من غير المعروف ان كان القاء الكلمات المتتالية في الجمعية للأمم المتحدة من قبل كل من الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو مجرد صدفة ام مُخطط لها.

خطاب الرئيس عباس كما الخطابات السابقة طالب بحقوق الشعب الفلسطيني الذي يقبع تحت الاحتلال ويعاني شتى انواع التعسف والعنصرية من قبل دولة لا تقيم اي معنى للقيم الانسانية، وتم التركيز على وقف الاستيطان الذي يلتهم الارض الفلسطينية، إذ حذر عباس من تزايد هذا لاستيطان الذي اسماه العنصري الكارثي، والتمسك بحل الدولتين واقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

ان كلمة عباس كانت ناجحة اذ نالت تصفيقات الحضور المتتالية مما يعني الدعم في الجمعية العامة للمواقف التي طرحها حيث طلب الحصول على وضع فلسطين دولة غير عضو في الامم المتحدة وقال بأنه سيسعى الى طلب العضوية الكاملة في المستقبل، الا ان هذا كله لا يعني شيئاً ان لم توافق امريكا واسرائيل على ما يطرحه الفلسطينيون.

بعد فشل المفاوضات الماراثونية مع دولة الاحتلال التي تماطل منذ عشرين سنة دون تقديم اي حل أو أي تنازلات للفلسطينيين وانما بالعكس تزيد من وتيرة الاستيطان لفرض الوقائع على الارض في ظل صمت عربي واذعان غربي لما تقوم به اسرائيل دون التحرك لفعل اي شيء لردعها، ويزداد الدعم لها ماديا وعسكرياً من قبل الولايات المتحدة الاميركية، فالشعب الفلسطيني في موقف صعب ووُضع بين خيارين احلاهما مر، الاول وهو الاعتماد على الامم المتحدة التي منذ سنة 64 سنة لم تستطع حل القضية الفلسطينية بسبب الدعم الامريكي اللامتناهي لدولة الاحتلال بالرغم من وجود قرارات تنص على حقوقه، الا ان هذه القرارات تم نسيانها في ادراج الامم المتحدة وأكلها الغبار دون تطبيقها، اما الخيار الثاني وهو المفاوضات مع الطرف الاسرائيلي الذي يتهرب من القرارات الدولية ويسعى الى الاستفراد بالفلسطينيين واجراء مفاوضات ثنائية بفرض وجهة نظره لحل الصراع والذي بالتأكيد سيكون مجحفا والذي بالطبع سيرفضه الفلسطينيون.

إبراهيم الشيخ

وعند ذلك ستفرض اسرائيل الحل الذي تريده وهو تقديم كانتونات مقطعة الاوصال للتحكم بها، ولن تسمح بقيام دولة فلسطينية مستقلة، وهي تلوح بالانسحاب احادي الجانب من الضفة الغربية وهذا ما صرح به قبل ايام وزير الفاع الاسرائيلي ايهود باراك، ان فكرة الانسحاب من جانب واحد من الممكن ان يكون بالفعل ما تفكر به اسرائيل في المستقبل كما فعلت في غزة وجنوب لبنان، وسبب ذلك ان اسرائيل لا تريد اجراء مفاوضات مع الفلسطينيين لكي لا تكون مجبرة ومضطرة للتنازل واعطاءهم ما يريدون وما يطالبون به.

ام من ناحية اخرى بالنسبة لخطاب نتنياهو والذي بدأ بالرد على كلمة الرئيس عباس بأن حل النزاع يجب ان يكون من خلال المفاوضات وليس من خلال الامم المتحدة تظهر امتعاض نتنياهو من كلمة عباس والذي اتهمه بالتشهير باسرائيل واعلان دولة من جانب واحد دون التنسيق مع الطرف الاسرائيلي، ولكن هذه امور سيرد عليها نتنياهو بعد العودة من نيويورك، لان القضية الفلسطينية والسلام مع الفلسطينيين لم يكونا على سلم اولوياته، وانما تركزت كلمته على قضية الاسلحة النووية الايرانية وتأثيرها على اسرائيل والشرق الاوسط والعالم.

ويتضح من كلمة نتنياهو كم الملف النووي الايراني يقلق اسرائيل، فنتنياهو وكما الاسرائيلين الاخرين بارعين باستدرار عطف القوى الدولية الى جانبهم، واقناع العالم بأن شعبهم ودولتهم مهددين ويجب على العالم الغربي الدفاع عن دولة اسرائيل، وتناسى نتنياهو القنابل النووية التي تملكها اسرائيل وتهدد العالم العربي بأكمله.

اراد نتنياهو اظهار اسرائيل كدولة متحضرة وتقف مع قوى العصرنة اي مع الدول الغربية وليس مع قوى التخلف، وبطريقة غير مباشرة اشار الى الذي حدث مؤخرا في الوطن العربي وهاجم المتطرفين الاسلاميين الذين يجب محاربتهم وهم يهددون ليس اسرائيل فقط وانما كل العالم المتحضر.

ان لقاء زعماء العالم في الجمعية العامة كل سنة والقائهم للخطب ما هو الا مناسبة لكل دولة لتعبر عن مشاكلها وعن امانيها، ولكن الامم المتحدة اصبحت عاجزة عن حل النزاعات بين الدول بسبب تقاطع مصالح الدول الخمس التي تتحكم بالعالم وكل جهة تريد رسمه حسب مصالحها ورؤيتها.


[email protected]