلات التلفزيونية التركية، وتستكمل اليوم، وليس مستبعداً تدريس اللغة التركية في المدارس العربية والمصرية، بموافقة من وزارة التربية وإدخالها في المنهاج السنوي، وإن لاقت رفضاً من الشعب المصري، فالبديل، المدارس النموذجية المدعومة من حكومة اردوغان لتدريس اللغة التركية، والتي يُصرف عليها الملايين في الكثير من الدول لإنجاح هذه الخطة، من تأمين رحلات مجانية للطلاب للسفر إلى تركيا سنوياً، وغيرها، وغيرها.. والمطلوب هو الوصول إلى الهدف.. التتريك.

إن السياسة التركية، الخليطة ما بين العلمانية والإسلامية، تستعمل الشقين في تحقيق اهدافها وتطلعاتها، فالإسلاميين يستعملون العلمانيين، والعلمانيين يستعملون الإسلاميين، والمهم هو الوصول للرغبة التركية في السيطرة على المنطقة، ولكن هل هم قادرون.. هنا يكمن السؤال.

هل ستصل تركيا لتحقيق ما تسعى إليه، أم إرادة الشعب ستنتصر في النهاية؟
وهل ستبدأ حقبة جديدة للاحتلال العثماني التركي، تحت شعار تحرير الشعوب، والدولة المدنية الإسلامية؟
أم ستستفيق الشعوب العربية، والشعب المصري على الخصوص، ليكون هناك ربيعاً جديداً؟

بروكسل
[email protected]