قطفت حركات الإسلام السياسي ثمار التغيير التي أصطلح على تسميتها بالربيع العربي والتي ضربت العديد من البلدان العربية واستطاعت هذه الحركات بما تملكه من قوة تنظيمية أن تفرض نفسها في النهاية مستغلة هذا المخزون الهائل من العُقَد الاجتماعية، والتَفاوت الطبقي الخطير، وحالة الإحباط والعوز التي تعيشها تلك الشعوب، وحركة الإخوان المسلمين هي في طليعة الحركات التي إستغلت هذه الثورات وتسلقت على ظهور شبابها من خلال إتفاق ضمني غير علني مع الولايات المتحدة الأمريكية التي ضغطت بدورها على حلفاءها من أمثال مبارك وبن علي للرحيل وترك السلطة بعد أن أدركت إنهم أصبحوا أوتوقراطيات مستهلكة وإنهم ذاهبون لا محالة، وأن القوى الليبرالية والعلمانية الموجودة على الساحة لا يمكن التعويل عليها لأنها غير قادرة على ملئ الفراغ، وضبط الأوضاع، وإمتصاص حماس الجماهير الهادرة، لذلك تمت المراهنة الغربية على الأوتوقراطيات الظلامية ذات الصبغة الإسلامية المزعومة أمثال الإخوان ومن لف لفهم لوضعهم أمام إلتزامات السلطة ومسؤولياتها وما يترتب عليها من إتفاقيات في منع الإنحرافات الإرهابية كتلك الموجهة للولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيين من جهات محسوبة على هذه التيارات المتأسلمة، علاوة على إن الغرب يَعد العُدَة لشرق أوسط جديد لم تتبين ملامحه بصورة واضحة إلا بعد صراعات طائفية وعرقية دموية لذلك فهو بحاجة لمثل تلك الجماعات الظلامية المتطرفة كأدوات لتنفيذ مشاريعه وأجنداته في تأجيج الأوضاع وإشاعة الفوضى الهدامة للوصول الى ما يبتغيه والشواهد عديدة وآخرها ما يحصل في سوريا لذلك فالحديث عن تغيير في التحالفات والمواقف في دول ما تسمى بالربيع العربي هو حديث عقيم نظرآ لطبيعة الأنظمة التي أفرزها التغيير وهي أنظمة قد حظيت بمباركة ودعم نفس القوى الكبرى والإقليمية التي كانت تدعم الأنظمة السابقة، وكأن الشعوب التي ثارت وطالبت بإصلاحات مشروعة قد تم خداعها أو معاقبتها بأنظمة أشَدُ إستبداداً وظلاميةً. فهل من المعقول أن يؤمن الإخوان المسلمون وغيرهم من حركات الإسلام السياسي بمصطلح (الديمقراطية ) والتبادل السلمي للسلطة ولا يسعون لتكريس وترسيخ تشبثهم بها؟؟ سؤال يحتاج الى كثير من الإجابات
لقد هلل الكثير من الكتاب والباحثين العرب لتلك الإحتجاجات وخاصة من ذوي الميول القومية العروبية الذين تُعشعش القضية الفلسطينية في عقولهم حتى أنسَتهُم التحليل الموضوعي للأحداث،ولم يُدرِكوا حجم التآمر الذي يُحاك للمنطقة وراحوا يركزون على التغيير في مصر وكأن النظام الذي جاء بعد نظام مبارك إن قدمنا حُسن الظن به ممكن أن يتملص بسهولة من إتفاقيات كامب ديفيد، ونظام المعونة الأمريكي، وإيرادات السياحة، وإستثمارات ومساعدات دول الخليج، لِيَعد الجيوش ويذهب لتحرير القدس بل ذهب بعض من هؤلاء الباحثين أبعد من ذلك في تَخيُلاتهم وتحليلاتهم البعيدة عن واقع مصر وإرتباطاتها وتصوروا قيام تحالف سيتراتيجي بين مصر وإيران رغم الفروقات الكبيرة بين البلدين، فإيران دولة قرارها سيادي وهي تأكل ما تنتج،لا تَستَلم المعونات، وغير مُكبَلة بإتفاقيات، ولا تُعَوَل على إيرادات سياحية، ولا تُخاطب العالم بوجهين مختلفين رغم إنها دولة برغماتية تستشعر الأخطار وتتأقلم مع كل المتغيرات والظروف رغم الضغوطات التي تمارس عليها،مع التحفظ على بعض سياساتها وخاصة علاقتها الشائكة مع العراق.
- آخر تحديث :
التعليقات