هل يعقل حقا أن الشعب العراقي ناضل وضحى وصبر وتحمل كل ذلك الضيم والظلم والفقر والعوز، من اجل إقامة نظام سياسي على هذه الشاكلة التي بدأت تتضح صورها ومشاهدها منذ 2005م ولحد يومنا هذا؟
ترى ماذا سنقول لمئات الآلاف من ذوي الشهداء والضحايا والمعذبين والمعاقين، وكيف سنبرر لهم ما يحدث الآن وما تفعله مؤسسات نظامنا الجديد من فساد وإفساد وظلم وتخلف فاق ما كان موجودا أيام الزمن الغابر؟
بل أن الكثير من المناضلين المخلصين والانقياء يخجلون اليوم من أولادهم وأسرهم ومقربيهم، حيث كانوا قد بشروا سرا أيام النظام البعثي بحقبة جديدة من العدالة الاجتماعية والنزاهة والحكام المخلصين، ودولة خالية من الدكتاتورية وأحزابها الفاشية؟
كفاح محمود كريم |
نعم بشرنا جميعا بدولة المواطنة لا دولة العشيرة والحزب والعرق والمذهب والدين، بشرنا بنظام سياسي مدني ديمقراطي يحترم كل الأديان والمذاهب والأعراق دونما أن يتبنى لونا دينيا أو مذهبيا أو قوميا عنصريا؟
ترى هل كانت نضالاتنا جميعا وعلى كل المستويات، احزابا وحركات واشخاص من اجل حفنة من النكرات والانتهازيين لكي تتسلق سلم الديمقراطية وتؤسس افشل نظام إداري ومالي وسياسي في العالم؟
وهل يعقل أن تنقلب الأمور بين ليلة وضحاها إلى سلوكيات لا مثيل لها، ففي كل ما تعارفنا عليه من قيم وأخلاقيات لدى جميع الأقوام والأديان والطبقات، أن تدعو جارك أو ضيفك إلى غداء أو عشاء أو حفل أو مأتم، لا أن تدعوه إلى صناديق الاقتراع لكي يختار لك من يمثلك؟
مشاهدة سريعة لمشهد مؤسساتنا التشريعية والتنفيذية يرينا بؤس ما اختاره الناخبون في أول ممارسة يفترض أن تكون حرة نظيفة ونزيهة، لا أن تتحكم فيها الفتاوى والفرمانات العشائرية التي صادرت حرية الاختيار، وأوصلت تلك النكرات الفاسدة إلى دفة الحكم، سواء في مجلس النواب أو في السلطة التنفيذية، ولعل كل واحد منا في قريته أو مدينته يتذكر جيدا تاريخ وسلوك كل شخص من هؤلاء الذين أصبحوا ممثلي الشعب أو وزرائه ومسؤوليه في غفلة من الزمن؟
ودوما تؤخذ الأمور بنتائجها أو خواتمها كما يقولون، فما أنتجته هذه المجاميع الفاسدة من أفواج الوصوليين والانتهازيين والسراق ونكرات المجتمع، منذ سقوط النظام وحتى يومنا هذا يؤكد حقيقة هؤلاء الفاشلين، سواء من كان منهم في البرلمان أو في الحكومة وبشكل خاص في مؤسسات الدفاع والداخلية والنفط والكهرباء والمالية، حتى أصبحت بلادنا من افشل البلدان في نظامها السياسي والمالي والإداري، وتفاقمت البطالة والتخلف والأمية والتضخم أضعاف ما كانت عليه قبل سنوات، وبتسلط هذه المجموعات المشرعنة بأنغام العشيرة والشيخ وفتاوى رجال الدين أصبحت بلادنا قرية وشعبنا عشيرة!؟
لقد عض الملايين من أبناء العراق أصابعهم التي تباهوا بلونها البنفسجي في الانتخابات الماضية التي أعطتنا هذا المشهد الذي نراه في القرية والمدينة والعاصمة، ولن أصفه وساترك لكل قارئ حرية التوصيف، لكنني أدرك كما يدرك الكثير إن الأغلبية من الأهالي نادمة على ما فعلت، وأنها إزاء مرحلة جديدة بعد أن أدركت فشل الذين أوصلتهم إلى مفاصل الدولة.
علينا جميعا أن نعي وندرك حقيقة ما حدث خلال السنوات الماضية والإحباط الكبير الذي أصاب معظم الأهالي ونعمل من اجل إما مقاطعة الانتخابات القادمة تماما، أو الرضوخ ثانية لنواميس شيوخ العشائر وبعض رجال السياسة والدين، الذين يصرون على تحويل دولتنا إلى مؤسسة دينية أو مذهبية أو عرقية أو دكتاتورية، والعمل بجدية من اجل البحث عن مرشحين يمثلون نبض الأهالي بحق، من الانقياء المخلصين الذين لم تلوثهم أكوام السحت الحرام وامتيازات الحكم والسلطة، وعدم فسح المجال أمام هذه النكرات لكي تؤسس لها موضع قدم مرة أخرى!
التعليقات